
امتنع
البنك المركزى مؤخراً عن تنظيم مزادات «الريبو » – اعادة شراء الأوراق
المالية من البنوك – على مدار الأسبوعين الماضيين، الأمر الذى يزيد من
احتمالات أن يلجأ القائمون على السياسة النقدية بتجميد العمل بآلية الريبو
فى الوقت الحالى، مع البدء فى تفعيل آلية الودائع المربوطة مجدداً لامتصاص
فائض السيولة داخل البنوك وفقاً لتوقعات عدد من المصرفيين .
وعلى
الرغم من تمسك المصرفيين بأن قرار تجميد الريبو يعود فى الاساس الى البنك
المركزى وفقاً لمؤشرات السيولة المتاحة لديه، لكن فريقا منهم أشار الى
احتمالات تجميد الريبو فى ظل التراجع المستثمر فى عائد أدوات الدين وزيادة
عروض البنوك المقدمة للاكتتاب فى المزادات المطروحة مؤخراً لدرجة وصلت الى
تغطيتها بثلاثة اضعاف قيمتها وهذا يدل على تضخم فائض السيولة لدى البنوك
بما يضعف من فاعلية «الريبو » ويستدعى العمل بربط الودائع لامتصاص فائض
السيولة .
ويتوقع فريق آخر من المصرفيين زيادة حجم الأموال التى
سيضخها البنك المركزى فى عمليات الريبو خلال الفترة المقبلة وهو ما ينبع من
تنبؤاتهم بزيادة معدلات العجز فى الموازنة العامة للدولة بما يؤدى إلى
ارتفاع عدد الإصدارات من أدوات الدين الحكومية .
وكان آخر مزاد طرحه
البنك المركزى لـ «الريبو » فى نهاية يوليو الماضى وعرض خلاله ضخ 3
مليارات جنيه سيولة نقدية أمام البنوك، وهى تعتبر معدلات منخفضة مقارنة
بالعطاءات السابقة، ليكتفى بنكان فقط بطلب اقتراض 1.374 مليار جنيه من
البنك المركزى لأجل اسبوع وبعائد %10.25 واستحق أجلها فى 6 أغسطس الماضى .
ولجأ
البنك المركزى الى العمل بآلية «الريبو » – اتفاقيات إعادة شراء الأوراق
المالية بين البنوك والمركزى – عقب ثورة 25 يناير وذلك لضخ سيولة نقدية فى
الأجل القصير للبنوك بهدف التغلب على أزمات نقص السيولة التى ظهرت نتيجة
تحمل البنوك وحدها أعباء الاكتتاب فى أدوات الدين المحلى، فى ظل عزوف
الأجانب عن الاستثمار فى أوراق الدين الحكومية بعد الثورة وتراجع التصنيف
الائتمانى لها .
وبعد مرور عامين على تفعيل الريبو اعلن المركزى فى
أبريل الماضى تعطيل العمل بها والبدء فى إجراءات ربط الودائع للبنوك لديه
لامتصاص فائض السيولة، وذلك لأجل 7 أيام، قبل أن يتجه مجدداً فى بداية
تعاملات يونيو الماضى الى إعادة تفعيل آلية الريبو مرة أخرى لضخ سيولة
إضافية للبنوك تحسباً لاندلاع أزمة نقص السيولة مجدداً والتحوط ضد المخاطر
المحتملة لتظاهرات 30 يونيو الماضى .
ويعرف «الريبو » على أنه عقد
يقوم من خلاله البنك المركزى بشراء الأصول المالية وأذون الخزانة من
البنوك، على أن تقوم الاخيرة بإعادة شرائها مرة أخرى فى تاريخ استحقاقها،
وذلك ضمن الاطار التشغيلى للسياسة النقدية، ويهدف الى توفير السيولة
النقدية للبنوك فى الأجل القصير، للتغلب على أزمات نقص السيولة المتاحة
والتحكم فى اسعار الفائدة .
