«إنهم رجال سمان.. ناموا ونحن في أمس الحاجة إليهم ».
كانت هذه إجابة الممثل الأمريكي الشاب «كوريل فاريل» أو جيمس كلايتون وهو إسمه في فيلم The recruit «المهمة» علي سؤال المبدع «آل باتشينو» حول إنطباعه عن رجال الـ CIA.
الاجابة تحمل بالطبع إشارة واضحة إلي الدور السلبي الذي لعبته وكالة المخابرات الأمريكية في منع وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، الأمر الذي حط من كبرياءأعتي بلاد العالم وهبطت معه أسهم مخابراتهم لأدني مستوياتها .
يبدأ الفيلم بعدة مشاهد تشير إلي تفوق كلايتون في مجال الكمبيوتر والبرمجة بدرجة هائلة، وهو ما يلفت إنتباه «والتربورك» ضابط الـ CIA المسئول عن اختيار وضم العملاء الجدد والذي يقوم بدوره «آل باتشينو»، وبالفعل ينجح في اقناعه بالإنضمام للوكالة بعد ان اشار له ـ علي استحياء ـ إلي بطولة أبيه مستغلاً تشوقه لمعرفة حقيقة عمله وهو الذي توفي في حادث طائرة في بيرو عام 1990، ويتأكد ـ بعض الشيء ـ من عمل أبيه معهم عند إطلاعه علي النصب التذكاري للجنود المجهولين في مدخل الـ CIA ويشاهد فيه نجمة أمام عام 1990 و«بيرو» بالتحديد .
«لاتثق إلا بصوت حدسك» كانت أول التعليمات التي ألقاها بورك علي مسامع كلايتون ليزرع الثقة في نفسه قبل دخول اختبار الإلتحاق بالـ CIA والتي يلقي الفيلم الضوء علي الأساليب المتطورة التي تتم بها، وبعد النجاح في الامتحانات ينتقل «كلايتون» وزملاؤه إلي «المزرعة» وهو المكان الذي يتدرب فيه العملاء الجدد علي استخدام جميع أنواع الأسلحة والمرور من جهاز كشف الكذب وزرع أجهزة التنصت ويخضعون فيه لعدة اختبارات لقياس عدة معايير لابد من توافرها فيهم لاختيار الأصلح من بينهم علي رأسها قوة التحمل .
لاءات ثلاثة تحدث عنها ضابط الـ CIA أمام المتدربين وقال انه لن يتمتع بها أي من المنضمين للوكالة أولها المال وضرب مثالاً علي نفسه ـ وهو يتحسر ـ لأنه بعد 35 عاماً من الخدمة لا يتعدي راتبه 75 ألف دولار سنوياً وثانيها الجنس أما ثالثها فهي الشهرة لما يتمتع به نشاط المخابرات من سرية خاصة في حالة نجاح العمليات التي تقوم بها بينما تنتشر أخبار العمليات الفاشلة كالبرق، أما السبب الوحيد للمجيء بهم إلي «المزرعة» وتدريبهم علي أعلي مستوي ـ كما يقول آل باتشينو ـ فهم لأنهم ـ الأمريكيون ـ يؤمنون بوجود الخير والشر.. الصواب والخطأ ولأن الخطر يحدق بهم من كل ناحية، وكأنه علي العالم أجمع أن يوافق علي الاطماع الإمبريالية الأمريكية ـ حتي الشعوب المضارة منها ـ بل ويساعد علي تنفيذها وإعادة رسم العالم كله وليس الشرق الأوسط فقط .
يتقرب «جيمس كلايتون» من إحدي زميلاته «ليلي» وهو ما يلاحظه «بورك»، وفي أحد الاختبارات ينطلق 5 من ذكور المتدربين لاصطياد 5 فتيات من أحد الملاهي الليلية، وقبل ان ينهي «كلايتون» مهمته يلتقي «ليلي» التي يجدها ثملة حتي النخاع وتخبره بأنه تم الاستغناء عنها وأنها تود ممارسة الجنس معه فيصطحبها إلي الخارج ليفاجأ برئيسه في العمل في انتظاره ويكتشف أنها خدعته لأن مهمتها كانت افشال مهمته، فيرد لها الصاع صاعين أثناء التدريب علي جهاز كشف الكذب ويسألها اسئلة محرجة للتأكد ـ أمام الجميع ـ من حبها له ورغبتها الحقيقية في ممارسة الجنس معه .
أثناء التدريب علي المراقبة، والهروب منها يخرج «كلايتون» و«ليلي» بأوامر من «بورك» للهروب من المراقبة، إلا أنه يتم اختطافهما من قبل أحد الأفراد ـ كان قد حذره منه من قبل ـ والذي يستعمل معه أفظع أساليب العنف ليعترف بعمله في الـ CIA ويصمد طويلاً حتي يتبول علي نفسه من فرط تعرضه للصعق بالكهرباء وهنا ينهار فيفتح الباب فجأة ليكتشف أنه كان يتعرض لإختبار ولاء وقدرة علي التحمل، وهو آخر الاختبارات وبعده ينصرف الجميع من «المزرعة ».
