عقدت هيئة ميناء الإسكندرية، عددا من الاجتماعات مؤخرا مع جهات مختلفة منها غرفة ملاحة الإسكندرية والتوكيلات الملاحية ومصلحة الجمارك، بهدف مناقشة إمكانية جذب خدمات تجارة الترانزيت إلى ميناء الإسكندرية، خاصة أن تلك الخدمات لا تزيد عن %1 من حجم الحاويات المتداولة بالميناء حتى الآن مع إمكانية تطبيق الحوافز المقدمة فى ميناءى دمياط وبورسعيد.
استطلعت «المال» رأى السوق الملاحية، حول مدى إمكانية نجاح هيئة ميناء الإسكندرية فى جذب خدمات الترانزيت، خاصة بعد حجم المشروعات التى تم البدء فيها فى نشاط الحاويات خلال الفترة الأخيرة من ناحية، علاوة على المشروعات التى تنفذها الهيئة فى البنية التحتية بها من ناحية أخرى.
وأكد أحمد كامل مدير التسويق والبحوث فى شركة دمياط لتداول الحاويات، أن هيئة ميناء الإسكندرية بحثت أكثر من مرة إمكانية جذب تجارة الترانزيت إليها، وهو ما يمكن أن يحدث على أرض الواقع خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا قامت بتطبيق ما أعلنت عنه من حوافز لتلك التجارة.
وتوقع أن يدخل ميناء الإسكندرية المنافسة مع موانئ البحر المتوسط ليستحوذ على حصة من تجارة الترانزيت خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع دخول مشغلين عالميين، خاصة وأن خط «CMA –CGM» الفرنسى والذى يعد ثالث أكبر خط حاويات فى العالم سيقوم بتشغيل محطة متعددة الأغراض بالميناء خلال مارس المقبل.
وأشار إلى أن الخط الفرنسى له حصة كبيرة من الترانزيت موزعة بين الموانئ المصرية، سواء فى الإسكندرية أو دمياط وبورسعيد، وبالتالى سيقوم بتجميع معظم تلك الخدمات إلى محطته المزمع تشغيلها العام المقبل.
وأوضح أنه فى حال تطبيق الحوافز المعمول بها فى بعض الموانئ لجذب تجارة الترانزيت سيكون لميناء الإسكندرية حصة من هذا النشاط، والتى تم تطبيقها بميناء دمياط خلال العام الماضى.
وأشار الربان طارق شاهين رئيس هيئة ميناء الإسكندرية إلى أن ميناء دمياط منح مزايا كبيرة للخطوط الملاحية التى تقوم بنقل الحاويات الترانزيت منها تخفيضات ومدة سماح، وتقليل الإجراءات، مشيرا إلى أن ميناء الإسكندرية يدرس تطبيق تلك المزايا للخطوط الملاحية المتعاملة معه.
وأضاف أن الميناء قام بتدشين مشروعات ضخمة سواء فى محطات حاويات جديدة أو تعميق غاطس دائرة الدوران والممر الملاحى بما يسمح بدخول سفن ضخمة، خاصة أن الترانزيت لا يمثل للميناء حتى الآن سوى %1 فقط.
وأكد أنه تمت مخاطبة الجمارك على منح تسهيلات للخطوط الملاحية المتعاملة فى ميناء الإسكندرية فى خدمات الترانزيت، خاصة أن معظم وكلاء الشحن يؤكدون أن فتح وكشف الحاويات الترانزيت من أهم المعوقات التى تحول دون زيادة تلك الخدمات بالميناء.
وأضاف أن أى تسهيلات تطلبها السوق الملاحية لتشجيع تجارة الترانزيت سيتم تنفيذها على الفور، سواء من حيث التسهيلات فى الإجراءات أو منح حوافز، بشرط أن تقوم السوق الملاحية عبر غرفة الملاحة بتقديم مقترح بهذا الخصوص.
وأكد ضرورة تقليل المستندات والإجراءات المتبعة فى نشاط الترانزيت والعمل على حل أى مشكلات قانونية يمكن من خلالها جذب تلك التجارة.
وتقوم هيئة ميناء الإسكندرية بتنفيذ محطات حاويات جديدة بطاقة تزيد عن 2 مليون حاوية، علاوة على وجود طاقات تصل إلى 2.5 مليون حاوية، فى الوقت الذى تتداول فيه هيئة الميناء قرابة 1.8 مليون حاوية فقط سنويا.
وأشار محمد إبراهيم الباحث فى اقتصاديات النقل الدولى إلى أن ميناء الإسكندرية لديه إمكانيات ضخمة من حيث الطاقات الاستيعابية والغاطس والساحات التخزينية والأرصفة والمحطات المتخصصة، بما يجعله الميناء الأول لمصر فى تداول تجارة مصر الخارجية بما لا يقل عن %60.