فيما تستهدف آلية الودائع المربوطة
مواجهة زيادة المعروض من الجنيه فى السوق المحلية من جهة ومحاربة التضخم من
جهة أخرى، لتعمل على امتصاص فائض السيولة الزائدة لدى البنوك العاملة فى
السوق المحلية
من جانبه قال هيثم عبدالفتاح، مدير الخزانة ببنك
التنمية الصناعية والعمال، إن آلية الريبو كمثل أى أداة يستخدمها البنك
المركزى للتدخل فى السوق المصرفية للتحكم فى ضخ السيولة وامتصاصها، مضيفاً
أن تجميد الريبو خلال الفترة المقبلة يعتمد على رؤية السلطة النقدية
وسياستها، ففى حالة وجود مشكلات فى السيولة يقوم البنك المركزى بضخ الأموال
عن طريق الريبو .
وأضاف أنه فى حالة توافر السيولة بدرجة كافية
فسوف تدفع إلى تقليل عمليات الريبو، مشيراً إلى أن البنك المركزى لم يطرح
أى مبالغ ضمن عمليات الريبو خلال الأسبوعين الماضيين .
وأوضح أن
هناك صعوبة فى التوقع للوضع خلال الفترة المقبلة، فيتم تقييم الصورة بشكل
يومى ولكن هناك حالة من التفاؤل فى السوق المصرفية بعد انخفاض أسعار
الفائدة وهو ما يشجع على زيادة الإقراض وارتفاع حجم المشروعات والاستثمارات
.
وتوقع تامر يوسف، رئيس قطاع الخزانة بأحد البنوك الأجنبية،
ارتفاع حجم المبالغ التى سيطرحها البنك المركزى خلال الفترة المقبلة فى
عمليات الريبو، والتى تعتبر إحدى أدواته للسيطرة على السيولة فى السوق،
مرجعاً السبب إلى زيادة احتمالية نمو العجز فى الموازنة العامة للدولة بما
يتضمن المزيد من إصدارات أدوات الدين الحكومية .
وأوضح أن إلغاء
عمليات الريبو أمر متوقف على التغير فى المؤشرات الاقتصادية ومدى كفاية
السيولة لاحتياجات السوق، موضحاً انه فى حال وجود فائض ناتج بعد تغطية جميع
المتطلبات السوقية، فإنه يمكن الاستغناء عن عمليات الريبو، بينما تشهد
ارتفاعاً فى حال عدم توافر السيولة بدرجة كافية .
وأشار إلى أن
اتباع وزارة المالية سياسات اقتصادية توسعية خلال الفترة المقبلة سيرفع من
حجم المبالغ فى عمليات الريبو لضخ مزيد من السيولة فى السوق تعمل على تغطية
احتياجات وزارة المالية، موضحا أن البنك المركزى خفض أسعار الفائدة على
سعرى الإيداع والإقراض لليلة واحدة بمقدار 50 نقطة أساس لتحقيق ذلك الأمر،
كما يمكن الاستعانة أيضا بتخفيض نسبة الاحتياطى القانونى .
وأضاف
أنه فى حال توافر الكثير من السيولة بدرجة أكبر من الاحتياجات المطلوبة،
فإنه من المحتمل إلغاء عمليات الريبو والاستعانة بآلية الودائع المربوطة
لامتصاص تلك السيولة، منبهاً إلى أن استخدام أى أداة لا يتوقف على مدى زمنى
معين، بل يعتمد على معطيات السوق والتى غالبا ما تتوافر جميع المعلومات
بشأنها بدرجة كاملة أمام لجنة السياسة النقدية، مما يجعلها أكثر قدرة من
غيرها على اتخاذ القرار المناسب .
يرى أحمد رفعت السمنودى، رئيس
قطاع الخزانة ببنك التنمية والائتمان الزراعى، أن ارتفاع أحجام السيولة فى
البنوك لا يعتبر مبررا لإيقاف عمليات الريبو من قبل البنك المركزى مرجعاً
السبب إلى أن المصارف تلجأ إلى اتفاقيات إعادة الشراء Repurchase
Agreements من أجل سد النقص فى السيولة لمدة قصيرة الأجل تصل إلى أسبوع
وبالتالى يعتبر الأمر مؤقتا .
