معهد التمويل الدولى : الاقتصاد الأمريكى المتعافى الوحيد فى العالم من تداعيات الوباء

أسرع من انتعاشه بعد الأزمة المالية العالمية

معهد التمويل الدولى : الاقتصاد الأمريكى المتعافى الوحيد فى العالم من تداعيات الوباء
جريدة المال

خالد بدر الدين

دينا مجدي

6:34 ص, الثلاثاء, 1 فبراير 22

قفز %6.9 الربع الماضى بأقوى معدل منذ 1984

تعافى الاقتصاد الأمريكى من تداعيات وباء كورونا الذى يدخل عامه الثالث بصورة أسرع من انتعاشه من الركود الذى تعرض له أثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008 مع عودة الاستهلاك والاستثمار فى الولايات المتحدة منذ الربع الثالث من العام الماضى إلى مستويات ما قبل الجائحة.

وذكر معهد التمويل الدولى “IIF” فى تقريره الصادر مؤخرا أن الحكومة استطاعت أن تعيد الانتعاش لـ الاقتصاد الأمريكى أسرع من أى دولة أخرى من الاقتصادات المتقدمة أو الناشئة بفضل تدابيرها التحفيزية المالية الضخمة التى تجاوزت بكثير مثيلتها حتى خلال سنوات الكساد العظيم أثناء ثلاثينات القرن الماضى وحتى خلال الأزمة المالية العالمية الماضية.

واكتشف معهد التمويل الدولى فى تقرير «صور الاقتصادات الماكرو العالمية» من خلال عمل مسح على تعافى الدول المتقدمة والناشئة من كوفيد 19 أن الولايات المتحدة هى الوحيدة من بين الاقتصادات المتقدمة التى عادت فيها مستويات الإنفاق الحقيقى للمستهلكين واستثمارات الأصول الثابتة إلى أكثر مما كانت عليها قبيل ظهور فيروس كورونا فى نهاية عام 2019.

«اليورو» لم تتحمل الصدمة

ولكن اقتصادات منطقة اليورو لم تتحمل صدمة كوفيد 19 التى تحولت إلى أحد العوامل المثبطة لنموها ومازالت تعانى منها منذ حوالى عامين وحتى الآن مع تدهور الاستثمارات بنفس مستوى الانخفاض الذى تراجعت إليه فى العديد من دول الاقتصادات الناشئة مثل ماليزيا والفلبين وكولومبيا وجنوب أفريقيا، وتوقع المعهد فى تقريره استمرار النمو الضعيف للعديد من الاقتصادات الأوروبية والناشئة على الأجل المتوسط على الأقل.

وحقق الاقتصاد الأمريكى انتعاشا واضحا وتعافى بسرعة من تداعيات الوباء، رغم أنها مازالت تتصدر العالم فى أعداد الإصابات والوفيات والتى اقتربت من 75 مليون حالة وحوالى 885 ألف ضحية حتى الآن وتواصل الزيادة بمعدلات سريعة من يوم لآخر بسبب ظهور متحورات جديدة للفيروس ومنها أوميكرون الذى رفع أعداد الإصابات بأكثر من 20 مليون حالة فى الأسبوع الأخير من يناير الماضى.

وعاد الإنفاق الحقيقى للمستهلكين الأمريكيين، والذى يشكل أكثر من ثلثى النشاط الاقتصادى الأمريكي، منذ الربع الثالث من عام 2021 إلى أفضل مما كان عليه قبل الجائحة ليصل إلى %6.1 فى الربع الثالث بعد وتيرة نمو بلغت %12 فى الربع الثانى من نفس العام مما يدل على الإنجاز الرائع الذى سجله الاقتصاد الأمريكى ، والذى لم تتمكن أى دولة أخرى أن تحققه، خاصة وسط الوباء الذى انتشر فى جميع دول العالم وأصاب ما يزيد عن 375 مليون حالة ووفاة ما يقرب من 5.7 مليون ضحية ورغم تطعيم سكان الكوكب بأكثر من 10 مليارات جرعة.

