يتوقف العالم فى مجمله، وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط «قلب الأرض» بصفة خاصة، للمقارنة مع بداية العام 2021 بشأن المتغيرات الأميركية غير القشرية، الداخلية والخارجية، بين عهدى الرئيس الجمهورى المنتهية ولايته «ترامب» والرئيس الديمقراطى الجديد «بايدن»، ورغم أهمية ناتج الفوارق- مناصفة- بينهما تقريبًا، سواء على الصعد الشخصية والسياسية والاجتماعية والأيديولوجية والدينية والعنصرية، والتى لم تُحسم بعدُ بصفة نهائية بانتظار جولات أخرى مقبلة، فإنها لا تمثل غير ظواهر لمتغيرات ظرفية مؤقتة بالنسبة لعمق وجذور التحولات التاريخية الأميركية، منذ أن توازت إرهاصاتها الأولى قبل بناء الدولة.. مع النتائج الدراماتيكية التى ألقتها الاكتشافات البحرية على سياسات القرن 16، خاصة بالنسبة لدول الستار الإسلامى بين المحيطين الأطلسى والهندى، وليقدَّر لمشروع هذه الدولة الأميركية الناشئة فى أقل من ثلاثمائة عام، أن تصبح القوة الأولى فى العالم، إذ تتنازع سياساتها منذئذ تيارات متباينة، ما بين المثالية والواقعية، وبين العزلة وراء المحيط الباسفيكي، إلى خوض غمار الحروب العالمية، ومن التلويح بـ«دبلوماسية العلَم» للتعبير عن احتجاجاتها فى القرن 19، إلى الإقدام فى القرنين التاليين على المغامرة المباشرة بقواتها فى لبنان 1983.. والصومال 1993.. إلى غزو أفغانستان 2001، وأراضى العراق 2003، قبل أن تتجه فى العقد الأخير إلى ما سمّته «القيادة من الخلف»، ربما فى إطار عزوفها عن التورط المباشر فى المشكلات الكبرى التى تولدت بداياتها بالمنطقة إثر تقويض الدولة العثمانية قبل نحو قرن مضى، مرورًا بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وما ارتبط بها من قضايا إقليمية، سواء ما يتصل على سبيل المثال لا الحصر، بالحالة الإيرانية واحتكاراتها البترولية منذ 1953 حتى الآن، أو لتسوية مسألة «اليهودى التائه» من خلال الحفاظ على أمن إسرائيل على حساب العرب.. إلخ، الأمر الذى أدى إلى امتزاج التاريخ بالسياسة امتزاجًا تامًّا، وصيحات الحرب إلى جانب الدعوات للسلام المأمول، ما انعكس على حالة من الانفصام القائم فى السياسة الأميركية تجاه المنطقة (والعالم) إذ اتحدّت بطريقة تكاد تكون فطرية لاتباع خطوات الإمبريالية البريطانية التى حلّت صنوتها الأميركية محلها داخل البيئة السياسية المعقدة للشرق الأوسط طوال النصف الثانى من القرن العشرين إلى اليوم، فيما يَقبل الساسة المحليون من أنصار المدرسة الدبلوماسية الغربية بالفتات، على أمل المطالبة بعدئذ- بلا جدوى- بالحقوق المغتصبة، ذلك فى الوقت الذى تمثل فيه إيران على الضفة الفارسية للخليج- الفزاعة- لدول عربية من الخليج إلى المحيط، بينما تواصل أميركا تحقيق الأمن لإسرائيل، بدءًا من مصر 1979 قبل أن يمتد الاعتراف بها على طول الستار العربى من المغرب حتى البحرين، وبانحياز مطلق أميركى، خصمًا من رصيد العالم العربى فى مركز الدائرة من الشرق الأوسط، ولحساب الجارات غير العربيات على أطراف المنطقة، بحيث باتت صورة السياسة الأميركية بالنسبة للعرب وكأنها تنهض من غلطة لتقع فى أخرى، ومن فرصة ضائعة لمثيلتها، ومن حساب خاطئ إلى غيره، سواء فى سياستها المتغيرة تجاه إيران فى العقود الأربعة الأخيرة، أو عن الحالة اللبنانية منذ السبعينيات والثمانينيات، ناهيك عن أخطاء الدبلوماسية الأميركية لمنع صدمات النفط منذ السبعينيات، وليس آخرًا من قبول فكرة دولة فلسطينية «غير موصولة» تحيط بها القوات الإسرائيلية من كل جانب، بمعنى أن أميركا تأخذ من الجانب العربى أكثر مما تعطيه بشكل عادل، وبحيث من المتوقع، على غير ما يشاع، ألا تطرأ متغيرات جوهرية للسياسة الأميركية فى الشرق الأوسط فى عهد «بايدن» عما كانت عليها فى زمن أسلافه، إذ يجاهر دونهم، ولأول مرة، بصهيونيته، كما سيواصل توظيف إيران كفزاعة، على غرار مطالبة رئيسه السابق «أوباما» العرب بـ»اقتسام النفوذ» مع إيران، وإذ من شأنه على جانب ثالث لتعزيز حقوق الإنسان وحماية الديمقراطية.. توجيه انتقادات قوية وعلنية إلى بلدان الشرق الأوسط، لكن مع عدم التورط فى الصراعات المشتعلة فى المنطقة، تاركين لأطرافها المسئولية عن تسويتها فيما بينهم، وحيث تكتفى الولايات المتحدة من مقعدها القيادى الخلفى بتوجيه تقلبات وجوهها المتغيرة فى منطقة الشرق الأوسط.
شريف عطية
7:13 ص, الأحد, 31 يناير 21
End of current post