من بعد ألفى عام عبر ضنك سيكوباتية الشتات، يستعيد اليهود الرغبة- المسيّسة صهيونيًّا- لاسترجاع أرض الميعاد، حيث بدأت إليها موجات الهجرة (الييشوف الأول) مطلع ثمانينيات القرن 19، إذ يغالون فى أثمان شراء أراضيها، فلم يمض غير وقت طويل إلا وتبزغ مملكة بنى إسرائيل على أنقاض الكيان الذى دمره الرومان فى العام السبعين ميلادية، إلى أن صار لها بمرور السنين صولات وجولات، بالمال والرجال والسلاح، على طول وعرض المنطقة.. التى انشغلت بانقلاباتها العسكرية والسياسية منذ العام التالى للحرب فى فلسطين.. عن الاهتمام بالقضية المركزية- الأفدح أثرًا وتأثيرًا- إلا من الاستهلاك المحلى سبيلًا للبقاء فى الحكم.
ذلك قبل أن ينتفض أطفال الحجارة من الفلسطينيين ديسمبر 1987 فى مواجهة المصفحات الإسرائيلية، لينتزعوا مكانًا تفاوضيًّا مستحقًّا طال إنكاره، من خلال إطار «ثنائية المسار» التى نصّت عليها توصيات مؤتمر مدريد الدولى للسلام نهاية 1991، أفضت من بعد استباق مصر للسلام مع إسرائيل فى العام 1979، إلى مسار «أوسلو» 1993 مع الفلسطينيين، كنقلة نوعية تنسخ ادعاءات إسرائيل الكاذبة عن أرض بلا شعب (الفلسطينيين).. لشعب بلا أرض (اليهود)، وصولًا إلى امتلاك الفلسطينيين نموذجًا جنينيًّا لدولتهم القادمة.
مقابل اعترافهم بدولة إسرائيل، إلا من عودة اليمين التوراتى المتشدد بقوة إلى صدارة المشهد السياسى 1996، فى أعقاب اغتيال الجنرال «رابين» وانحسار قوى اليسار العلماني.. ما أدى إلى تجميد مسار أوسلو «المجهض» لربع قرن تال من الزمان وصولًا إلى نقطة الصفر تقريبًا، ناهيك عن مجانية عطايا مهزلة ما سميت بـ«صفقة القرن»، إلا من الحديث عن فرصة جديدة ربما تلوح فى الأفق مع الإدارة الأميركية المقبلة 2021.. عن مسار قد يكون أكثر عدلًا يتوازى مع ضم الفلسطينيين إلى مسيرة السلام الأميركية، ومع اتجاه بريطانيا للضغط نحو «حل الدولتين»، خاصة حال استجابتها لدعوة الجامعة العربية الاعتراف بدولة فلسطين.
ورغم الاعتقاد الشائع بعدم نضوج الظروف الملائمة حتى الآن للتوصل لذلك، إلا بالتنازل عن شروط على طرفى نقيض يتمسك بها كل من الرئاسة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية تحول دون استئناف التفاوض بينهما، لربما تؤدى لتسويتها الآمال المنعقدة على الالتزام بمسيرة التطبيع التى من المعتقد احتواء اتفاقياتها على بنود ليست غير مخفية تمامًا.. من المرجح أنها بشأن العمل بموجب مبادرة السلام العربية التى صاغتها فى مؤتمر القمة ببيروت 2002 – السعودية- بوصفها دولة مركزية على الأصعدة العربية الإقليمية والدولية، تلتزم بحسب وزير خارجيتها، بالقرارات الأممية التى تسمح للفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
الأمر الذى لم يكن مفاجئًا أن يقرّ به على صورة ما من الصور رئيس الحكومة الإسرائيلية البديل «جانتس» قبل أيام- لتشكل نقطة مفصلية متغيرة- نحو تنشيط عملية السلام «متعددة المسار» من عدمه، سوف تشمل الفلسطينيين أساس الصراع مع إسرائيل فى المنطقة، إذ إن السلام من دونهم ناقص، باعتراف رئيس حزب الجنرالات، المدفوع سياسيوهم للسلام من فرط معاناتهم ويلات الحرب، بعكس كوادر حزب الليكود المدفوعين بالأيديولوجية الدينية نحو ضم الأراضى المحتلة والحصول على السلام فى آن، ذلك فى غضون تحركات إسرائيلية تسعى لتشكيل حزب يهودى- عربى مشترك لخوض الانتخابات الرابعة المرجحة فى إسرائيل، ولا سيما فى هذه المرحلة الاستثنائية بكل المقاييس، سواء فى تاريخ العالم العربى أو من تاريخ دولة اليهود.