وأضاف أن الموانئ التى تستقبل تجارة الترانزيت تتركز فى ميناءى دمياط وشرق بورسعيد خاصة المتداولة مع موانيء شمال وشرق البحر المتوسط و ميناء السخنة جزئيا فيما يتعلق بتجارة الترانزيت المتداولة مع موانيء البحر الأحمر ودول الجنوب.
وقال إن هناك اعتبارات لإمكانية نجاح أو عدم نجاح الميناء فى تداول تجارة الترانزيت منها أن يكون الميناء على محاور الخطوط والتجارة الدولية دون أن تحدث انحرافات فى خطوط إبحار السفن وجداولها وتوافر الحوافز التى تعطى للسفن سواء كبيرة الحجم أو سفن الروافد، بما يتيح تجميع وإعادة توزيع البضائع عن طريق الميناء.
وتابع إنه بتطبيق هذا المحدد على ميناء الإسكندرية فإن السفن القادمة من الشمال تفضل ميناء دمياط أو شرق بورسعيد لتداول تجارة الترانزيت وذلك على طريق إبحارها سواء لعبور قناة السويس (انتظاراً لتوقيتات قوافل العبور ) أو تفادى عبور قناة السويس (لتلاشى دفع رسوم العبور).
وأشار إلى أن الترانزيت فى حد ذاته ليس مصطلحاً بسيطاً إنما تتشعب فى داخله نوعيات تتطلب خبرة معينة فمنها (Tran-shipment ) أو ما يطلق عليه (الترانزيت المباشر ) حيث يتم تداول بضائع الترانزيت ما بين سفينتين راسيتين فى الميناء سواء بمعدات إحدى السفينتين أو معدات الميناء، ويوجد ما يعرف بـ (Transit cargo ) ما يطلق عليه (الترانزيت غير المباشر ) حيث يتم تفريغ تلك البضائع على الأرصفة (وسواء تم تخزينها لفترة زمنية محددة لسبب أو لآخر أو أعيد شحنها على سفن أخرى بمواصفات أخرى ).
وأكد ضرورة توافر ما يعرف بـ «Delivery Regime » حيث أنه من المفترض أن جميع الموانئ الواقعة فى الدولة الواحدة تقوم بتداول النوعيات المختلفة من البضائع بنفس ذات الإجرءات والمستندات والتكلفة والتوقيتات بما لا يجعل هناك أى نوع من أنواع التفضيل لإتمام إجراءات صرفها عبر الموانئ المصرية، إلا أن هذا الأمر لا يتم تطبيقه.
وأوضح أن لكل صاحب بضاعة بالموانئ المصرية علاقات معينة وخبرات معينة مع جهات صرف تلك البضاعة مما يجعله يفضل التعامل على تلك البضاعة عبر هذا الميناء دون غيره، فمثلا بضاعة وجهتها النهائية إقليم القاهرة الكبرى، فنجد أن بعض المتعاملين من القاهرة يفضلون تخليص بضائعهم عن طريق (موانئ بورسعيد شرق أو غرب ) وآخرين يتعاملون على نفس النوع من البضائع يفضلون تخليصها عبر ميناء دمياط وآخرين يفضلون التعامل على نفس النوع من البضائع فى تخليصها عبر موانئ الإسكندرية والدخيلة.
وطالما استمرت تلك الاختلافات فى الإجراءات والمستندات والتكلفة والتوقيتات على نفس النوعية من البضاعة بالكمية والوجهة لإتمام إجراءات صرفها عبر الموانئ المصرية ستستمر وجهة النظر للموانئ المصرية على كونها (متنافسة وليست متكاملة ).
وأوضح أن هناك فرصا كثيرة ضائعة بين الموانئ المصرية فى تداول التجارة الدولية وتجارة الترانزيت، فمثلا الأولى بتداول بضائع الترانزيت التى كان حجمها ضخماً فى فترة زمنية معينة ووجهتها النهائية ليبيا أن يتم تداولها عبر ميناء الإسكندرية باعتباره الميناء الأقرب، إلا أن الواقع العملى أن تلك البضاعة كانت تصل إلى ميناء بورسعيد ويتم توجيه بوصلتها إلى ليبيا من بورسعيد.
وأشار إلى ضرورة منح تسهيلات لتجارة الترانزيت ليكون الميناء جاذباً لها، خاصة أن بعضها إجرائى وبعضها مستندى، كما أن أهمها منح سفن بضائع الترانزيت أولوية تراكى على بعض الأرصفة لكي يتم تفادى التأخيرات والغرامات.
وأوضح أن الإجراءات الجمركية التى تتم على الترانزيت لابد من مراجعتها، خاصة أن البضاعة الترانزيت ليست بضائع تخص الدولة وليست هى وجهتها النهائية، فلابد من عدم تحميلها بأعباء مالية ضخمة.
