من تراب الطريق (1275)

رجائى عطية

8:55 ص, الأثنين, 7 مارس 22

رجائى عطية

رجائى عطية

8:55 ص, الأثنين, 7 مارس 22

أزمة الزعامة السياسية (5)

لا تملك إلاَّ الدهشة على عدم اتساع الوفد لقطبين من وزن الدكتور أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى، صاحبًا التاريخ العريض فيه وفى ثورة 1919 ومنذ البدايات، واللذان احتملا ما احتملاه من السجن والمحاكمة التى كانا مهددين فيها بالإعدام. أى خلاف فى الرأى يمكن أن يبرر هذا الانفراط؟! وأى منطق سارت عليه قيادة الوفد والذى أدى إلى هذه الانشقاقات حسب التعبير السائد، ووضعها الصحيح أنها انشقاقات إجبارية أو اضطرارية ؛ لتعذر التعامل مع سياسة صلبة لا تضيق فقط بالرأى الآخر، وإنما تهدر رأى الأغلبية، وهو ما يشكل لأى كيان بداية الانحدار، ناهيك بالقيام بالفصل بلا ضوابط، ودون تقدير ما فى هذا الفصل من تداعيات خطيرة على الكيان الحزبى، ولا سيما حين يجرى وهو ما قد حدث دون التقيد بالقاعدة النصيّة التى ارتضاها الجميع حين تكوين الوفد، ألاَّ يفصل أحد أعضائه إلاَّ بأغلبية ثلاثة أرباع الأعضاء.

لذلك لم يكن غريبًا أن يفسد ما بين النحاس ومكرم، فسادًا تعذر أو استحال معه الاستمرار بين القطبين. قيل فى ذلك أن السبب تدخل عقيلة النحاس فى سياسة الوفد، وقيل إنه بسبب ظهور فؤاد سراج الدين، واتساع مساحته فى الوفد بدعم من عقيلة رئيسه ؛ وقيل إنه بسبب الغيرة من النافسين على «مكرم عبيد» موضعه فى الحزب ومن النحاس وتأثيره عليه، وقيل إنه بسبب الفساد الذى نسب إلى تدخلات حرم الرئيس، والمتفق عليه أن الخلافات وصلت إلى نقطة اللاعودة بعد الخلاف حول «الترقيات الاستثنائية»، التى عارضها مكرم، وقام بنشر آرائه فيها بالصحف، فثارت ثائرة النحاس، وزاد إشعالها المجموعة الجديدة الرافضة لوضح مكرم، حتى كانت واقعة الكتاب الأسود، وإلى أن بلغت التداعيات استغلال مصطفى النحاس باشا صفته كحاكم عسكرى لإيداع مكرم عبيد فى السجن.

أذكر نفسى، وأذكر القارئ، بأننى لا أقوم بدور المؤرخ، وإنما هى انطباعات نتيجة التأمل فى الأسباب والجذور وتكييف الظاهرة بما أعتقد أنه الصواب. يؤيد ذلك أن «الاقصاء» تعدد فى الثورات وفى الأحزاب وفى الحكومات، وهو أشد حضورًا فى الزعامات التى لا تقبل القسمة على اتنين!

بالأمس لم يبق بجانب سعد زغلول فى الوفد إلاَّ الأقلية، وإن ظل الركب فى مسيرته لمكانة سعد الذى كان مدار آمال الأمة، وصاحب الجماهيرية الكاسحة. لقد قال الأستاذ محمود أبو الفتح المرافق للوفد فى باريس، إن إسماعيل صدقى ومحمود أبو النصر كانا مفترى عليهما من سعد و الوفد.

ولكن مصطفى النحاس ليس سعد زغلول، والاسراف فى الخصومة التى كان يمضى فيها سعد باشا حتى النهاية مع كل من خالفة فى الرأى، قد استمر فيها مصطفى النحاس وأسرف بدوره فى الخصومة، وقد أدى هذا إلى انشقاقات ليست إرادية، وإنما اضطرارية بسبب مصادرة القيادة رأى الأغلبية خلافًا لكل تقاليد الديمقراطية، ومبادئ الحزب ذاته. فحين لا تفلح الأغلبية فى احترام رأيها، بل ومصادرته من رئاسة الحزب، لا يكون أمامها سوى الانصراف أو الانشقاق كرهًا، ومن ثم كان فى لبه «إقصاءً».

لم يعتبر رئيس الوفد بنتيجة خروج ماهر والنقراشى وتأليفهما الحزب السعدى الذى صار شوكة فى جنب الوفد، فإذا بالأمر يتكرر مع «مكرم عبيد»، وقد قيل إن فؤاد سراج الدين مع الكراهة المتبادلة بينه وبين مكرم، كان من رأيه أى التعامل مع مكرم عبيد وهو فى الحزب والسلطة، أسهل من التعامل معه وهو خارج الحزب والسلطة، إذا ما انشق عليهم وعارض ذلك الحلف المبرم بين كارهيه الراغبين فى طرده، وقد أثبتت الأيام صحة رأى سراج الدين، إذْ أقام مكرم عبيد حزب «الكتلة الوفدية»، وطفق يحارب الوفد والنحاس علنًا، وبما له من شعبية ووزن فى الحياة السياسية. وفى النهاية يدفع الثمن الحزب نفسه، الذى خسر تباعًا «بالإقصاء» زبدة أقطابه وأصحاب الخبرة والكفاءة والرأى فيه.

www. ragai2009.com

[email protected]