أصبح إنهاء الصراع وتحقيق السلام يشكلان التطلعين المشتركين للمجتمع الدُّوَليّ مع استمرار التداعيات السلبية للأزمة المتصاعدة في أوكرانيا في التأثير على بقية العالم بعد اندلاع الصراع قبل عام.
وبحسب “شينخوا” في الآونة الأخيرة، أصدرت الحكومة الصينية وثيقة توضح موقف الصين بشأن التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، إذ تشرح فيها بشكل شامل ومنهجي موقفها الأساسي ومقترحاتها.
إن الخطة الشاملة والعملية، التي تتماشى مع التطلعات المشتركة للمجتمع الدولي والمصالح الأساسية طويلة الأجل للعالم، تُبرز دور الصين كدولة كبرى مسؤولة في الدفاع عن السلام العالمي.
في هذه الوثيقة، قدمت الصين مقترحا من 12 نقطة لإنهاء الصراع في أوكرانيا من خلال معالجة أعراض الأزمة وأسبابها الجذرية، وأكدت مجددا على ضرورة إنهاء الصراع عن طريق الحوار والتفاوض.
وباختصار، تتمحور وثيقة الصين حول الجوانب الـ12 التالية: احترام سيادة جميع الدول، والتخلي عن عقلية الحرب الباردة، ووقف الأعمال العدائية، واستئناف محادثات السلام، وحل الأزمة الإنسانية، وحماية المدنيين وأسرى الحرب، والحفاظ على سلامة محطات الطاقة النووية، والحد من المخاطر الاستراتيجية، وتسهيل صادرات الحبوب، ووقف العقوبات الأحادية، والحفاظ على استقرار سلاسل الصناعة والإمداد، وتعزيز إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع.
وهذه الوثيقة لا تؤكد فقط مجددا على موقف الصين الثابت، بل تتضمن أيضا وجهات النظر العقلانية للمجتمع الدولي. فهي توضح المبادئ والشروط المسبقة الرئيسية، وترسم مسارا واضحا للخروج من الأزمة، وهو مسار حظي باعتراف واسع النطاق على الصعيد العالمي.
وقد لقي مقترح السلام ترحيبا من العديد من بلدان المجتمع الدولي. ووصف ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وثيقة الموقف بأنها “مساهمة مهمة”.
إن موقف الصين، الرامي إلى إنهاء الصراع، يتماشى مع التطلعات العالمية للشعوب المحبة للسلام في جميع أنحاء العالم، التي تؤمن بأن التسوية السياسية للصراع تصب في صميم المصلحة المشتركة لروسيا وأوكرانيا والمجتمع الدولي.
والأمر الذي جعل العالم يشعر بالفزع هو أن الأزمة تصاعدت خلال العام الماضي.
وما زاد الطين بلة هو كلما كان هناك حديث عن السلام، تتدخل بعض القوى الخارجية من خلال خلق الشائعات، وزرع الفتنة، وتشويه سمعة الوسطاء. فهم لا يريدون لمحادثات السلام أن تنجح، ولا يريدون للصراع أن يتوقف.
ومن أجل تحقيق “هدف استراتيجي أكبر”، حرضوا على المواجهة بين المعسكرات واستمروا في تأجيج النيران. ولم يبالوا بحياة الشعب الأوكراني ولم يكترثوا بالأضرار الجانبية التي لحقت بالبلدان والمناطق الأخرى.
ومن أجل حل الأزمة، أعربت الصين عن الرأي العام الواسع — المتمثل في إنهاء الصراع — الذي ظلت الهيمنة تعمل على قمعه لفترة طويلة.
ومن جانبه ذكر زولتان كيزيلي، مدير مركز التحليلات السياسية بمعهد سازادفيج المجري، أن وثيقة الموقف التي قدمتها الصين بشأن الأزمة الأوكرانية تعد مساهمة مهمة للغاية في منع ظهور حقبة حرب باردة عالمية جديدة من بدايتها.
