معهد «NIESR»: يتوقع هبوط الناتج المحلى الإجمالى العالمى تريليون دولار العام الحالي

مع ارتفاع التضخم %3 بسبب الحرب الروسية

معهد «NIESR»: يتوقع هبوط الناتج المحلى الإجمالى العالمى تريليون دولار العام الحالي
جريدة المال

خالد بدر الدين

دينا مجدي

6:03 ص, الثلاثاء, 8 مارس 22

توقع المعهد الوطنى البريطانى للبحوث الاقتصادية والاجتماعية «NIESR»، وهو من أعرق المؤسسات البحثية فى المملكة المتحدة والذى يتخذ من لندن مقرا له، أن ينخفض الناتج المحلى الإجمالى على مستوى العالم حوالى %1 العام الحالى أو ما يعادل تريليون دولار بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.

ويرى خبراء الاقتصاد فى المعهد أنّ الصراع فى أوكرانيا يسهم فى زيادة التضخم العالمى بنسبة %3 خلال السنة الحالية ونسبة %2 أخرى خلال 2023 من خلال إطلاق أزمة أخرى فى سلاسل التوريد بجانب نقص رقائق أشباه الموصلات، كما ستؤدى مشكلات العرض إلى تباطؤ النمو وصعود الأسعار.

وذكر التقرير الذى أعده معهد «NIESR» أن الحرب قد تمحو %1 من الناتج المحلى الإجمالى العالمى فى وقت تستعد الأسواق لمزيد من الفوضى فى سلسلة التوريد بسبب الدور الرئيسى لروسيا وأوكرانيا فى تجارة الطاقة والسلع الأساسية، من النفط والغاز إلى القمح والذرة والبلاديوم.

انكماش اقتصاد روسيا

ويتوقع خبراء الاقتصاد فى بنك JP مورجان الأمريكى انكماشا بنسبة %7 للناتج المحلى الإجمالى لروسيا خلال 2022، كما توقع رفيقه بنك جولدمان ساكس نفس النسبة تقريبا، وتوقع أيضا خبراء الأسواق المالية فى وكالة بلومبرغ إيكونوميكس انخفاضا بحوالى %9، مقارنة مع انكماش الاقتصاد الروسى الذى بلغ %5.3 فى عام 1998 وسط أزمة الديون.

وتُعد روسيا وأوكرانيا مصدرين رئيسيين للسلع الأساسية والطاقة، وتترك العلاقات معهما قارة أوروبا عرضة للخطر بطريقة تفوق أى منطقة أخرى، ويسبب الصراع فى أوكرانيا مزيدا من الضغوط الاقتصادية وستتصدع سلاسل التوريد أكثر، وستتعرض السياسات النقدية والمالية لعملية تدقيق مشددة وستدفع الحكومات الأوروبية أيضا إلى اقتراض مزيد من الأموال لسداد تكاليف تدفق المهاجرين من أوكرانيا وتعزيز جيوشها وحض البنوك المركزية على زيادة أسعار الفائدة الأساسية ببطء فقط.

روسيا تنجو من الركود

وقد تتفادى روسيا الركود الاقتصادى نظرا إلى أن الخسارة الاقتصادية الناجمة عن العقوبات سيعوضها بطريقة جزئية صعود أسعار الصادرات من الغاز والنفط، ورغم ذلك سيهبط الناتج المحلى الإجمالى بنسبة تبلغ %2.6 مقارنة مع التوقعات السابقة فى نهاية 2023، إذ أسفر انهيار سعر صرف الروبل عن صعود معدل التضخم بنسبة وصلت إلى %20.

وستكون الخسارة التى ستلحق بالناتج المحلى الإجمالى فى روسيا أسوأ بشكل طفيف من منطقة اليورو والمملكة المتحدة، وفى نهاية الأمر فى سنة 2023 ستتمكن كلتاهما من تحقيق مستويات من الناتج المحلى الإجمالى أقل من التوقعات السابقة بنحو %1.5.

وفى ظل تباطؤ معدلات النمو، فإنّ أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة ستتفاقم وسيصل متوسط التضخم فى المملكة المتحدة إلى نسبة %7 خلال السنة الجارية، وقد يتراجع إلى نسبة %4.4 فى سنة 2023.