وتابع إنه على سبيل المثال كانت هناك بعض مواد قانون الجمارك تلزم الشركات الناقلة لبضائع الترانزيت عبر الأراضى المصرية بأن تقدم ضمانات مالية تعادل القيمة الجمركية القابلة للضياع فى حال عدم وصول البضاعة بحالة ظاهرية سليمة للمنفذ الأخير لخروج تلك البضاعة من الأراضى المصرية وفى حال تعرض البضاعة لأى مشكلة يتم دفع مثلى القيمة الجمركية باعتبارها عملية تهريب جمركى، وهو ما يجعل كثير من الشركات تحجم عن التعامل مع مثل هذه النوعية من البضاعة.
وأكد أن المشكلة الأكبر تكمن فى اللجان التابعة لمصلحة الجمارك فى الموانئ حيث إن بعضها يتسم بالمرونة الكافية والبعض الآخر يتمسك بالروتين فيما يتعلق بإجراءات الكشف على حاويات الترانزيت.
وأضاف أنه بسبب زيادة عمليات التهريب الجمركى فإن بعض اللجان الجمركية تتمسك بإجراءات كشف كامل مشمول البضاعة، إلا أنه فى هذه الحالات تتعرض البضاعة للهدر وعدم إعادة الرصات لأصلها بما يجعل بعض الموانئ المصرية على القوائم السوداء لتداول تجارة الترانزيت وهذه أمور يمكن التغلب عليها وحلها من خلال أجهزة «X-Ray» للكشف على الرسائل فى الحاويات دون فتحها.
ولفت «إبراهيم» إلى وجود محددات لنجاح تجارة الترانزيت عبر الموانئ المصرية فيما يعرف ببناء (Network ) شبكات الأعمال والعلاقات وكذلك تنمية التجارة البينية حيث إن بعض الموانئ فى دول مجاورة تقبل أن تنقل تجارتها كترانزيت عبر مناطق وموانئ معينة لاعتبارات اقتصادية وسياسية واجتماعية.
فمثلا تجهز الجزائر حاليا موانيها لتداول تجارة الترانزيت الخاصة بما يعرف بالدول الأفريقية الحبيسة، وهذا مشروع منافس لقيام الموانئ المصرية بتداول تجارة الترانزيت الخاصة بالدول الأفريقية التى ليس لها موانئ على البحار والمحيطات لاعتبارات تتعلق بأن الحدود الجزائرية متوغلة فى العمق الأفريقى ولها حدود مع دول لها الغرب الأفريقى ذات الطاقات والقدرات الاقتصادية الأفضل من دول الشرق الأفريقى (الأكثر فقراً والأكثر إضطرابا سياسيا )، وكلما استطعنا أن نعقد الاتفاقيات التجارية وبناء العلاقات يمكننا أن نجذب تجارة الترانزيت الصادرة والواردة لدول شرق المتوسط (لبنان وسوريا ) على سبيل المثال أو دول شمال البحر الأحمر (مثل الأردن ).
وتابع إن هناك محددا آخر يتعلق بضرورة أن يتم إعادة بناء المنظومة التشريعية على نحو يتم من خلاله إغلاق الثغرات التشريعية بحيث يتسم التشريع بالوضوح والشفافية والاستقرار، خاصة أن الموانئ المصرية خسرت صفقات تتعلق بتجارة الترانزيت نتيجة عدم رغبة أصحاب البضاعة فى تعرض بضائعهم لإجراءات غير واضحة التسلسل الإجرائى أو الزمنى فى حين أن الموقع الجغرافى المتميز لمصر يسمح بأن تكون جوهرة عالمية لتجارة بضائع الترانزيت.
وأشار إلى أن هناك محددا آخر لنجاح جذب تجارة الترانزيت يتعلق بضرورة تحسين البنية التحتية للموانئ المصرية وقدراتها حيث إن بعضها يطلق عليه شكلاً أنها موانئ محورية نتيجة تردد خط ملاحى كبير الحجم نسبياً عبر محطاتها لكن موضوعياً فإنه ليس حاليا فى مصر ميناء محورى بالمعنى الحقيقى، فالموانئ المحورية حولنا سواء فى البحر المتوسط أو البحر الأحمر أو المحيطات المجاورة تتداول ما لا يقل عن 20 مليون حاوية مكافئة (TEU ) كميناء بيريوس اليونانى وميناء صلالة وميناء الملك عبد الله، بينما الموانئ المصرية مجتمعة لا يتجاوز حجم أعمالها 7 ملايين حاوية سنويا.
وأكد أن هناك محددا آخر لجذب تجارة الترانزيت يتعلق بتقديم الخدمات اللوجستية وخدمات القيمة المضافة لتجارة الترانزيت وهذا المبدأ وإن بدأنا التفكير فيه مؤخراً فى إقليم قناة السويس إلا أن البطء فى التنفيذ وعدم وضوح ما تم الوصول إليه من إنجاز يضيع على الموانئ المصرية مزايا التمتع بتنمية تجارة الترانزيت.