الآدمى بين النضج والضمور !
(5)
وحباية الآدمى بالعقل، حباية ظاهرة.. يرافقه منذ خلق، ويتدرج معه، ويتسع فى أبعاده وملكاته ومرونته لما لا يمكن أن تتسع له خلقة أى حيوان أو نبات.. مع أن هذا العقل لم يعط طعامًا خاصًا، ولا مأوى أو كساء مما يعطى لسائر الأحياء الأخرى التى يعرفها البشر.. وقد تبين للآدمى ـ منذ زمن بعيد ـ قدرة واتساع عقله الذى قاده قبل غريزته إلى ما حققه فى محيطه من حضارات تقلبت عليها أحوال وأطوار تبعًا لتقلبات الصلات الوثيقة بين الأفراد وبين كل من الجماعات والحضارات!
ذلك أن العقل لم يمنح بداية ونهاية إلاّ للأفراد.. وتسرى آثاره مع انتشاره إلى مجاميعهم بدرجاتها لتسهل عودتها إلى الأفراد.. وهكذا بغير انقطاع.. دون مراقبة دقيقة للانتقال من الأفراد إلى المجاميع ومن المجاميع إلى الأفراد.. وهذه الحركة الدائبة الانتقال والعودة من الأفراد كأفراد ومنهم كمجاميع إلى أفراد ـ هى المجال الواسع الضيق الذى تجرى فيه حياة البشر بفضل العقل البشرى ونموه المطرد.. هذا النمو الجارى برغم العقبات التى تقف فى طريقه بسبب «ذات» كل آدمى وحرص هذه «الذات» ـ الفردية ـ على حماية نفسها ووجودها وفاعليتها طوال عمر كل آدمى فى جميع مراحله وجميع مراحلها هى الأخرى.. لأنها دائمًا من بداية المطاف إلى نهايته ـ فى وعيه.. هى أس ومعنى وأول وآخر حياته الواعية فى هذا الكون!
وما يسميه الآدمى الحى مدفوعًا بتلك الذات المتحكمة ـ جماعته وحضارته وفضيلته وتمدنه وشرفه ومعارفه وعلومه وآدابه وقدراته وإخلاصه وصدقه وأمانته ووفائه ـ هو هو الجانب الطيب الذى تتمناه ذات الآدمى لنفسها دائمًا.. نجحت فيه أو لم تنجح.. والذى تطمع أن تتوج بنجاحها ما يمحو ذنوبها وعيوبها التى ساقتها إلى اقتراف حماقاتها وشهواتها وأنانيتها المسرفة.. وهو ما لم يتحقق للأسف حتى الآن لدى أكثرنا برغم أمانينا التى قد تداعبنا من وقت لآخر !. فنحن جنس يحمل دائمًا فى ماضيه وحاضره أوزاره وخطاياه الجمة مع آماله وأمانيه الطيبة.. ولم يمكنه بعد أن يتخلص من امتزاج طيبه بسيئه. فاعتاد أن يبقى مجازفًا ـ عرضةً وهدفًا للأخطار والكوارث والويلات الخاصة والعامة.. ولذا قد اعتاد معظم البشر على الاستسلام اليائس لما اعتدنا أن نسميه بالأقدار!.. لا نريد أن نجتهد فى فهم معناه وفحواه مكتفين بقضائه وقدره وإضاعة أعمارنا التى نبذلها بكل خفة وإغراق فى الحسد والحقد والأنانية والطمع والغرور والكسل واللـذة والشهـوة والانتقـام والتخريـب والفتـك.. يتمسك كل منا بذاته التى لا نتخلص منها إلاّ بالموت.. لأن كل آدمى لم يتحقق حتى الآن ولم يحاول أن يتحقق ـ من معنى ذاته وقيمتها ومنافعها ومضارها على حياته وإدراكه لحياته من جهة السعة والضيق القابلين دائمًا للاتساع والضيق والفهم وعدم الفهم والعمق والسطحية!!
والذات الإنسانية قد تتشابه فى بعض السلوك والاتجاهات والعادات والتصرفات أو فى معظمها ـ على حين أن كُلاّ منا فى أى زمان ومكان شديد الشعور بذاته وانفصالها الداخلى عن جميع الخلق والمخلوقات فى كل ما يفضله وكل ما يرفضه وكل ما يجهله.. وهذا الانفصال الداخلى لعمقه وعدم فهمنا له ولحقيقته ووظيفته وأدواره ـ نحاول خلطه دائمًا بالتشابه الخارجى الملحوظ بين البشر.
www. ragai2009.com