وأوضح السمنودى أنه لا يمكن الاعتماد
على عمليات الريبو لتغطية الاحتياجات التشغيلية طويلة الأجل، مضيفاً أنها
تختلف عن عمليات «الانتربنك » والتى تسد المتطلبات طويلة المدة، مما يجعلها
أكثر عرضة للإيقاف فى حال ارتفاع أحجام السيولة .
وأشار إلى صعوبة
التنبؤ بمقدار الأموال فى عمليات الريبو خلال الفترة المقبلة، لافتاً إلى
أن الامر يختلف من بنك لآخر كنتيجة لوجود بعض البنوك التى تعتمد على
اتفاقيات إعادة الشراء من أجل سد احتياجاتها، بينما توجد مصارف أخرى لا
تستخدمها لاتباعها سياسات تعمل على توفير السيولة .
وأضاف السمنودى
أن تدهور الحالة الأمنية دفع أحجام السيولة إلى الارتفاع، كنتيجة لانكماش
معدلات التوظيف ومنح الائتمان والاقتصار على الاستثمار فى أذون الخزانة
والسندات مما دفع أسعار العائد عليها الى الانخفاض خلال الفترة الماضية .
بينما
توقع مدير ادارة المعاملات الدولية فى أحد البنوك العامة استمرار تعطيل
البنك المركزى للعمل بآلية الريبو خلال الاسابيع المقبلة، مع اتجاه المركزى
لإعادة تفعيل آلية الودائع المربوطة مجدداً، مستنداً فى توقعاته الى تضخم
فائض السيولة بدرجة كبيرة داخل اغلب البنوك العاملة فى السوق المحلية، مما
يحد من فاعلية «الريبو » كأداة موجهة لضخ السيولة، كما يقتضى ضرورة اعادة
تفعيل آلية الودائع المربوطة لامتصاص فائض السيولة .
وأرجع مدير
ادارة المعاملات الدولية تنامى فائض السيولة بدرجة كبيرة داخل البنوك
مؤخراً، الى التراجع الحاد فى اسعار الفائدة على أدوات الدين المحلى من
أذون الخزانة والسندات الحكومية خلال المزادات التى طرحتها وزارة المالية
الشهر الماضى وتراجع عائدها بنسب بلغت %2 ، مشيراً الى ان الإقبال المتنامى
من البنوك على الاكتتاب فى أذون الخزانة وتغطية المزادات بأضعاف الكمية
المطلوبة يشيران الى فائض السيولة الضخم لدى البنوك ويدفعان العائد الى
مزيد من التراجع مجدداً خلال الاسابيع المقبلة مع زيادة المعروض المتاح من
فائض السيولة والموجه لأدوات الدين .
وأوضح أن قرارات تفعيل أو
تعطيل العمل بإحدى أدوات السياسة النقدية ترجع فى الاساس الى القائمين على
صنع القرار بالبنك المركزى وفقاً لبيانات السيولة المتاحة لديهم عن اجمالى
القطاع المصرفى، لافتاً الى أن البنوك تعتمد على عمليات الريبو مع بعضها
البعض حيث يسمح للبنوك التى تمتلك فائض سيولة باعادة اقراضه للبنوك التى
تعانى نقصاً فى السيولة بضمان ما فى حوزتها من الأوراق المالية وذلك بغض
النظر عما اذا كان المركزى يعمل بتلك الآلية فى وقت تنفيذ المعاملة .
وأوضح
مدير ادارة المعاملات الدولية أن «الريبو » يعتبر أداة من أدوات صانع
السياسة النقدية، يعتمد عليها فى اعادة ضخ السيولة داخل البنوك المحلية،
خاصة فى حال ظهور بوادر لأزمات نقص السيولة، فتعتمد البنوك على الاقتراض من
البنك المركزى بضمان ما فى حوزتها من الأوراق المالية وذلك فى الأجل
القصير، ومن ثم لا يتطلب الأمر تنفيذ عطاء للعمليات الرئيسية بشكل دورى كل
اسبوع، فمن الممكن ان يتوقف البنك المركزى عن تنظيمه بشكل دورى وفقاً لوضع
السيولة القائم .