من تراب الطريق (1080)

من تراب الطريق (1080)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:50 ص, الأثنين, 12 أبريل 21

الشهادة واجب، لا وظيفة

(2)

إن الله سبحانه وتعالى يأمر الشاهد بالعدل فى شهادته أيًا كان المشهود عليه، قريبًا أو حبيبًا أو أبًا أو شانئًا.. الشاهد يؤدى الشهادة لله والحق.. يوصى بذلك القرآن المجيد فيقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» (المائدة 8).. ولا يحول بين الشاهد وبين الصدق فى شهادته ـ أن يكون هو هو المشهود عليه أو يكون من أهله أو ذوى قرباه أو الوالدين والأقربين.. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ» (النساء135).. «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (الأنعام 152).

إن ما ورد بالشريعة الإسلامية، وبكتاب الله وسنة رسول القرآن ـ صلى الله عليه وسلم، يقف وراء منظومة رائعة للشهادة فى قانون المرافعات وفى قانون الإجراءات الجنائية، لم تدع شاردة ولا واردة إلاّ أحصتها وأوردتها وعالجتها لتضمن أن يؤدى الشاهد شهادته إذا مادعى إليها، وتعاقبه إذا تخلف أو امتنع عن أدائها، ولتلزمه بأداء اليمين ضمانًا لصدقه وعدله، وتعاقبه إذا نكل، وتلزمه بأن يشهد بالصدق، وإلا عاقبته على الشهادة الزور ـ سواء فى دعوى جنائية أو مدنية ـ والتى يمكن أن تصل إلى عقوبة الإعدام إذا ترتب عليها ضياع روح إنسان !!

لم يكتف المشرع المصرى بالسياج الذى أقامه الدين والشرع، ولا بما نص عليه قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية، وإنما أقام سياجا بالغ الأهمية فى قانون العقوبات فى الباب السادس من الكتاب الثالث، بعنوان: «شهادة الزور واليمين الكاذبة» ـ حماية للناس من الكذب والتزييف والزور فى الشهادة، سواء فى الدعاوى الجنائية أو المدنية، فتنص المادة 294 عقوبات على أنه: «كل من شهد زورًا لمتهم فى جناية أو عليه يعاقب بالحبس»، وتغلظ هذه العقوبة إلى حد الإعدام تبعًا لما يحكم به على من شهد زورًا عليه (المادة 295 عقوبات) وتنص المادة 296 عقوبات على أنه: «كل من شهد زورا على متهم بجنحة أو مخالفة أو شهد له زورا يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين»، وتنص المادة 297 عقوبات على أنه: «كل من شهد زورًا فى دعوى مدنية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين».

لم يترك قانون العقوبات الشاهد لخياره إذا ما أراد أو قبل الميل عن الشهادة، فحذره وحصنه ونهاه عن قبول أى تداخل أو تدخل تحت أى مسمى أو تعلة فى شهادته، فكثيرًا ما تتلبس الأغراض بأثواب وتعلات ومسميات شتى، ولذلك نصت المادة 298 عقوبات على أنه: «إذا قبل من شهد زورًا فى دعوى جنائية أو مدنية عطية أو وعدا بشىء ماـ يحكم عليه هو والمعطى أو من وعده بالعقوبات المقررة للرشوة أو للشهادة الزور إن كانت هذه أشد من عقوبـــات الرشوة».

فإذا حدث الإخلال والتعدى على الحقيقة، فى شأن تكليف من سلطة قضائية بعمل خبرة أو ترجمة فى دعوى مدنية أو تجارية أو جنائية، فيعاقب بعقوبة الشهادة الزور طبقًا لما نصت عليه المادة 299 عقوبات.

فكيف إذن وعلى أى أساس نهض أو ينهض التصور بوجوب الاستئذان أو الإخطار والتنسيق فى أمر شهادة موكول الصدق فيها إلى الشاهد، ومفروض العقاب على الكذب والزور فيها على الشاهد، وما هو السند الذى نهض أو ينهض عليه هذا التصور الضرير الذى يصب فى إقامة «وصاية» على الشهادة والشاهد قد تسلس إلى نهى عنها أو تدخل غير محمود فى أدائها ؟!!!

لقد حملت المادة 300 من قانون العقوبات تحذيرًا ونذيرًا بنصها على أنه: «من أكره شاهدًا على عدم أداء الشهادة أو على الشهادة زورًا ـ يعاقب بمثل عقوبة شاهد الزور مع مراعاة الأحوال المقررة فى المواد السابقة».. هذه الأحوال التى يمكن أن تصل عقوبة القانون الوضعى فيها إلى الإعدام !!!

www. ragai2009.com

[email protected]