أعلى نمو منذ 1984

وحقق الاقتصاد الأمريكى خلال الربع الماضى نموا بنسبة %6.9 متفوقا على توقعات المحللين والتى كانت تشير إلى %5.5، وذلك رغم انتشار سلالة أوميكرون وضعف التوظيف واستمرار أزمة سلاسل التوريدات العالمية ليسجل أكبر اقتصاد فى العالم ” الاقتصاد الأمريكى ” نموا سنويا بحوالى %5.7 فى أعلى مستوى منذ 1984.

وكانت وزارة التجارة الأمريكية أعلنت أن الناتج المحلى الإجمالي، وهو مجموع السلع والخدمات المنتجة خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر ارتفع بمعدل %6.9 على أساس سنوي، بينما كان الاقتصاديون يتوقعون مكاسب بنسبة %5.5 وكانت هذه الزيادة أعلى بكثير من النمو غير المعدل %2.3 فى الربع الثالث من العام الماضى.

مشروع بايدن

ومع ذلك فقد خفض بنك جولدمان ساكس الاستثمارى توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى إلى %2 عن الربع الحالى من %3 فى توقعاته السابقة ومن %3.5 إلى %3 فى الربع المقبل، بينما خفضها بنسبة %0.25 فى الربع الثالث من هذا العام، مقارنة مع مستويات الـ%3 المتوقعة سابقا وسط المخاوف الأخيرة لعدم تمرير مجلس الشيوخ مشروع بايدن الاقتصادى المعنون «عودة أفضل للبناء» والبالغة قيمته 1.75 تريليون دولار.

وتأتى هذه التخفيضات فى توقعات البنك بعد تصريحات من قبل السناتور جو مانشين المعارضة للمشروع، مشيرا إلى أزمة التضخم وإلى المخاوف المتعلقة بزيادة أعباء الديون على الحكومة التى من شأنها أن تؤثر على قدرة البلاد على التركيز على أزمة فيروس كورونا والمتحور الجديد أوميكرون، ومن المرجح أيضًا أن يحول تركيز البيت الأبيض مرة أخرى إلى القضايا المتعلقة بالجائحة وتأجيل مخططات الحكومة المرتبطة بالإصلاحات الاقتصادية طويلة الأجل ومواجهة التهديدات الجيوبوليتيكية، خاصة فى أوكرانيا.

الصين فى المقدمة

ورغم أن تقرير معهد “IIF” لم ترد فيه حالة اقتصاد الصين التى ظهر فيها منذ نهاية 2019 فيروس كورونا، إلا أن الهيئة الوطنية للإحصاء الصينية أعلنت الأسبوع الماضى، أن الناتج المحلى الإجمالى للصين ارتفع بنسبة %8.1 فى 2021 ليصل إلى 114.37 تريليون يوان (حوالى 18 تريليون دولار أمريكى) مع مقارنة مع عام الوباء لتؤكد أن الاقتصاد الصينى حقق نموا مستقرا رغم التحديات العديدة بما فيها عودة انتشار الفيروس والبيئة الخارجية المعقدة غير أن نسبة النمو هذه كانت أعلى بكثير من هدف الحكومة المتمثل فى أكثر من %6 ليصبح متوسط النمو خلال عامى الوباء %5.1.

وواصل الاقتصاد الصينى انتعاشه المستقر خلال العام الماضى، وقاد العالم فى كل من التنمية الاقتصادية ومكافحة الوباء، وفقا لما ذكرت الهيئة الوطنية للإحصاء التى حذرت فى نفس الوقت من الضغط الثلاثى المتمثل فى انكماش الطلب وصدمات العرض وضعف التوقعات وسط بيئة خارجية مليئة بالمخاطر الجيوبوليتيكية، علاوة على العقوبات الأمريكية التى فرضتها واشنطن ضد شركات التكنولوجيا الصينية.

واتسم نمو الصين بأنه كان من بين الأسرع فى الاقتصادات الكبرى فى العالم العام الماضى، ومن المتوقع أن يمثل الناتج المحلى الإجمالى للبلاد أكثر من %20 من الإجمالى العالمى بفضل ارتفاع الإنفاق الاستهلاكى بأكثر من %12.5 على أساس سنوى وسجلت استثمارات الأصول الثابتة نموا مستقرا بنسبة %4.9 وزاد الناتج الصناعى ذو القيمة المضافة بما يتجاوز %9.6.