يعتقد «كلايتون» أنه فشل في الانضمام للوكالة ولكن يزوره الضابط «بورك» ليخبره أنه تم اختياره عميلاً سرياً للوكالة وأنه كان أكثر الأشخاص صموداً في الاختبار الأخير منذ 15 عاما، ويكلفه بمهمة مراقبة «ليلي» لأنهم متأكدون من كونها خائنة لأنها فرنسية من أصل جزائري ـ وعميلة لإحدي الجهات وسمحوا لها بالإنضمام إليهم والعمل بالـ CIA للوصول إلي الجهة التي تتعاون معها ، وأنه أقدر شخص علي القيام بهذه المهمة نظراً لوجود فيروس أطلق عليه Glade 9 ابتكره خبراء مركز «لانجلي» للأبحاث التابع للوكالة، يستطيع إفساد شبكة الطاقة الكهربائية للولايات المتحدة الأمريكية كلها، وأنهم يعتقدون أنها تسعي للحصول علي نسخة منه .
يسعي «كلايتون» للوصول إلي قلب «ليلي» ويمارس معها الجنس في منزلها، ويعثر علي جزء من الملف علي الكمبيوتر الخاص بها وهو ما يخبر به الضابط فيدفعه للاستمرار في المهمة حتي يتعرف علي الجهة التي جندتها، إلي ان يشاهدها تعطي أحد الأشخاص في مكان عام ورقة يلاحقه ويضطر لقتله حتي يعرف ما تحتوي عليه ليعلم أنها اكتشفت تقربه الزائد عن اللازم منها وأنها ترغب في التسليم الفوري ـ النسخة ـ، مما يدفعه لمطاردتها والحصول علي النسخة التي استولت عليها من الملف، هنا فقط تتضح له حقيقة «آل باتشينو» واللعبة التي انطلت عليه بإقناعه بأن «ليلي» جاسوسة علي الـ CIA وما تلا ذلك من أحداث وتوجيهات وأن الضابط الذي قام بتدريبه هو وحده الخائن ويريد نسخة من الفيروس ليمنحها لإحدي الجهات مقابل ثلاثة ملايين من الدولارات ـ وهو ما يوضح لنا سر الحسرة التي انتابته عندما كان يتحدث عن راتبه في بداية الفيلم ـ ويتعرض الضابط في النهاية للقتل علي أيدي زملائه .
يعد الفيلم محاولة من صناعه لرد الاعتبار وجزء من الهيبة المفقودة للـ CIA ورجالها، بالتركيز علي أساليب الاختيار والاختبارات القاسية التي يتعرضون لها والتدريبات التي يقومون بها، ولكنه أشار في نفس الوقت إلي صعوبة كبح جماح أطماع النفس البشرية.. ليقول في النهاية أنه هناك بالتأكيد «بورك» تعاون مرتكبي أحداث الحادي عشر من سبتمبر في مقابل «المال» أحد أكثر العوامل التي تضعف أمامها النفوس حتي لو كانت نفوس رجال الـ CIA!
غــلاف«انتقل إلي الامجاد السماوية الدكتور عزيز بشري فانوس».. هذه هي اللحظة التي بدأ منها الكاتب حسين عبد اللطيف رواية «فصول من سيرة النمل والتراب» في 92 صفحة من القطع الصغيرة صادرة عن دار ميريت للنشر والتي تسرد قصة أسرة مصرية بشكل جديد و غير تقليدي، لم يكن فقط في بداية الكاتب بـ نعي محور القصة د. عزيز ولكن الجديد هو ربط الكاتب مراحل زمنية متفرقة من حياة اسرة د. عزيز دون ترتيب لهذه الفترات وشعور القارئ بأن القصة شديدة الترابط رغماً عن ذلك تتناول الرواية مشوار حياة د«عزيز» بين التراب الذي غطي حياته بعد وفاة زوجته «عايدة» والنمل الذي سكن كل أركان المنزل في غياب «النصف الآخر ».
«بييجي منين بس . بييجي منين.. نريزيما تكون فيه طاقة مفتوقة في الشقة بيبخ منها التراب والنمل» هكذا عبر الدكتور عزيز من حجم المتاعب التي يعاني منها بعد سنوات من الحب والراحة قضاها مع «عايدة» وهكذا تبدل ا لحال وتحول الهدوء والحب إلي تراب ونمل .
والنهاية كانت أقسي من ذلك عندما عاد د. فؤاد الابن الأكبر إلي حجرة ابيه د. «عزيز» وفوجئ به مستلقيا علي ظهره في السرير، صغير الحجم كطفل، منكمشاً، ليشاهد أسراب النمل تدخل وتخرخ من فتحتي أنف الرجل وتغطي عينية وأذنيه وفمه ليدرك وقتها أنها النهاية.. نهاية فصول من سيرة التراب والنمل .