أوقفت بورصة لندن للمعادن التداول في سوق النيكل بعد ارتفاع أسعار غير مسبوق، الأمر الذي أرهق شركات الوساطة التي تعاني من سداد عمليات إغلاق مراكز البيع على المكشوف المفتوحة التي كانت تتحوط على سعر المعدن من تراجعه، وسط ضغوط هائلة ورطت أكبر منتج للنيكل بالإضافة إلى بنك صيني رئيسي.
وبحسب العربية، ارتفع النيكل، المستخدم في الفولاذ المقاوم للصدأ وبطاريات السيارات الكهربائية، بنسبة تصل إلى 250% في غضون يومين ليتم تداوله لفترة وجيزة فوق 100000 دولار للطن في وقت مبكر من يوم الثلاثاء.
وجاءت هذه الخطوة المسعورة – وهي الأكبر على الإطلاق في تاريخ بورصة لندن للمعادن – حيث سارع المستثمرون والمستخدمون الصناعيون الذين باعوا المعدن لإعادة شراء العقود بعد أن ارتفعت الأسعار في البداية بسبب مخاوف بشأن الإمدادات من روسيا.
وستثير هذه الكارثة ذكريات الفترة الأكثر ظلمة في بورصة لندن للمعادن، “أزمة القصدير” لعام 1985، والتي أدت إلى تعليق البورصة تداول القصدير لمدة 4 سنوات وقادت العديد من الوسطاء إلى ترك العمل، والذي كان مدفوعاً حينها بانهيار مجلس القصدير الدولي، وهو هيئة مدعومة من 22 حكومة وانهارت عندما لم يعد بإمكانها الاستمرار في دعم سعر القصدير.
من جانبه، قال السمسار في كينغدوم فيوتشرز، مالكولم فريمان، الذي بدأ مسيرته المهنية في بورصة لندن للمعادن في عام 1974. “هذه هي المرة الثانية التي يتم وقف التداولات فيها بعد أزمة القصدير”.
عمليات التحوط تزيد الأزمة
وتعد عقود البيع على المكشوف، أوراق مالية يتم من خلالها المراهنة على تراجع سعر سلعة أو ورقة مالية معينة، إذ يتم شراء عقود البيع من البورصات وفي حال تراجع سعر السلعة يحقق حامل هذه العقود أرباح، وفي حال ارتفاع السعر يلزمه إما إغلاق العقود عبر شراء عقود مقابلة يظهر فيها كمشتري لنفس الكمية ما يغلق مركزه المفتوح بشكل آلي، أو زيادة قيمة الضمان المودعة، والاحتفاظ بالعقد.
وغالباً ما يتخذ التجار وشركات التعدين، وشركات معالجة المعادن عقود البيع في البورصة كأداة تحوط على مخزوناتهم المادية من المعدن. إذ أنه من الناحية النظرية، فإن تحرك سعر المخزونات المادية من المعدن ومراكز البيع على المكشوف المفتوحة تلغي بعضها البعض. ولكن عندما ترتفع الأسعار بشكل حاد، يحتاج أي شخص لديه مركز بيعي مفتوح في البورصة إلى إيجاد مبالغ أكبر من الضمانات لدفع طلبات الهامش.
ومع الارتفاعات الصاروخية المفاجئة للمعدن، فإن عقود البيع على المكشوف المفتوحة يتم إغلاقها عبر آلية “Margin Call”، أو الإغلاق الجبري، مع تخطي الحدود الآمنة للخسارة، وتتم هذه الآلية عبر شراء “عقود مقابلة” يكون فيها الشخص مشتري، ما يزيد من حجم طلبات الشراء ويزيد لهيب الأسعار.
أكبر الخاسرين
وكان رجل الأعمال الصيني زيانغ جوانجدا – المعروف باسم “Big Shot” – من بين أكبر الخاسرين، إذ اشترى عقود بيع على المكشوف بكميات كبيرة في بورصة لندن للمعادن من خلال شركته، Tsingshan Holding Group، وهي أكبر منتج للنيكل والفولاذ المقاوم للصدأ في العالم.
وفي الأيام الأخيرة، تعرضت شركة تسينغشان Tsingshan لضغوط متزايدة من وسطائها لتلبية طلبات الهامش على هذا المركز – وهي ديناميكية السوق التي ساعدت على دفع الأسعار إلى أعلى من أي وقت مضى، وفقاً لما نقلته “بلومبرغ”، عن مصادر.
بدورها، منحت بورصة لندن للمعادن، لوحدة تابعة لبنك China Construction، وهي إحدى وسطاء تسينغشان، وقتاً إضافياً لدفع مئات الملايين من الدولارات من استدعاءات الهامش التي فاتتها يوم الاثنين.
إجراءات تنظيمية
وقلص النيكل بعض المكاسب ليتداول بارتفاع 66% عند 80 ألف دولار للطن قبل التعليق.
وقالت بورصة لندن للمعادن إنها تدرس “إغلاقاً محتملاً لعدة أيام، نظراً للوضع الجيوسياسي الذي يكمن وراء تحركات الأسعار الأخيرة”.
وأضافت بورصة لندن للمعادن إنها ستحسب طلبات الهامش “في الوقت الحالي” على أساس سعر إغلاق يوم الاثنين عند حوالي 48000 دولار. وقالت إنها تدرس ما إذا كان سيتم تعديل أو إلغاء التداولات التي تمت بين إغلاق يوم الاثنين والتعليق الذي جرى يوم الثلاثاء، عندما ارتفعت الأسعار إلى 101،365 دولاراً للطن.
وقد يكون للتخلف الكامل عن سداد الديون آثار كارثية على البورصة وأعضائها والمستخدمين الصناعيين حول العالم الذين يعتمدون على أسعارها المعيارية.
كان النيكل يرتفع بالفعل بسبب شح الإمدادات حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، الأمر الذي زاد من حدة المخاوف من حدوث نقص كبير في السلع الأساسية. وتهدد أسعار النيكل المرتفعة، في حالة استمرارها، بزيادة تكاليف بطاريات السيارات الكهربائية وتعقيد عمليات التحول الأخضر، إذ تنتج روسيا 17% من أجود أنواع النيكل في العالم.