كورونا يضرب للعام الثالث

ومع ذلك فقد خفض صندوق النقد الدولى توقعاته للنمو الاقتصادى فى الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو والاقتصاد العالمى بزعم أن حالة عدم اليقين التى تحيط بالجائحة وارتفاع التضخم وتعطلات سلاسل التوريدات وتشديد السياسة النقدية الأمريكية تشكل مخاطر إضافية ويتفق معه توقعات المحللين فى مراكز بحثية عالمية أخرى للنمو الاقتصادى العالمى وفى هذه المناطق الكبرى.

ومازالت التوقعات متشائمة مع تزايد الشكوك التى تحيط بالجائحة وارتفاع أسعار العديد من السلع من البترول إلى الحبوب الغذائية وأزمة سلاسل التوريدات وتشديد السياسة النقدية الأمريكية لدرجة أن النمو العالمى هذا العام من المتوقع أن يتوقف عند %4.4 بانخفاض %0.5 عن توقعات سابقة ويتباطأ أكثر لينزل إلى %3.8 العام المقبل.

ويرى المحللون أن وباء كورونا سيؤدى إلى خسائر اقتصاية مجمعة قدرها 13.8 تريليون دولار حتى نهاية 2024، مقارنة مع توقعات سابقة بلغت 12.5 تريليون دولار مع خفض النمو المتوقع للاقتصاد الأمريكى بحوالى %1.2، خصوصا إذا فشل الرئيس جو بايدن فى تمرير حزمة إنفاق للبرامج الاجتماعية والبيئية قبل تشديد السياسة النقدية الأمريكية واستمرار نقص الإمدادات.

ديون هائلة

وأدى وباء كورونا إلى قفزة غير مسبوقة فى الديون العالمية لتتجاوز 226 تريليون دولار العام الماضي، لتسجل أكبر زيادة فى عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية، وقد تتفاقم أكثر إذا ارتفعت أسعار الفائدة بوتيرة أسرع من المتوقع وإذا تعثر النمو العالمى بسبب الجائحة التى تسببت فى أن تصل الديون إلى %256 من الناتج المحلى الإجمالى العالمى خلال عام الوباء.

وخفض صندوق النقد توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى بمقدار %1.2 إذا لم يتمكن الرئيس جو بايدن فى تمرير حزمة إنفاق للبرامج الاجتماعية والبيئية قبل تشديد السياسة النقدية الأمريكية واستمرار نقص فى الإمدادات ليقل نموه إلى %4 هذا العام بعد نمو %5.6 فى 2021، مع توقعات بأن يواصل التراجع إلى %2.6 العام المقبل كما قلص صندوق النقد توقعاته لنمو اقتصاد الصين بمقدار 0.8% إلى %4.8 خلال العام الجديد بعد نمو 8.1 % فى العام الماضى ومع توقعات بأن يرتفع النمو مجددا إلى %5.2 فى 2023.

وتراجعت أيضا توقعات الصندوق للنمو فى منطقة اليورو بمقدار %0.4 إلى %3.9 هذا العام ثم سيتباطأ إلى %2.5 فى 2023 ونمو الاقتصاد العالمى إلى %4.4 من %4.9 خلال العام الجاري، ولكنه رفع توقعاته لنمو اقتصاد الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من %4.1 إلى %4.3 فى 2022.

انكماش أقوى اقتصاد أوروبى

وتعرضت ألمانيا صاحبة أقوى اقتصاد فى أوروبا لانكماش أكثر من المتوقع فى الربع الأخير من العام الماضي، بسبب قيود مكافحة انتشار المتحور أوميكرون بحوالى %0.7 على أساس فصلى بزيادة عن توقعات استطلاع محللين أجرته “رويترز” بنسبة %0.3 فقط وكشفت البيانات المبدئية أن الاستهلاك الخاص تراجع بشدة فى حين زاد إنفاق الحكومة.

ويأتى ذلك بعد انكماش أكبر اقتصاد فى منطقة اليورو بنسبة %4.6 فى عام 2020، أى العام الأول من عمليات الإغلاق الكامل والقيود الاجتماعية الصارمة فى أعقاب انتشار كورونا، كما أن سرعة انتشار المتحور أوميكرون تشير إلى أن الجائحة ستستمر فى تعطيل الأنشطة الاقتصادية هذا العام أيضا.

