خواطر مواطن مهموم 134

توفيق اكليمندوس

9:54 ص, الأحد, 3 أبريل 22

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

9:54 ص, الأحد, 3 أبريل 22

الانتخابات الرئاسية الفرنسية

من لم يتابع الساحة الفرنسية السنة الماضية وعاد اليوم لرصد الانتخابات الرئاسية سيقول: لا جديد تحت الشمس٬ سيتصدر كل من الرئيس ماكرون والسيدة لوبن الجولة الأولى، وتشير الاستطلاعات إلى تقدم للرئيس ماكرون وإن كان الفارق أقل مما كان عليه سنة 2017. وماكرون يتمتع بتأييد ربع الجمهور الذى سيذهب إلى صناديق الاقتراع فى الجولة الأولى٬ رغم أن أغلب هؤلاء- الثلثين تقريبًا- غير مقتنع به، بل يراه أخفّ الأضرار.

ولكن الفوارق كبيرة. سنة 2017 فرص مارين لوبن كانت تتراجع بانتظام فى الشهر الذى سبق الجولة الأولى، وهذه المرة يرتفع نصيبها من الأصوات يومًا بعد يوم. فى حين أن ماكرون رأى نصيبه يرتفع فى الأسابيع الثلاثة التى تلَت اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية٬ ثم تراجع بوضوح بعدها٬ صحيح أنه فى الصدارة، ولكن أداءه كمرشح متخبط، وانفجرت فضيحة مالية قد تؤثر على فرصه.

سنة 2017 كانت لوبن أكثر المرشحين تطرفًا مع نظيرها اليسارى جان لوك ميلانشون٬ اليوم تبدو هى شبه معتدلة إن قُورنت بالمرشح الآخر المنتمى لليمين المتطرف إريك زيمور٬ ووفقت فى تحديد شعارها الرئيس؛ وهو حماية القدرة الشرائية للمواطن. اختارت هذا الشعار منذ سبتمبر الماضي؛ أى قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بأشهر، وهى حرب ترتَّب عليها، كما نعلم، ارتفاع حاد فى أسعار الطاقة والسلع الغذائية. هذه القضية- القدرة الشرائية- أصبحت الشغل الشاغل لفئات كثيرة فى المجتمع الفرنسى.

وقررت لوبن التخلى عن فكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي٬ نصف ناخبيها على الأقل من أصحاب المعاشات الذين يكرهون الاتحاد الأوروبى وقِيمه وخطابه، ولكنهم لا يريدون لفرنسا الخروج منه؛ لأنهم خائفون على مدّخراتهم التى ستتأثر إن عادت فرنسا إلى عملة وطنية ستنخفض قيمتها بين حين والآخر٬ ومن ناحية ثالثة لم تعد لوبن تتكلم كثيرًا عن الهجرة والإسلام٬ وإن لم تغير مواقفها- قراءة متأنية لبرنامجها تُظهر الاستمرارية فى هذا النهج. ولكن خطابها الشفهى يبدو معتدلًا فى حد ذاته وإن قُورن بخطاب زيمور؛ أى أنها موفقة فى إخفاء تطرفها وفى الجمع بين تطمين المتطرفين- لقب العائلة مفيد فى هذا الصدد- وخصومهم.

فارق آخر جدير بالذكر. سنة 2017 تحدّث الكل عن انهيار الحزبين اللذين حكما فرنسا بين 1958 و2017؛ لأن مرشح اليمين الجمهورى حصل على %20، ومرشح الحزب الاشتراكى على %6 وكسور، اليوم الوضع ازداد تدهورًا… مرشحة اليمين لا تحصل إلا على %10 من الأصوات ومرشحة الحزب الاشتراكى فى سبيلها إلى فشل تاريخى فهى تصارع لتخطّى حاجز الـ%2…

عوامل كثيرة تفسر هذا الانهيار… منها ترشيح إيريك زيمور. توقّع المراقبون أنه سيتسبب فى تقليل نصيب لوبين من الأصوات، وبدا فى أول الأمر أن هذا الكلام صحيح٬ ولكنه اتضح بعد قليل أن جمهوره هو الطبقات الوسطى التى كانت مقسمة بين تأييد اليمين الجمهورى ولوبن، وأنه يقلل من حظوظ الأول. ومن ناحية أخرى ارتكبت مرشحة اليمين الجمهورى عددًا من الأخطاء.

أما الحزب الاشتراكى فمن ناحية عانى إصرار الخضر على تقديم مرشح، مما أدى إلى تفتيت الأصوات؛ الأصوات التى انتخبت الرئيس هولاند سنة 2012 ذهب الكثير منها إلى ماكرون٬ ونسبة معتبرة إلى مرشح اليسار الراديكالى ميلانشون، وتبقّى للحزب نسبة ضئيلة يتقاسمها والخضر٬ وزاد من الطين بلة اختيار الحزب مرشحة دون المستوى.

وأثر وجود زيمور على الخريطة اليسارية٬ إذ صارت أصوات اليمين مقسمة بين ثلاثة مرشحين مهمين٬ بدلًا من اثنين كما فى 2017؛ أى أن نصيب كل منهم قلّ. ومن ثم لو التفّ الناخبون اليساريون حول مرشح واحد، وهذا فرض صعب لكنه غير مستحيل قد ينجح فى التفوق على كل مرشحى اليمين فى الجولة الأولى، وهذا من عوامل تعقد الموقف.

د.توفيق اكليمندوس

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية