حسنًا، أن تتوجه مصر فى ضوء انسداد الأفق السياسى العربي، نتيجة لأوضاع عامة سابقة تسود المنطقة، إلى السعى نحو دعم الجبهة الشرقية العربية التى تشهد تآكلًا مطّردًا فى السنوات الأخيرة، إذ يأتى فى هذا السياق انعقاد القمة المصرية- الأردنية 18 يناير الحالي، فى اليوم التالى لاستقبال الرئيس الفلسطينى مديرى المخابرات فى البلدين، للتنسيق بين قيادات دول الطوق الثلاث الموقِّعة مع إسرائيل اتفاقات سلام، بهدف توحيد الجهود العربية (والدولية) لإعادة تنشيط آليات مفاوضات السلام على أساس «حل الدولتين»، وهى الغاية التى يشترطها عاهل المغرب من جانبه لزيارة إسرائيل، وما يتوازى أيضًا مع مساعٍ عربية محدودة لمساعدة العراق فى التخلص من سطوة الوصاية الإيرانية على مقدراته الداخلية، التى كانت من وراء تأجيل الرئيس المصرى زيارته بغداد مؤخرًا لاعتبارات أمنية، كما تجيء المساعى العربية لتنشيط الجبهة الشرقية لمواجهة احتمالات التطور الجارية فى كلّ من الملفين السوري، واللبناني، خاصة فى ضوء المستجدّات الطارئة من خارج دائرة دول الإطار المباشر مع إسرائيل، سواء من حيث معالم التغيير الخليجية نحو التطبيع مع إسرائيل، أو تلك التى تدفع الأخيرة إلى تخصيص مبعوث لها لتعزيز العلاقات مع دول الخليج، أو سواء لما حملتها القمة الخليجية الأخيرة فى السعودية من كسر حِدة الخلافات بين الرباعية العربية وقطر، نحو مآلاتٍ غير واضحة المعالم، أو سواء من حيث عودة الإدارة الأميركية الجديدة، على غير سابقتها، إلى الاهتمام بسياسة منطقة شرق البحر المتوسط، وما حولها، وليس آخرًا من حيث محادثات فلسطينية -روسية فى موسكو.. تدفع بمقترح لقاء دولى فى القاهرة لبحث آليات تنشيط المفاوضات الفلسطينية -الإسرائيلية.
إلى ذلك، تبدو الدبلوماسية المصرية وكأنها ما بين اتجاه للإقبال على الموافقة- بحسب وزير خارجية سابق- نحو مفاوضات ثنائية، غير متعددة، لإنهاء الصراع الفلسطينى- الإسرائيلي، وكأن ليس للمستقبل العربى شأن بالأمر، وبين اتجاه التحوط بالرفض الحذِر- بحسب دبلوماسى مصرى فى الأمم المتحدة- من نوايا إسرائيل التوسعية بعيدة المدي، فيما هناك اتجاه ثالث يسعى إلى تحرك فاعل لاستئناف مفاوضات جادة وفاعلة من خلال الرباعية الدولية (مجموعة ميونخ) التى تضم بجانب مصر والأردن كلًّا من فرنسا وألمانيا، لتأكيد «حل الدولتين»، كما فى العمل على تفعيل المصالحة الوطنية الفلسطينية من خلال المساعدة فى إنجاح الانتخابات الفلسطينية التى يجرى بشأنها حوار لإنجاحها فى القاهرة.
فى ضوء ما سبق، فإن الدور السياسى النشط للجبهة الجنوبية المصرية إنما لتأكيد فاعلية كلٍّ من الجبهتين العربيتين الشرقية والشمالية، خاصة مع الآمال المنعقدة على ما يسمى تحالف «المشرق الجديد» بين كلٍّ من مصر والعراق والأردن على المستوى الإستراتيجي، اقتصاديًّا وسياسيًّا، فضلًا عن توجيه القوات العراقية مجددًا لضبط الحدود مع سوريا، ما سوف يعيد مع غيره من إيجابيات متوقعة، التكافؤ الإستراتيجى المتوازن على الجبهة العربية مع إسرائيل