وتوقع البنك الدولى أن يشهد الاقتصاد العالمى تباطؤا حادا مع تفاقم مخاطر جديدة ناجمة عن متحورات فيروس كورونا وارتفاع مستويات التضخم والديون والتفاوت فى الدخل قد تهدد تعافى الاقتصادات الصاعدة والبلدان النامية، خصوصا أنها انكمشت جميعا فى المتوسط بحوالى %6.3 العام الماضى.

ويرى البنك أن معدل النمو العالمى سيتراجع من %5.5 فى 2021 إلى %4.1 هذا العام و%3.2 العام المقبل مع إنهاء تدابير الدعم على مستوى سياسات المالية العامة والسياسات النقدية فى أنحاء العالم، ويتوقع أن تشهد الصين، ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، تباطؤًا فى النمو يصل إلى %5.1 فى 2022 بعد أن صعد إلى %8 العام الماضي.

تراجع الناتج العالمى

وكان عام الوباء قد شهد تراجع مجموع الناتج المحلى الإجمالى GDP على مستوى العالم من 78.3 تريليون دولار فى عام ما قبل الوباء إلى حوالى 75 تريليون دولار فى 2020 بسبب انتشار فيروس كورونا فى معظم الدول وإغلاق العديد من الأنشطة الاقتصادية وفرض قيود التباعد الاجتماعى للحد من تفشى العدوى.

وتصدرت الولايات المتحدة دول العالم فى ضخامة ناتجها المحلى الإجمالى الذى تقترب حصتها منه إلى %28 من هذا المجموع أو ما يعادل 20.9 تريليون دولاروبعدها الصين بما يقرب من 14.9 تريليون دولار أو حوالى %20 من المجموع ليستحوذا معا على حصة تقترب من %48 من الإجمالى العالمى.

العشرين الكبار

وحسبت وكالة ستاتيستا الألمانية للأبحاث والإحصائيات الاقتصادية والمالية العالمية الناتج المحلى الإجمالى فى المسح الذى نشرته مؤخرا وأجرته على أكبر 20 دولة فى العالم خلال عام الوباء باعتباره يساوى قيمة السلع والخدمات التى تنتجها الدولة أو قيمة الإنفاق والتجارة فى تلك السنة .

وجاءت اليابان فى المركز الثالث، حيث بلغ ناتجها المحلى الإجمالى أكثر من 5 تريليونات دولار بما يعادل %6 فقط من الإجمالى العالمى ثم ألمانيا التى اقترب ناتجها المحلى الإجمالى من 3.9 تريليون دولار، وبريطانيا أكثر من 2.7 تريليون دولار.

وظهر فى المركز السادس الهند بناتج محلى إجمالى يقترب من 2.7 تريليون دولار وبعدها فرنسا بحوالى 2.6 تريليون دولار وإيطاليا حوالى 1.9 تريليون دولار ثم فى المركز التاسع كندا بأكثر من 1.64 تريليون دولار وفى العاشر كوريا الجنوبية بما يزيد عن 1.63 تريليون دولار.

وتبين إحصائيات وكالة ستاتيستيا أن تركيا تذيلت قائمة العشرين دولة التى أجرت عليها المسح والتى بلغ ناتجها المحلى الإجمالى العام الماضى ما يزيد عن 719.9 مليار دولار، بينما احتلت روسيا المركز 11 بحوالى 1.5 تريليون دولار وبعدها البرازيل بأكثر من 1.4 تريليون دولار ثم أستراليا بحوالى 1.36 تريليون دولار.

وفى المركز 14 جاءت إسبانيا بناتج محلى إجمالى يزيد عن 1.28 تريليون دولار وبعدها المكسيك بحوالى 1.07 تريليون دولار وإندونيسيا 1.06 تريليون دولار، وحلت هولندا فى المركز 17 بأكثر من 913 مليار دولار وإيران 835 مليار دولار وسويسرا بما يتجاوز 751 مليار دولار.

حصة «بريك» تعادل «الأمريكية»

أما مجموعة بريك التى تضم البرازيل وروسيا والهند والصين فقد بلغ مجموعة ناتجها المحلى الإجمالى أكثر من 20.5 تريليون دولار أو ما يعادل ما يزيد عن %27 لتقترب من حصة الولايات المتحدة غير أنه من المتوقع أن تحتل الصين المركز الأول على العالم فى الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2030