دخلت المفاوضات بين ممتاز السعيد، ومصلحة الضرائب من جهة، وشركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة «OCI» من جهة أخرى، مرحلة تشبه خليطاً من «العك » السياسى والقانونى والضريبى أيضاً، وذلك بشأن توجيه تهمة التهرب الضريبى للشركة، عن جملة ما حققته من أرباح من صفقة بيعها لنشاط الأسمنت التابع لها لشركة لافارج الفرنسية، بقيمة 71 مليار جنيه فى عام 2008.
الشرارة الأولى لهذا النزاع، أطلقها رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى، فى خطابه بمناسبة الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر، عندما اتهم شركة أوراسكوم – دون أن يسميها مباشرة – بالتهرب الضريبى، ليضع الجميع فى مأزق !
الطرف الأول فى هذا المأزق يتمثل فى وزير المالية ومصلحة الضرائب التابعة له اللذين أصبحا مدفوعين بموجب تصريحات أعلى سلطة سياسية فى البلاد، لضرورة اثبات تهمة التهرب على «أوراسكوم » بغض النظر عن مدى صحتها، وذلك لعدم احراج الرئيس الذى وعد الجماهير، بناء على اتهاماته، باسترداد مليارات الجنيهات من الشركة وغيرها .
شركة أوراسكوم ومساهموها من جهة أخرى، وضعهم الرئيس فى ورطة بدورهم، فالشركة من جانبها ترى أنها لم ترتكب جريمة التهرب الضريبى، وأنها لم تفعل شيئاً يستحق المحاسبة، بإقدامها على بيع نشاط الأسمنت، من خلال شركة أوراسكوم بيلدنج، المدرجة بالبورصة، ليتمتع مساهموها بميزة الإعفاء الضريبى، الناجمة عن ذلك .
أكثر من ذلك، فإن نسبة الأسهم الحرة القابلة للتداول من شركة أوراسكوم تصل إلى نحو %50 ، بالإضافة إلى دخول مساهمين كبار جدد فى أعقاب تنفيذ الصفقة، ويعنى ذلك أن نسبة لا بأس بها من المساهمين الذين استفادوا من ميزة الاعفاء الضريبى لم يعد لهم وجود فى سجلات الشركة وحل مكانهم مساهمون آخرون باتت عليهم مواجهة التزامات جديدة، لم تكن فى حسبانهم عند شرائهم أسهم الشركة .
وعلى الجانب الآخر، فإن تصريحات مرسى وضعت الشركة فى كمين سياسى – إن جاز التعبير .. فلو كانت الاتهامات قد طالتها من مصلحة الضرائب، أو من أى جهة أخرى، لكان بإمكانها الدفاع بحرية عن صحة موقفها من خلال استخدام نموذج 19 الخاص بها الممهور بختم مصلحة الضرائب، بما يعنى اعتراف المصلحة بصحة الربط الضريبى .
كما كان بامكانها، أن تمضى بسهولة فى اتجاه التقاضى، فيما لو أصرت المصلحة على اتهامها بالتهرب، فهى لم تخف معلومات أو تدلس أو تزيف فواتير، وغير ذلك من الأفعال التى تدخل تحت خانة التهرب الضريبى، إلا أن توجيه الاتهام من «مرسى » شخصياً، يضع قيوداً على حركة الشركة فى دفاعها عن مساهميها، حتى تتجنب الوقوع فى شبهة إحراج الرئيس سياسياً .
ويزيد الضغوط الواقعة على وزير المالية والشركة فى آن واحد، أن تطبيق أى نوع من الغرامات أو الإتاوات على «أوراسكوم » سيستتبعه بالضرورة تعميمه على جميع الشركات والمستثمرين الذين تمتعوا بميزة الاعفاء فى صفقات الاستحواذ المنفذة بالبورصة، خلال السنوات الخمس الماضية، التى تمثل فترة التقادم القانونى .
هذه الورطة انعكست على المفاوضات الدائرة حالياً .. التى تميزت أحياناً بقدر لا بأس به من الطرافة، فمصلحة الضرائب بدأت بمطالبة الشركة بمبلغ 14 مليار جنيه، يمثل، من وجهة نظرها، ضريبة %20 على الأرباح الرأسمالية الناجمة عن الصفقة، ثم اكتشفت أن صافى قيمة أصول «OCI» نفسها، لا يتجاوز حالياً 13.8 مليار جنيه، ويعنى ذلك أن تنفيذ هذه المطالبة، يضع الهيئة فى موقف المستحوذ على الشركة !!
ثم عادت الهيئة لتطالب بـ 4.4 مليار جنيه، اعتبرتها ضرائب مستحقة على مبادلة أسهم ناصف ساويرس، الرئيس التنفيذى للشركة، بأخرى فى شركة لافارج الفرنسية، ثم عادت لتكتشف من جديد أن ناصف كغيره من المساهمين قد حصل على حصته النقدية من الصفقة ليكتتب فى حصة من أسهم «لافارج ».
وتدور المفاوضات حالياً على طريقة المجالس العرفية التى لا علاقة لها بالقانون، فالضغوط السياسية فى نهاية الأمر، قد تجبر الشركة على أن تدفع مبلغاً يرضى عنه المساهمون حتى لا يقدم أحدهم على اللجوء إلى القضاء، اعتراضاً على أى تسوية ممكنة، وفى المقابل سيكون على الحكومة ايجاد التبرير القانونى والمسمى الضريبى المناسب للإتاوة المفروضة حتى تتوافق مع تصريحات الرئيس .
وفى كل ذلك لا تسل عن مناخ الاستثمار فى مصر، أو بالأحرى عن برنامج «النهضة »!