تكاد كلمة «الصبر» أن تكون من أكثر الكلمات استخدامًا فى حياة الناس من بين المفردات المعبرة عن القيم والسجايا والشمائل الأخلاقية، ويبدو أنها عبرت من خلال عناية كتب الأديان إلى وجدان الآدميين، وتسللت من وجدانهم إلى الأشعار والأغانى والأناشيد والفولكلور، وإلى لغة التخاطب والأمثال الدارجة، واحتل استعمالهـا مساحة واسعة فى العبارات المنطوقة والمكتوبة على السواء، وصارت مألوفة لعين القارئ وأذن السامع ألفةً ظلمت «الكلمة» من كثرة الاستعمال، فقلت عناية الناس وهذه هى المفارقة ! بفهمها فهمًا واضحًا يتسق مع المكانة البارزة التى تحتلها فى كتابات ومقولات الناس، تبعًا لما احتلته فى الكتب المقدسة والأحاديث والمأثورات، وفى المنظومة الأخلاقية التى تلاقت عليها الأديان والشرائع !
فمادة «الصبر» من أكثر المواد التى يصادفها القارئ للكتب المقدسة.. فى الكتاب المقدس الشامل للعهدين القديم والجديد، أن الـذى يصبر ويثبت إلى المنتهى هو الذى يخلص (متى 1.: 22، 24:13 ومرقس 13:13)، والدعوة إلى الصبر والاصطبار، متكررة فى أسفار العهدين: «فاصطبر للـرب السائر» (اشعيا 17:8)، «انتظر الرب واصبر له» (المزامير 7:37)، فالثمرة تأتى بالصبر: «الذين يسمعون الكلمة ويحفظونها فى قلـب جيد مستقيـم، وينتجون ثمـرًا بالصبر» (لوقا 8: 15) «بصبركم اقتنوا أنفسكم».. «وليعطكم الله الصبر والتعزية».. «كخدام الله فى صبر كثير».. «يحسب قدرة مجده لكل صبر».. «تعب محبتكم وصبر رجائكم».. «نفتخر بكم من أجل صبركم».. «إلى محبة الله وصبر المسيح».. «قد سمعتم بصبر أيوب».. «امتحان إيمانكم ينشئ صبرًا»..
لا ينفض المجتمع يده من توفير الفرص المتكافئة للمواطنين بمحض أمان أو شعارات أو عبارات براقة منحوتة فى الدستور أو القوانين عن المساواة والعدالة الاجتماعية، ولا بدغدغة المشاعر بالخطب والكلمات الوردية، وإنما بالنهوض الجاد الفاعل الذى يوفر فرص عمل حقيقية تحقق النماء للوطن وتوفر حياة كريمة للمواطنين.. لكل المواطنين!
والصبر فى القرآن الكريم، سجية سامقة تنتمى إلى شجرة «عزم الأمور». يوصف الصبر وقدرة الصابرين عليه بأنه من «عزم الأمور» هذا «العزم» هو مصدر كل خلق جميل حثت عليه شريعة القرآن.. «وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور» (آل عمران 186)
الصبر فى القرآن المجيد صفة المؤمنين الصالحين (الأحزاب 35)، والتواصى به بين المؤمنين واجب: «وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة» (البلد 17).. والاستعانة به مع الصلاة دعوة متكررة، «اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ» (البقرة 153) الصابرون أحباب إلى الله يحبهم سبحانه ويحبونه، «وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ» (آل عمران 146).
انتقلت هذه العناية التامة بالصبر، إلى قواميس الأمثال والأوابد، وإلى كلمات الأغانى، وآهات المغنين، وأسماء وألقاب الناس، وإلى منظومات الشعراء. فيتسمى الناس بأسماء صبرى وصابر وصابرين وصابرة وصبيرة وعبد الصبور، ويتغنى عبد الوهاب بالصبر والإيمان.. جنة المحروم، وتتساءل أخرى وتنادى على العطارين ليدلوها أين تجد الصبر: «يا عطارين دلونى الصبر فين أراضيه، ولو طلبتوا عيونى خدوها بس ألاقيه».
الصبر ينبع من داخلنا اذا أردنا، لا يبيعه عطار، ولا يفىء به أحد، فهو رياضة داخلية، تشتد الحاجة إليها فى المرض والآلام والأوجاع الجسدية والنفسية، وفى الضيق والفقر والاملاق، وفى تلاعبات الأقدار، وفى الظلم والجور والإجحاف.
الصبر قوة وعزيمة وفرع على «عزم الأمور» كما قال القرآن المجيد، وهو قوة إيجابية مانحة لقدرات تصاحب الصبر وتدفع المتسم المتمسك به المالك لزمامه وناصيته، ألا يفقد خيط الأمل، أو تتعثر عزيمته فتخبو روحه وتنطفئ شعلته.. الأمل كما قلنا قاطرة الإنسان والإنسانية، والصبر هو الجناح الثانى للأمل، والواقى الذى يحصن العزيمة ويقويها على مدافعة اليأس والقنوط، والتمسك بحبل الأمل والرجاء.
www. ragai2009.com