الذكاء الإنسانى: الاستعداد والحصاد !
(7)
المتأمل يلمس فى ذلك أصابع وتأثيرات ما يسميه البشر بصحيفة الآدمى وساحته وأخلاقه وضميره.. إذ الوعى والإدراك لم يمنحا عبثا ولغوا للآدمى لكى يعيث ويطيش ويفسد ويسفك الدماء، ثم لأن البشر لا يموتون فى الأغلب الأعم إلاّ بنوع أو أكثر من الخلل داخل أبدانهم ليس له علاقة مباشرة بسواء الصحيفة أو الساحة أو فساد الضمير والأخلاق.
كل هذا عن نصيبنا قبل الخالق عز وجل من المسئولية عن حقوقه سبحانه وحقوق غيرنا من البشر والحيوان والنبات، مما نعيه وندركه بيسر وبغير تكلف.. وهو نصيب لا يتقاضاه الخالق عز شأنه أولاً بأول مثلما تحاول الدولة والقاضى ورجال الضبط وأمثالهم من العاملين فى خدمة المجتمع حين يعتقدون أن عدوانا وقع عمدا أو إهمالا.. فإن هذا جهد بشرى ظنى خارجى قد يصيب الحكم فى أحـيان كثيرة، ويخطئه فى أحيان كثيرة أيضا.. لأنه وليد عقول آدميين وذممهم وهممهم..تختلف أو تتفق وتعجـز أو تقدر وتجزم أو تستريب وتتشكك فتختار الأسلم لها مخافة المجازفة بما قد يكون ظلما لبرىء !.. وهذه عدالة اجتماعية بشرية نسبية الجدوى محدودة الفائدة، عرضة دائما للتأثر بعيوب ونقائص الآدميين وعواطفهم وتعصبهم وجهلهم وكسلهم وعدم اكتراثهم وقلة مبالاتهم.. ويعيش دائما إلى جوار ذلك فى كل زمان فسحة قد تضيق وقد تتسع.. تتبنى منطق عدالة الأخذ باليد انتقاما وثأرا يشتفى بها البعض من البعـض.. لا تتوخى القسط والإنصاف وإنما تنشد شدة الإيلام والإيجاع تتبادلها الأسرتان أو الفريقان أو القريتان.. ينتقم بها البعض من البعض تعبيرا عن عظم القوة والمنعة ولو بالنيل من ضحاياهم من جيل آخر وزمن آخر فى بلد آخر !
ذلك أن الثأر والانتقام غريزة حيوانية بدائية من الغرائز الكثيرة المعروفة وغير الملحوظة لدينا والتى نشارك فيها عموم الأحياء.. وهى غريزة خفتت حدتها لدينا مع نمو الوعى والإرادة والخير والأخيار، ومع إيثار الفضائل وتحكيم العقل أو إيثار ما هو معقول.. والأغلب الآن أن يشعر الناس بالمسئولية الشخصية عن أفعالهم وبضرورة ما يسمى بالالتزام بمراعاة الأصول المرعية وبنظافة اليد والضمير والذمة واستقامتها. وهذا رقى أى كسب وتطور اكتسبه الآدمى خلال دهور مديدة ومازال يستزيد من اكتسابه بخطًى أكثر اتساعا ونظرات أبعد عمقا وتفهما.. خاصة بعد أن أيقن الآدمى فيما بينه وبين نفسه وبين الآخرين، أنه ليس حيوانا بل إنسان وقد وجد بطريقة أو أخرى سبيله إلى الاتصال بخالقه عزّ وجلّ اتصالا إراديا قصديا استعدت أعماقه للترحيب به وسلمت بضرورة مواكبة هذا الاتصال بكيفية ما، وبالإقرار بالمسئولية والمحاسبة عنه وعليه التى لا يعلم ساعتها وأوانها غيره سبحانه وتعالى.
والملاحظ أنه لا يجرى ـ بالسوية والانتظام ـ توزيع نسب المشابهة والمفارقة فى تكوينات الآدميين أفرادا وجماعات.. ولعل ذلك أن يكون أمرا كونيا من بداية وجودهم لمقابلة وملاقاة احتمالات وجودهم هنا.. هذه الاحتمالات التى لا حصر لخيراتها وسوءاتها، فينفسح المجال أمام كل من القرابة والغربة والتساير والتباين، فتتسع مع هذا الانفساح فرص لا حصر لها للامتزاج والاختلاط أو للابتعاد والانفراد المؤقت.. وهو ما هيأ ويهيئ للجنس البشرى مجالات متاحة للنمو والتطور كلما لاحت له فرصها، وبما يمكنه من الانكماش والعزلة والاستكانة من أجل مجرد البقاء ـ مما نسميه التدهور ـ لمواجهة أحداث مؤلمة صادفها من قبل وقد يصادفها من بعد بعض البشر أو أغلبهم فى هذه الدنيا.. وفى النمو والتطور كما فى الانكماش والعزلة والاستكانة، تتراءى لعقل المتأمل أصابع الوعى الآدمى وإرادته واختياراته وأهواؤه ! مثلما يتراءى له مقدار حصاد عقله.. أو ذكائه؟!!
www. ragai2009.com