يبدو فى الخطوات الناجحة الأولى للمغامرين والمقامرين، أن لها أثر السحر المسكر والمخدر الذى يسلس إلى تدمير نفسية الجمهور الذى تحمله فى البداية على استطابة الأوهام والأحلام التى فى انتظاره كما قيل له ووعد به!
ولكن إخفاق تحققها، سرعان ما يسرع به إلى اليأس التام والاستسلام للمصير المحزن والشعور بعدم الجدوى، أو بفشل المقاومة التى لن تؤدى فى اعتقاده إلا إلى المزيد من الصلف والغطرسة والبطش والإهلاك على يد صاحب السلطان وحوارييه وأتباعه!
وقد يتتابع أو يتوالى أصحاب السلطان، بسبب أو آخر، أو بالوثوب والاقتلاع، بينما يستمر حال الجمهور على ذلك المنوال سنين تطول أو تقصر، إلى أن تنزل بهم أو بسلطانهم نازلة تجمعهم طيها، ليفيق من يفيق ويعود الصواب لمن يسترد وعيه وتعود إليه فطنته، ويرى آثار الدمار الشامل الذى أُخذ إليه، حاضرا سافرا يشهده الوطنى والأجنبى، ويتقاسم الحاكمون والمحكومون عوادم أوزاره، وبعد أن تضيع عليهم فى هذا العبث سنوات يهتبلها الأجانب أو الأعـداء، كل بقدر ما فى وسعه لافتراس ما يستطيع النفاذ والوصول إليه والاستيلاء عليه!
قليلون هم، وربما بعد عناء طويل، من يفلحون فى النهوض من كبوتهم والتماسك والتساند واستعادة الشعور بالثقة فى أنفسهم وغدهم، والعودة إلى جد ودأب آبائهم الماضين وخلوهم من الأنانية، والتخلص من عدم المبالاة بالخير العام، ومن ضعف الشعور بالمسئولية قبل الآخرين!، وترك العراك الغاشم الذى لا يهدأ على الغلبة والنفوذ والمادة.. هذا الصراع الذى يأخذ على الناس معظم اهتماماتهم، لأنهم لم يصبحوا بعد ولما يصبحوا أهلا لأن يذكروا خالقهم عز وجل، فيعوا قوله تبارك وتعالى: «ولذكر الله أكبر»!
مازال البشر حتى الآن قريبين جدا من الكائنات الحية الأخرى التى على الأرض.. جل اهتماماتهم موجهة بما فيها من إضافات نقولهم إلى ظاهرهم وخارجهم وأحداث خارجه، ولم يعبروا بعد تماما تلك المرحلة العامة التى تجمع بينهم وبين تلك الكائنات فى التركيب الجسدى وفى نشاطه العام.. وربما كان هذا هو ما عَوَّق انتفاعهم الكامل بعقولهم التى هى المزية الهائلة التى فضلهم بها الخالق جل شأنه على تلك الكائنات.. هذه المزايا التى يؤدى انتفاعهم الكامل بها إلى تجاوزهم التام لأحكام وضغوط المرحلة المترتبة على الاشتراك فى التركيب الجسدى ونشاطه العام.. وهو ما يبدو الآن أنه جائز الحصول إذا اطرد بلا انقطاع تقدم العلوم والمعارف الوضعية وانتشارها وانتشار تقنياتها فى محيط الآدميين!
● ● ●
ينبغى للعاقل الرشيد أن ينتبه إلى تجزئة الآدميين وتخصيصهم تبعا لمجالات عقولهم واعتيادهم على الابتعاد بها عما يسمونه بميدان العواطف والمشاعر التى لا يجوز فى معتقدهم إخضاعها لضوابط العقل وأحكامه. لأنها لدى أى آدمى طليقة ويجب أن تكون طليقة من التقيد بالمعقول وغير المعقول.. وتلك نظرة قديمة بالغة القدم.. صارت لدى البشر جزءا من معتقدهم وإيمانهم بالغيب.. هذا من جراء قلة إدراكهم للإمكانات التى زود بها الخالق جل شأنه وميز عقل الآدمى.. وكذا من جراء وقوفهم عند عتبة العواطف والمشاعر مكتفين بهذه التسمية العامة الخالية من الدلالة على الإحاطة والفهم والإمعان فيهما، ودون الالتفات والمراقبة والرصد للظواهر والربط بينها وبين عمل الأعصاب ومراكز الأعصاب والغدد ووظائف الغدد والأجهزة وعمل الأجهزة ونشاط المخ والذاكرة والمخيلة وسلطان ذلك كله على أفعال وردود أفعال الآدمى الذى عرف العقل وعناصره ودقة تركيبها فعرف خطوات عملها، شعوريا وعاطفيا أو عقليا وفكريا.
فلم تعد العواطف والمشاعر فى نظر العلم والمعارف الوضعية غيبا أو جزءا من الغيب، وإن ظلت أغلبية البشر الغالبة تجهل ذلك متمسكة بقديمها لا تفارقه.. ولكن سيأتى اليوم الذى تمتد فيه المعرفة الوضعية والعقل والتعقل إلى تلك الأغلبية.. فتبسط نعمة العقل نورها على داخل الآدمى كله وعلى خارجه إن شاء خالقنا جل وعلا ذلك بفضله وكرمه.
www. ragai2009.com