أحسن الأستاذ نبيل فرج بجمعه وثائق أدبية فى كتاب الهلال ـ فبراير 2004، ووقعت فى هذا الكتاب على حوار راق بين هرمين : الدكتور طه حسين وزير المعارف العمومية عام 1951، والدكتور محمد كامل مرسى رئيس جامعة فؤاد الأول (القاهرة) آنذاك.
كان الدكتور طه قد أرسل كتابًا فى 2 مايو 1951 إلى وزير المالية، يعترض على طريقة تحصيل الرسوم الجامعية، وأنه من الواجب ألاَّ تؤدى طريقة التحصيل إلى الشك فى مجانية التعليم.
وحين وصل نبأ هذا الكتاب إلى الدكتور محمد كامل مرسى، بادر بإرسال خطاب إلى الدكتور طه حسين، يقول فيه :
حضرة صاحب المعالى وزير المعارف العمومية.
إطلعت فى صحيفة « الزمان » مساء أمس على صورة كتاب بعثتم به إلى معالى وزير المالية فى شأن تحصيل الرسوم الجامعية من الطلاب. وفى هذا الخطاب رميتم إدارة الجامعة بالتعنت مع الطلاب وأنها تعاملهم معاملة الخصوم والأعداء لا معاملة الأبناء الأصدقاء.
ولقد أدهشنى أن تصدر هذه العبارات عن معاليكم. ويبدو أنكم نسيتم ما دار بيننا فى هذا الشأن وأنكم كنتم من المحبذين بضرورة تحصيل رسوم القيد قبل السماح للطلاب بدخول الامتحان، وأنكم أعلنتم فى الصحف منذ أيام قليلة تصريحًا بهذا المعنى. وأصارح معاليكم القول أننى أخشى أن تكون الحكمة من هذا التعريض قد فاتتنى. ولا أعتقد أن رغبتكم فى العدول عن تصريحكم الأول تدعوكم إلى استعداء الطلاب على إدارة الجامعة بهذا القول الذى ما كان يصح أن يصدر عن مسئول. وأرى أمام هذا الوضع أنه من الخير أن أعفى نفسى من مسئولية إدارة الجامعة بعد الآن.
4 مايو سنة 1951 محمد كامل مر
وفى حوار راق، رد عليه الدكتور طه يقول فى ذات اليوم :
عزيزى كامل باشا
تلقيت الآن كتابك الذى تحتج فيه على ما قرأت فى « الزمان » من صورة كتاب أرسلته إلى معالى وزير المالية وتعفى فيه نفسك من منصب مدير الجامعة منذ الآن.
فأحب أن ألاحظ أولاً أن هذا الكتاب لم يكن مهيئًا للنشر وإنما هو كتاب من زميل إلى زميل. ومع أننى مصمم على أن موقف إدارة الجامعة من طلابها ليس موقف رفق وعطف ومودة شأن ما يكون بين الآباء والأبناء وإنما هو موقف شدة وعنف كما يكون بين الخصوم، لا لأن إدارة الجامعة تلح فى المطالبة بالرسوم فذلك واجب عليها، ولكن لأنها تستعين بوزارة الداخلية لترسل إليها الشرطة وتمنع الطلاب من أداء الامتحان على رغم ما تقدمت به إليه مرتين من الإذن للطلاب بدخول الامتحان وإنذارهم بأن أوراقهم لن تصحح إلاَّ إذا أديت الرسوم.
وقد أكدت لك أن الحكومة لن تضع الشرطة تحت تصرف الجامعة لمثل هذا الغرض. وعلى الرغم من أن أيام الأعياد الملكية تظل الشعب كله.
أقول مع إنى مصمم على هذا كله فإنى لم أستعد ولا يمكن أن أستعدى الطلاب على إدارة الجامعة بل لا يمكن أن أستعدى الطلاب على أحد وليس هذا من خلقى كما تعلم وكما يعلم الناس جميعًا.
وكتابى إلى معالى وزير المالية لم يكن مهيأ للنشر ولا موجهًا إلى الطلاب. وأنا أعفو لك عما فى كتابك من ألفاظ أقل ما توصف به أنها لا توجه من مدير الجامعة إلى رئيسها الأعلى. والناس لا يعفون أنفسهم من العمل وإنما يطلبون إلى الوزراء إعفاءهم منه. ولست مستعدًا لإعفائك ولا للتفريط فى معونتك. وأنا أرد إليك كتابك.
ففكر وقدر وإعمل التروية قبل أن تستجيب للغضب الجامح ولعلك إن راجعت نفسك لا تعفيها وألا تطلب إعفاءها.
ولك أصدق تحياتى
وإن لم ترسل إلىّ تحيتك فى كتابك المردود علىّ.
4 مايو 1951 طه حسين
ولكن الدكتور كامل مرسى، أصر على استقالته، وكتب إلى الدكتور طه يقول :
حضرة صاحب المعالى وزير المعارف العمومية.
بعد التحية. تلقيت الكتاب الذى بعثتم به إلى ردًا على كتابى المرسل إلى معاليكم صباح اليوم، وإنى مع اعتراضى على ما جاء فيه وعدم الرغبة فى المجادلة فى هذا الشأن مصر على الاستقالة من منصبى.
محمد كامل مرسى
ومع ذاك حرص الدكتور طه على أن يكتب إليه بذات اليوم:
عزيزى كامل مرسى باشا
أما وأنت مصر على استقالتك لا تريد أن تعدل عنها فإنى مضطر إلى قبولها مع الأسف الشديد.
شاكرًا لك ما أسديت إلى الجامعة من خدمات قيمة أثناء إدارتك لها.
هكذا كان حوار العظماء، لا يفارق الاحترام وأدب الخطاب.
www. ragai2009.com