تواجه سوق النقل البحرى أزمة، خلال الفترة الأخيرة، تتمثل فى نقص الحاويات الفارغة «الفوارغ»، مما يؤثر بشكل كبير على سوق الصادرات المصرية. أكد عدد من العاملين فى النقل البحرى أن السبب فى تلك الأزمة يرجع إلى زيادة الطلب على المنتجات الصينية فى العديد من الأسواق، خاصة الأوروبية، وهو ما أحدث زيادة فى أسعار النوالين البحرية بشكل غير مسبوق.
وقال محمد عطوة، إخصائى استيراد/ تصدير بخط كوسكو، إن السوق الملاحية تعانى مشكلة نقص الحاويات الفارغة، موضحًا أنها تكون فى أوقات متفاوتة من العام، مشيرًا إلى أن السعودية دولة تعتمد على الاستيراد بشكل كبير، مقارنة بصادراتها؛ وهو ما يعنى بالتبعية توافر حاويات كثيرة، لذلك فالسوق السعودية تعد مصدرًا كبيرًا للحاويات الفارغة، والتى يتم سحبها عبر الخطوط الملاحية ونقلها إلى باقي الدول.
وتابع عطوة أنه بالنظر للسوق المصرية، فإن كمية البضاعة الواردة فى صورة حاويات تعتبر أقل من كمية البضاعة الصادرة، إلا أن المشكلة تتركز فى اختلاف كمية الحاويات الصادرة والواردة فى كل ميناء على حدة، مؤكدًا أنه فى أغلب الأوقات نجد الحاويات فى ميناء السخنة أكثر من أى ميناء آخر، اعتمادًا على أن اقتصاد مصر يعتمد بشكل أساسى على دول جنوب شرق آسيا، التى يتم تداولها عبر ميناء السخنة بشكل أساسى، إلا أن باقى الموانئ يكون بها طلب مرتفع للتصدير كميناء الإسكندرية، لتتجه إلى أسواق جنوب إفريقيا.
هانى بيتر، إخصائى التسويق بإحدى شركات الملاحة، أشار إلى أن أزمة الفوارغ بدأت، نوفمبر الماضى، مع تغير معدلات الطلب على التجارة العالمية، مشيرًا إلى أن أى تغير على الطلب مصر جزءٌ منه.
وتوقّع أن تستمر الأزمة حتى شهر سبتمبر المقبل، موضحًا أن سبب تلك الظاهرة يعود لعملية الإغلاق فى أوروبا، وتأثره بفيروس كورونا واعتماد الدول الأوروبية على الصين كمورد أساسي لمنتجات نهائية كان يتم تصنيعها بأوروبا، ومن ثم أصبحت الحاويات الفوارغ من الصين الطلب عليها أكثر من العرض، لتكون سببًا رئيسيًّا فى زيادة أسعار النوالين.
وتابع أن الخطوط الملاحية تُفاضل بين الحاويات التى يتم تصديرها من الصين إلى أوروبا أو أية دولة أخرى بالبحر المتوسط، موضحًا أن سعر نقل الحاوية «النولون» لأوروبا ارتفع مؤخرًا ليصل إلى ما يزيد على 10 آلاف دولار، وأنه من الطبيعى أن تخصَّص الفوارغ فى الصين لأوروبا وليس لمصر، ومن ثم يكون هناك تأثير على كمية الفوارغ المتاحة للتصدير فى مصر.
ولفت بيتر إلى أن الخط الملاحى يقوم بنقل الفوارغ الخاصة به فى أى مكان حتى يغطى العجز الموجود فى الصين، وهو ما يؤثر على الفوارغ المتاحة للصادر فى مصر.
أما رامى الشامى، إخصائى مبيعات بشركة ملاحة، فأشار إلى أنه بالنظر إلى السوق المصرية، وتأثرها بأزمة نقص الفوارغ، فإن مصر بها فائض من الحاويات 40 قدمًا، ويتركز العجز فى الحاويات 20 قدمًا، مرجعًا ذلك إلى أن أغلب الواردات 40 قدمًا، بينما الصادرات من مواد خام تكون 20 قدمًا.