الخسارة قاسية

ويؤكد التقرير أنه فى حال جرى تصعيد العقوبات إلى حد وقف شحنات الغاز الطبيعى والنفط الروسى، فإنّ الخسارة التى ستصيب روسيا ستكون قاسية بيد أنها سترفع أيضاً فرص حدوث ركود تضخمى أقوى بطريقة ملموسة فى الاتحاد الأوروبى، حيث يحصل التكتل الموحد على %40 من احتياجاته من الغاز من خلال روسيا.

وتتجه روسيا فى طريقها نحو حدوث انهيار اقتصادى ينافس أو حتى يتفوق على حجم ركود عام 1998 الذى أعقب التخلف عن سداد ديونها، رغم أن التداعيات المالية قد تكون أقل من ذلك الحين.

وبعد أيام من أمر الرئيس فلاديمير بوتين بدخول القوات إلى أوكرانيا، بدأ الاقتصاديون فى نشر توقعاتهم للاقتصاد الروسى الذى يحتل المرتبة الـ11 بين أكبر اقتصادات فى العالم، رغم تحذيرهم من أن التوقعات غامضة وخاضعة للمراجعة.

الاقتصاد الروسى يترنح

ويترنح الاقتصاد الروسى بعد أن فرضت الحكومات الأجنبية عقوبات على التجارة والتمويل والسفر، وجمدت احتياطيات بنكها المركزى، وعزلت العديد من بنوكها عن نظام “سويفت” لتسوية المدفوعات الدولية.

ويجرى صندوق النقد محادثات لتمويل أوكرانيا بحوالى 3.6 مليار دولار حتى يونيو المقبل فى الوقت الذى يشهد العالم ارتفاعا حادّا بأسعار الطاقة والموادّ الغذائية، وتسعى حكومة أوكرانيا لتأمين قرض بحوالى 350 مليون دولار لتمويل مشتريات الوقود بعد ارتفاع أسعار الطاقة بسبب غزو روسيا لأراضيها مع صعود أسعار البترول بأكثر من %27 منذ 24 فبراير واستمرار المسار الصعودى بسبب تداعيات الحرب.

موديز تخفض تقييم روسيا

وتؤكد وكالة موديز الأمريكية للتصنيفات الائتمانية تزايد الشكوك فى استقرار أسعار النفط والغاز الطبيعى حتى لو توفرت إمدادات إضافية من خارج روسيا، كما خفضت تصنيف روسيا الائتمانى إلى Ca بداية الأسبوع الجارى بسبب مخاوف شديدة فيما يتعلق باستعداد روسيا وقدرتها على سداد التزامات الديون وأبقت على توقعاتها السلبية للتصنيف بسبب القيود التى فرضها البنك المركزى والتى ستقيد المدفوعات عبر الحدود بما فيها الديون.

كما سعت روسيا إلى عزل اقتصادها وأسواقها بفرض ضوابط على رأس المال ومضاعفة أسعار الفائدة وإجراءات طارئة أخرى، وكل تلك العوامل تضر بالنمو، علاوة على أن العقوبات تقوض الركيزتين اللتين تعززان الاستقرار وهما احتياطيات العملة الأجنبية الحصينة للبنك المركزى، وفائض الحساب الجارى لروسيا غير أن العقوبات ستضر بشدة بالاقتصاد الروسى، الذى يبدو الآن متجهاً إلى ركود عميق.

ويرى المستثمرون أن التداعيات البشرية والجيوبوليتيكية للغزو الروسى أكبر مما شهده عام 1998، إلا أن تراجع الروبل على المدى القصير أثبت أنها أصغر حجماً، ولدى روسيا حتى الآن قدرة أكبر على تجنب التخلف عن سداد ديونها، خاصة إذا استمرت الدول الأخرى فى مقاومة فرض عقوبات على صادراتها من الطاقة.

روسيا سوق منبوذة

وقال التقرير إنه كلما طالت فترة فرض العقوبات، خاصة إذا تم توسيعها لتشمل صادرات الغاز والنفط، زاد احتمال أن تصبح روسيا سوقا رأسمالية منبوذة على مدار سنوات قادمة وأن ضعف العملة سيكون حتماً تضخمياً، خاصة إذا ظل الاقتصاد معزولاً عن بقية العالم، وليس من الصعب تصور سيناريوهات متطرفة مماثلة لفترة ما بعد 1998 فى هذه الحالة.