إن وثيقة موقف الصين تتطرق إلى نقاط الألم في الأزمة الأوكرانية وتقدم توجيها هاما لجميع الأطراف للخروج من المعضلة الأمنية.
القضية الأوكرانية لها تاريخ معقد. إنها ليست فقط اندلاعا لتراكم بعيد الأمد للصراعات الأمنية في أوروبا، بل تأتي أيضا كنتيجة لعقلية الحرب الباردة والمواجهة بين التكتلات.
وقد أكدت الصين على أنه يتعين على جميع الأطراف التخلي عن عقلية الحرب الباردة: لا ينبغي السعي وراء أمن دولة ما على حساب الآخرين؛ ولا ينبغي تحقيق أمن منطقة ما عن طريق تعزيز التكتلات العسكرية أو توسيعها؛ ولا بد من أخذ المصالح والشواغل الأمنية المشروعة لجميع البلدان بجدية ومعالجتها على النحو الواجب.
وقد ذكرت مجلة ((ذا دبلومات)) على موقعها الإلكتروني أن تجاهل مبدأ “الأمن غير القابل للتجزئة” هو أحد الأسباب الجذرية للأزمة، وأن الامتثال لهذا المبدأ سيكون جزءا هاما من الحل.
إن وثيقة موقف الصين تتمسك بالموقف الثابت المتمثل في تعزيز محادثات السلام، وتوفير مسار عملي لتسوية سياسية للأزمة الأوكرانية.
ومنذ اندلاع الأزمة، التزمت الصين دائما بمبدأ “الأمن غير القابل للتجزئة”، ودعمت الإنصاف والعدالة، وعززت بنشاط محادثات السلام، وشاركت في المساعدات الإنسانية.
فمن الدعوة إلى خلق حيز للسلام وترك مجال للحلول السياسية، إلى اقتراح موقف من خمس نقاط بشأن القضية الأوكرانية ومبادرة من ست نقاط بشأن تخفيف الأزمة الإنسانية، ومن طرح النقاط الأربع بشأن ما يجب القيام به، والأمور الأربع التي يجب أن يقوم بها المجتمع الدولي معا، إلى الأفكار الثلاثة الهامة، حددت الصين نهجها الأساسي إزاء القضية.
إن جهود السلام الدؤوبة التي تبذلها الصين واضحة للجميع ومعترف بها على نطاق واسع من جانب المجتمع الدولى.
فقد صرح نائب رئيس الوزراء الكرواتي السابق أنتي سيمونيك بأن وثيقة الموقف التي أصدرتها الصين ذات أهمية كبيرة ليس لروسيا وأوكرانيا فحسب، وإنما للمجتمع الدولي أيضا.
وأكد الرئيس البولندي أندريه دودا أن المفاوضات ستكون دائما طريقا للسلام فيما يتعلق بالقضية الأوكرانية، ولا يمكن تجاهل الصين كشريك عظيم ودولة كبرى تتمتع بقوة كبيرة.
لا يمكن أن يكون هناك منتصر في الصراعات، ولا يوجد حل بسيط لقضية معقدة. ولابد من تجنب المواجهة بين القوى الكبرى.
لقد دقت الأزمة الأوكرانية ناقوس الخطر: فالسعي إلى تحقيق الأمن على حساب البلدان الأخرى سيؤدي لا محالة إلى معضلة أمنية؛ وإن بناء إطار أمني عالمي وإقليمي بعقلية الحرب الباردة لن يؤدي سوى إلى صراعات ومواجهات.
وبصفتها دولة كبرى مسؤولة، طرحت الصين مبادرة الأمن العالمي، وأصدرت وثيقة موقف بشأن التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية.
الرسالة واضحة وهي أن: الصين تؤيد العدالة، وتسعى إلى السلام، وتركز على المدى الطويل، وستقف دائما إلى جانب السلام، وتعارض الهيمنة وسياسات القوة، وتعمل مع المجتمع الدولي لصون سلام البشرية وهدوئها.■