وتابع أن الأزمة الحالية يرجع سببها إلى الارتفاع غير المسبوق على الطلب، خاصة على الصادرات الصينية لمختلف دول العالم؛ ومنها مصر، وأوروبا، بسبب تأثير جائحة كورونا وتبعاتها من إجراءات احترازية، وغلق معظم الدول الأوروبية حدودها، مما أدى لارتفاع النولون البحرى، وتركيز كل الخطوط للحاق بنصيب من الطفرة التى تشهدها السوق الملاحية العالمية، حتى لو كانت على حساب أسواق أخرى مثل سوق الصادرات المصرية.
محمود عكاشة، مسئول تسويق ملاحي، أكد أن الخطوط الملاحية لن تخسر شيئًا جراء تلك الظاهرة، موضحًا أن الحاويات الواردة تكون مدفوعة المصاريف أثناء شحنها فارغة، ويتم تحصيل مصاريف شحن عندما يتم شحنها مملوءة، مشيرًا إلى أن الخطوط الملاحية كان عليها أن تعرض على عملائها نولونًا مخفضًا يغطي تكاليف سحب الفوارغ من موانئ غير موانئ الشحن، إلا أن هذا لا يحدث.
الخطوط الملاحية يجب أن تتحمل جزءًا من تكلفة نقل الفوارغ من موانئ الاستيراد إلى التصدير
وتابع أنه على الخطوط الملاحية تحمُّل جزء من عملية إعادة الشحن للدول المصدرة، خاصة أن الحاويات المملوءة تكون رسومها فى عبور قناة السويس أعلى، بالإضافة إلى أن نصيبها من استهلاك وقود السفن أعلى من الحاويات الفارغة.
وأوضح عكاشة أن الخطوط الملاحية اتفقت مؤخرًا على أسعار متقاربة فى النولون البحري، سواء للفوارغ أو المملوء؛ لتعويض الخسائر أو تراجع الأرباح التى مُنيت بها بعد الأزمة الاقتصادية التى بدأت نهاية 2006.
محمد عمر، مسئول عمليات بإحدى شركات الملاحة، أشار إلى أن المشكلة الحقيقية بدأت بعد أن تعافت الصين من كورونا سريعًا خلال أقل من شهرين من تأثير كوورنا عالميًّا، موضحًا أنها تعد أكثر الدول تصديرًا.
وتابع أن خروج عدد كبير من الحاويات المُصدرة من الصين، وعدم رجوعها لتعطل الطاقات الإنتاجية فى أكبر دول الصادر منها أوروبا وأمريكا، مما أثر بالسلب على الحركة العكسية لخروج الحاويات الفارغة إلى الصين.
وأوضح أن عددًا من الموانئ الأوروبية لا تعمل بكامل طاقتها، والسفينة التى تدخل لتفريغ 2000 حاوية فقط تستغرق وقتًا طويلًا للغاية، وعلى إثر ذلك قامت الصين مؤخرًا بعد زيادة الطلب على منتجاتها، بإلغاء الدعم المقدم من الحكومة للشركات الصينية؛ بهدف رفع سعر المنتجات الصينية فى العالم.
فى السياق نفسه أشار مصدر مسئول بأحد الخطوط الملاحية إلى أن النقص فى الفوارغ يمكن أن يفتح شهية شركات الملاحة عالميًّا لزيادة أسطولها من الحاويات، على غرار ما يتم فى تحديث أسطولها من السفن.
هاباج لويد الألماني تطلب بناء 158 ألف حاوية جديدة بتكلفة 550 مليون دولار
وذكر أنه، على سبيل المثال، أعلن الخط الملاحي الألماني هاباج لويد،أنه بصدد التعاقد على 150 ألف حاوية جديدة، بالإضافة إلى 8 آلاف حاوية مكافئة للبضائع الخطرة، ومن المتوقع أن يتم توريدها خلال العام الحالي، ضمن استثماراتٍ رصدتها الشركة لهذا النشاط تصل إلى 550 مليون دولار.
ولفت إلى أن انتهاج الخطوط الملاحية لهذا الاتجاه، خلال الفترة المقبلة، يمكن أن يُحدث انفراجة فى تلك الأزمة، ومتوقعًا أن تنتهي بنهاية العام الحالي.