وتوفر عائدات النفط والغاز دعما بالعملة الصعبة لروسيا، لأن بيع الطاقة ونقلها قد أفلت من العقوبات، حيث تخشى الولايات المتحدة وحكومات أخرى أن تؤدى هذه القيود إلى إلحاق الضرر الشديد باقتصاداتها بشكل أكبر كما أن روسيا تحقق فائضاً شهرياً فى الحساب الجارى بنحو 20 مليار دولار فى بداية العام غير أن حظر صادرات النفط والغاز سيعنى أن الاقتصاد قد ينكمش بنحو %14 خلال 2022.

خسائر موسكو

وكان مؤشر بورصة موسكو “MOEX” فى روسيا هوى بأكثر من %33 أو ما يعادل 1022 نقطة لينزل إلى 2062 نقطة خلال تعاملات يوم الغزو بعد هجوم القوات الروسية على أوكرانيا ودخول قوافل عسكرية ومدفعية وناقلات جند مدرعة مع عتاد دعم وقوات أراضيها مما أثار مخاوف من نشوب حرب فى أوروبا بما يساهم فى زيادة التضخم ويعرقل النمو الاقتصادى وسط انتشار فيروس كورونا ومتحوراته المتعددة فى جميع أنحاء العالم.

وانهارت العملة الروسية بأكثر من %41.5 خلال التعاملات الأسيوية فى الأسبوع التالى لغزو أوكرانيا لتهبط إلى 119 روبل مقابل الدولار الأمريكى لتسجل مستوى قياسى منخفض أمام الدولار، بعد أن أعلنت دول غربية سلسلة من العقوبات القاسية لمعاقبة روسيا ومنها عقوبات على احتياطيات البلاد من النقد الأجنبى وارتفع الدولار خلال شهر فبراير الماضى بحوالى %53.77 أمام الروبل.

وتراجعت ثروات أغنى مليارديرات روسيا بأكثر من 81 مليار دولار منذ بداية العام وحتى الآن منها 39 مليار دولار فى يوم واحد فقط عندما قامت قوات موسكو بالهجوم على جارتها أوكرانيا وغزو أراضيها مما أثا مخاوف من نشوب حرب مطولة ليتفاقم التضخم ويتوقف النمو الاقتصادى وهبطت ثروة فاجيت أليكبيروف رئيس شركة لوكويل للبترول الذى خسر 6.2 مليار دولار فى يوم الغزو فقط.

أهداف العقوبات

واتفق الرئيس الأمريكى جو بايدن مع رؤساء الدول الأعضاء الـ27 فى الاتحاد الأوروبى ومجموعة السبع الكبار على تنفيذ عقوبات هائلة ضد روسيا بهدف تقليص قدرتها على استخدام الدولار واليورو والجنيه الاستيرلينى والين، ومنع التمويل اللازم لتطوير قواتها العسكرية، وتجميد %80 من أصول البنوك الروسية الكبرى ومنها البنك المركزى وسبيربنك، وتضييق الخناق على موسكو، بحيث لا تتمكن من تحقيق نمو فى الاقتصاد التكنولوجى عن طريق تقييد الصادرات إليها.

وتهدف العقوبات التى فرضتها كبرى دول العالم إلى منع أكبر 10 مؤسسات مالية فى روسيا من التعامل فى الأسواق المالية العالمية من خلال منعها من استخدام نظام سويفت الذى تشرف عليه جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) وهى مؤسسة مستقلة مقرها بلجيكا، وتعمل كنظام مراسلة داخلى بين أكثر من 11000 بنك ومؤسسة مالية فى أكثر من 200 دولة، وتوصيل 42 مليون رسالة يوميًا فى المتوسط لتنسيق التعاملات البنكية العالمية.

وتهدف الإجراءات العقابية منع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين من استخدام 630 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزى من العملات الأجنبية فى الحرب على أوكرانيا، والدفاع عن تراجع الروبل، وطرد حكومة بوتين من النظام المالى العالمى مع الاستمرار فى تصعيد العقوبات، ومنها تجميد التعاملات فى السندات الحكومية، وعدم إصدار أصول روسية وحظر سفر أباطرة رجال الأعمال الروس وتجميد الرحلات الجوية الدولية إلى روسيا.

