نجم عما عرضناه، رفض الإسلام كل فكرة مبنية على الفروق الطبيعية كاللون أو العرق، أو على الفروق المكتسبة كالنسب والمكانة والمال.. فهذه كلها حوائل تباعد بين المسلمين وتحول دون تقاربهم والتقريب بينهم.. وتصد شعورهم بأنهم جميعا عبيد الله وحده وملكه سبحانه وحده، وتحول دون امتزاجهم وتعاطفهم وتعرقل تدفق تيار الأخوة فى الله عز وجل.
إن عبادة الفوارق هى التى تهدد قيمة وفائدة وعمل الحياة الإسلامية وتهدد معنى تساوى المسلمين فى نعمتها كل بقدر ما فى قلبه. والإسلام لا يقر ما يسمى بالطبقات أو أى تقسيمات للناس على أساس المال أو العرق أو الأنصبة من الدنيا.. فالطبقية مهما كانت صورها تشكل عوازل تعرقل المعنى الجامع الذى يطوى ويجمع كل أفراد الجماعة وينسيهم ما بينهم من فروق ويذكرهم بما بينهم من أخوة وتعاطف ومودة ورحمة.
ومعرفة الدرجات غير إقرار الطبقية والطبقات.. فالدرجات تابعة لمسئوليات الناس فى الحياة العامة والخاصة، ولا تضمن لأحد حيازة السند الدينى أو السلطان الدنيوى، ولا تقر له إلاَّ ما يبذله للوفاء بواجبه واتباع الحق فيه، وإلاَّ كان غير جدير بدرجته مغتصبا لها!
والإسلام يسلم بالفروق فى الأرزاق، وبحرية السعى فى طلب الرزق، والاجتهاد فيه، ويمنع المصادرة عليه.. لأن الله وحده هو الرزاق، ومتى فهم المسلم ذلك، فارقه القلق واستعجال النتائج والوقوع فى براثن الهموم والمخاوف، وامتلأ ثقة فى وعد الحق سبحانه وتعالى واطمئنانا إلى رعايته وعطائه ورحمته.
ليس من الميسور فهم المساواة منفصلة عن الأخوة والإخاء. فالمساواة وعدم المساواة شعور قبل كل شىء.. هذا الشعور ليس سببه الأشياء، وإنما سببه الإنسان ذاته. ولذلك فدعائم المساواة لا تقوم منفصلة عن الإنسان وعواطفه الخالصة الصادقة.. ولا معنى ولا أمل لمحاولات التقريب المعتمدة على القوة والإلزام، ولا لمحاولات فرض توحيد الدخول والأرزاق وتسويتها بالقسر والإرغام.
لا تسمح تعاليم الإسلام بوجود الإحساس الطبقى الحاد المرير الذى يجعل الناس فى صراع وحروب ظاهرة أو خفيه، معلنة أو غير معلنة. وسبيل الإسلام فى المعتركات التى تملأ دنيا الناس وتشغلهم وتشعل الحروب بينهم، هو أن يكتسب إلى صفه أرواح البشر.. كبشر لا كملائكة.. فإذا اكتسب أرواح الناس صار بمقدوره بواسطة الناس أنفسهم أن يقود الغرائز والأطماع والمصالح.. هذه الطريقة التى تكسب أرواح البشر قد تركها معظم الناس فى أوروبا منذ أواخر القرن الثامن عشر، وانصرفوا عنها إلى محاولة كسب العقول فقط، والاستغناء بضمير الإنسان عن الإيمان بالقانون الأخلاقى، وعن الله عز وجل !
على أن الاقتصار على كسب العقول فقط أو الاهتمام بكسبها، لم يُجد فى منع الحروب والفتن والشرور الكثيرة التى شقى ويشقى بها العالم الحديث.. فالناس لا يألفون ولا يأتلفون لا يسكنون ولا يقبلون ولا يسالمون ـ استجابة فقط لحكم عقولهم، وإنما أيضا بوجيب عواطفهم ومشاعرهم وما ألفوه. وهذا الجانب الفعال الرئيسى فى كيان الإنسان، لم يعد يلاقى فى التعليم ما تلقاه العقول والآداب والعلوم والفنون، وصار أغلب زاده مستمدا من المجالس الخاصة والمحافل والاجتماعات وما قد تبذله بعض الصحف والمجلات والإذاعات والمطبوعات، بيد أن هذه الوسائل معنية فى المقام الأول بنجاح حملاتها وتحقيق أغراضها فى تحريك نوازع الناس ودوافعهم فى الإتجاهات المرسومة لهم ! ومن ثم لا تعنى بتربية النفوس ولا بمساعدة الناس على النمو والنضج وصحة الحكم، لذلك اتسم عصرنا بقوة التحزب وسعة التعصب الحزبى، بينما لا يتطابق المتعصب الحزبى مع الإنسان الصادق.
وهذه الحال لا يتصورها الإسلام ولا يقبلها، لأن المسلم الصادق الممتاز هو الإنسان الصادق الممتاز طبقا لموازين الإنسانية التى يتبناها الإسلام.
تحقيق المساواة بين الناس مصدره فى الإسلام صدق الولاء لله عز وجل، والثقة فى الله عز وجل، الذى إليه يتوجه المسلم السوى، ويسند إليه ظهره، ويدرك ما بينه وبين الناس من إخاء وأخوة فى الإنسانية فى كنف الله عز وجل.
www. ragai2009.com