على مدى ألفى عام من الشتات، وبنو إسرائيل بانتظار العودة إلى «أرض الميعاد»، لا يشغلهم خلالها أكثر من اكتناز الثروة واحتكاراتها المالية، وسيلتهم للقوة.. ومصدر لعنتهم على مرّ التاريخ، سبقتها أربعون عامًا من التِّيه على أبواب أرض الكنعانيين قبل الدخول إليها.. وبناء الهيكل الذى دمره الرومان فى العام 70 ميلادية، إلى أن لحقتهم من بعد التيه والشتات حقبة ثالثة من الانتظار منذ عودة الهجرات الأولى لليهود (الييشوف) إلى فلسطين1881حتى «وعد بلفور» بوطن قومى لهم فى أراضيها 1917، إلى الاعتراف الأممى بإعلان دولتهم 1948، التى انتظرت نحو سبعين عامًا إلى الآن دون حسم ماهية حدود الدولة، إذ ما زالت تراهن على عامل الوقت لتعظيم مكاسبها اللانهائية فى إطار الغايات العليا للمشروع الصهيونى، من النيل إلى الفرات وهى تباشر بلا كلل لعبة الانتظار على صعد متعددة، دولية وإقليمية ومحلية، سواء مع الإدارات الأميركية المتعاقبة المنحازة بالمطلق، لأسبابها، لأهداف الدولة العبرية تحقيق السلام النهائى مع العرب من مركز القوة، إلا أن تعود الولايات المتحدة عن موقفها حفاظًا على ما تبقّى لها من نفوذ فى المنطقة.. ولتقوم عندئذ ربما بدور الوسيط النزيه بين الجانبين، أو سواء بالانتظار الإسرائيلى لما سوف تئول إليه موقف روسيا العائدة بقوة إلى المنطقة 2015 بعد سابق طرد نفوذها منتصف السبعينيات، لتصبح اليوم حقيقة عسكرية سياسية ثابتة فى شرق البحر المتوسط، ذات علاقات متنوعة مع مختلف الدول الرئيسية فى المنطقة، خاصة فى داخل إسرائيل التى تضم أعدادًا ضخمة من السكان ذات جذور روسية، معظهم من غير اليهود الذين تدفقوا إليها خلال موجات هجرة اليهود السوفيت مطلع التسعينيات، أو سواء بانتظار إسرائيل مستقبل علاقاتها مع الصين الصاعدة، خاصة فى ضوء التعاون «التقني» المتنامى بينهما، الأمر الذى تترقب واشنطن توابعه بقلق شديد، أما على الصعيد الإقليمى فإن إسرائيل فى حالة انتظار عما إذا كان العالم العربى سيواصل تنازلاته للاعتراف بها بشروطها أم سيتمسك بسقف منخفض للتطبيع معها من الجذور، إلى أن تتكشف ماهية الحل النهائى للمسألة الفلسطينية (الأرض مقابل السلام)، كذلك الأمر بانتظار إسرائيل لما سوف يسفر عنه التنافس الحاد بين ومع الجارات الإقليميات غير العربيات وهى المرتبطة مع إسرائيل بعلاقات تاريخية من غير المستبعد استعادة التجاوب فيما بينهم لتحسين العلاقات، بهدف توظيفها عاجلًا أو لاحقًا للخصم الجمعى الإقليمى بشكل أو آخر من الرصيد العربى. إلى ذلك، وبالتوازى مع حالات الانتظار الإسرائيلية على الصعد الدولية والعربية والإقليمية، فإن ما يثير الاهتمام ما يجرى على الصعيد المحلى داخل إسرائيل، باعتباره الأشد غموضًا عن غير مستقبل حالات الانتظار الأخرى، إذ يفاقمها ما عُرف عن طبيعة الخلافات المتجذرة تاريخيًّا بين اليهود، الأمر الذى وصفه يومًا «إسحق شامير» بأنه أشبه بـ«الجنون المطبق»، ليس أدل عليه فى العامين الأخيرين من إجراء أربعة انتخابات تشريعية من دون الاتفاق حول حكومة ائتلافية مستقرة، ما يخلق فراغًا سياسيًّا فى مرحلة حرجة لأوضاع إسرائيل الداخلية وتحركاتها الخارجية بسيان، يفاقمهما الفشل الناشئ عن فقدان الثقة إزاء مصير حالات الانتظار الإسرائيلية على صعد مختلفة تتصارع فيما بينها، حتى وكأنها – إسرائيل- تبدو أقرب إلى الشبق «الشايلوكي» (نسبةً إلى المرابى «شايلوك» فى رائعة شكسبير «تاجر البندقية»)، الأمر الذى يعرفه الجميع عن واقع التحليل النفسى التاريخى للسيكوباتية الصهيونية، لا تمنع القوى الدولية أو الإقليمية من القبول بالتعامل البراجماتى المتبادل معها مقابل تبعيتها كقرة قوز (أراجوز) للدول الإمبريالية، إلا أن تنعكس حِيلها الاصطناعية مع الأغيار بالسلب على الخلافات البينية داخل إسرائيل؛ حيث التربة مهيأة لمزيد من التوترات الاجتماعية والطائفية .. إلخ، إذ تحتدم خلافات وزارية حول السماح للفلسطينيين من عدمه بمشاريع بناء فى الضفة الغربية المحتلة (المنطقة ج)، ما يعبر عن عمق الخلافات تحت سطح الحياة السياسية بين أنصار «ضم الأراضى (المُدارة)» وبين المُنادين بـ«حل وسط إقليمي» كما يبقى المصير النهائى لمدينة القدس فى الانتظار إلى نهاية الشوط، ما بين أن تشمل «كيانًا» لعاصمة فلسطينية فى أحيائها العربية أو أن (يُصلب المسيح من جديد) حال استمسكت إسرائيل بضم أبواب القدس السبعة كعاصمة موحدة لدولتها، الأمر الذى ينطبق فى غموضه من جانب آخر على المصير المنتظر لمرتفعات الجولان السورية المحتلة التى ضمّتها إليها إسرائيل يونيو 1967 إلا أن وضعيتها العسكرية والفنية تغيرت من بعد تواجد القوات الروسية ومن إيران على الحدود الشمالية لإسرائيل .. التى تبدأ بدورها إعلاء مرحلة غامضة المصير لضرب التموضع الإيرانى فى سوريا، ذلك فى الوقت الذى يمارس اليمين السياسى الإسرائيلى إجراءات عنصرية من أجل كسب تأييد المتطرفين، بينما تسعى رموز قيادية يمينية أخرى للتودد إلى العرب بهدف الحصول على أصواتهم الانتخابية، وليس آخرًا، فإن الساحة الحزبية فى إسرائيل تشهد انقسامات لأحزابها الكبيرة القديمة، كاديما – الجنرالات – أمل جديد- يمينا.. إلخ، ليس فى إطار التنافس الحاد فحسب بين معسكر اليمين وكل من معسكرى الوسط واليسار، إنما أيضًا بين قادة اليمين نفسه.. ممن يتهمون بعضهم البعض بتأجيج حرب أهلية (ليست مستبعَدة) فى إسرائيل وما إلى غير ذلك من فيض عن غيض لإسرائيل فى انتظار «جودو» المجهول توقيت مجيئه
End of current post