القمح لأعلى مستوى منذ 14 عاما

وأشار بنك JP مورجان الأمريكى إلى أن أسعار القمح قفزت إلى أعلى مستوى منذ ما يزيد عن 14 عاما وسط المخاوف المتصاعدة من نقص إمدادات القمح بعد أن ارتفعت أسعاره إلى أعلى مستوى لها منذ 2008 بسبب الحرب، حيث تمثل إنتاج روسيا وأوكرانيا أكثر من %29 من صادرات القمح العالمى، كما أن البنك يتوقع ارتفاع حاد فى أسعار الأغذية، حيث تهيمن روسيا وأوكرانيا على إنتاج العديد من الحاصلات الزراعية ومنها عباد الشمس بحوالى %60 من الإنتاج العالمى.

وقفزت أسعار المواد الغذائية بحسب منظمة الفاو ومنها الزيوت النباتية ومنتجات الألبان بحوالى %21 فى فبراير، مقارنة مع نفس الشهر من العام الماضى ويرى برنامج الغذاء العالمى التابع لمنظمة الأمم المتحدة أن معدلات الجوع تقفز بنسب مرتفعة مع تفاقم الحرب الروسية، خاصة أن البلاد العربية تستورد ما يزيد عن %60 من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا ولذلك من المتوقع ظهور أزمة غذائية فى العالم العربى والبلاد النامية.

ومن المتوقع أن تكون أوروبا المنطقة الأكثر تضررا بسبب روابطها التجارية واعتمادها على إمدادات الطاقة والغذاء الروسية، مع تأثر الأسواق الناشئة بدرجة أقل من الاقتصادات المتقدمة، كما أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى تصعيد المخاوف من “الركود التضخمي” حيث ارتفعت أسعار النفط القياسية فوق 126 دولاراً للبرميل لتسجل أعلى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية فى 2008، مع ظهور تحذيرات عديدة من أن أمن الطاقة العالمى يتعرض للتهديد وسط الأزمة الأوكرانية.

قفزات فى أسعار الأغذية

وهناك مخاوف أيضا من أن تؤدى الأزمة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بعد أن وصل سعر القمح إلى أعلى مستوى فى 14 عاما وارتفعت أسعار الذرة أيضا إلى أعلى مستوى منذ عام 2012، عندما كان هناك جفاف فى الولايات المتحدة وكذلك حرائق الغابات فى جميع أنحاء روسيا وأوكرانيا.

ويأتى ذلك، فيما تمثل روسيا وأوكرانيا %20 من سوق القمح والذرة العالمية، كما أن روسيا أكبر مصدر لنترات الأمونيوم التى تستخدم فى الأسمدة مما يعنى ارتفاع أسعار الأعلاف كما يرى الخبراء أن ارتفاع أسعار النفط والقمح يرسم صورة قاتمة للتضخم، حيث يقلب الصراع سوق السلع العالمية ويرسل أسعار الطاقة والسلع الزراعية إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات.

ويتوقع خبراء الاقتصاد فى المراكز البحثية العالمية أن تكون أوروبا المنطقة الأكثر تضرراً بسبب روابطها التجارية واعتمادها على إمدادات الطاقة والغذاء الروسية، مع تأثر الأسواق الناشئة بدرجة أقل من الاقتصادات المتقدمة بينما تستورد الدول العربية أكثر من %60 من احتياجاتها للحبوب من روسيا وأوكرانيا.

ارتفاع الملاذات الآمنة

ومن ناحية أخرى تجاوزت أسعار الذهب خلال تعاملات أمس الإثنين حاجز 2000 دولار للأوقية لأول مرة منذ عام ونصف مع إقبال المستثمرين على ذلك الملاذ الآمن فى أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية المتصاعدة فى الوقت الذى دفعت فيه مخاوف من توقف إمدادات البلاديوم الذى قفز بحوالى %4.3 ليصل إلى 3130.16 دولار للأوقية بعد أن سجل أعلى مستوى له على الإطلاق عند 3172.22 دولار فى وقت سابق من الجلسة.

وتعرض مؤشر نيكى القياسى اليابانى أمس الإثنين لأكبر انخفاض له فيما يزيد على خمسة أسابيع مع هبوطه بحوالى %3 لعدم ظهور أى علامات على قرب انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط والسلع الأولية الأخرى وزيادة المخاوف من حدوث صدمة تضخمية مصحوبة بركود اقتصادى عالمى.

كما تعهد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بالمضى قدما فى العملية العسكرية ضد أوكرانيا والتى تصفها روسيا بأنها عملية خاصة ما لم تستسلم كييف، رغم العقوبات الغربية القاسية ووقوف معظم المجتمع الدولى ضد روسيا.