يرى محللون أن القطاع المصرفى المصرى يحتاج إلى المزيد من عمليات الاندماج بين البنوك الصغيرة، خلال السنوات المقبلة، لخلق كيانات مصرفية قوية تستطيع المنافسة محليًّا وإقليميًّا ومواجهة الصدمات الاقتصادية العالمية، أسوة بما تم فى الأسواق الخليجية خلال السنوات الثلاث الماضية.
وشهدت أسواق الخليج موجة اندماجات قوية بين العديد من المصارف، كان أبرزها فى السوق الإماراتية اندماج أبوظبى التجارى وبنك الاتحاد الوطني، واندماج بنك الخليج الأول وأبوظبى الوطني.
وأضاف المحللون أن البنوك التى ستندمج فى السوق المصرية لديها فرصة قوية وكبيرة مقارنة بأسواق الخليج، خاصة أن معدلات توظيف القروض إلى الودائع بالقطاع المصرفى المصرى مازالت منخفضة، وتنوع نشاط الاقتصاد المصري؛ ما يسمح لها بالتوسع بشكل أكبر، وخلق قاعدة عملاء.
وبحسب بيانات قطاع الرقابة والإشراف بالبنك المركزى يعمل نحو 38 بنكًا فى السوق المصرية، وتستحوذ أكبر 5 بنوك على نسبة %67 من أصول القطاع المصرفى المصري.
وأجرى البنك المركزى المصري عملية إصلاح هيكلية واسعة فى الهيكل التشريعى والقرارات التنظيمية بالقطاع المصرفى المصري؛ بهدف جعل القطاع المصرفى أكثر قوة لتحمل الصدمات الخارجية، خلال السنوات الماضية، كان آخرها إصدار قانون البنوك والجهاز المصرفى الجديد فى سبتمبر الماضي، بعد إقراره من رئيس الجمهورية.
وبجانب الإصلاحات التشريعية والتنظيمية، أظهرت بيانات حديثة من البنك المركزى المصرى تقديمه قروضًا وودائع مساندة للبنوك المحلية بقيمة بلغت 26.7 مليار جنيه خلال العام المالى الماضي، فى إطار خطته الرامية لدعم القواعد الرأسمالية للبنوك وتعزيز قدرتها على التوافق مع المتطلبات الرقابية ومواكبة أحدث المعايير والأعراف المصرفية الدولية.
محمد عبد العال: تكوين كيانات كبيرة ظاهرة صحية لتحقيق أهداف قومية
ويرى محمد عبد العال، الخبير المصرفي، أن البنوك الصغيرة العاملة بالسوق المصرية تحتاج إلى عملية اندماج، قائلًا: «ظاهرة صحية أن تندمج البنوك الصغيرة مع بعضها لتكوين كيانات كبيرة أو تندمج مع بنوك أكبر».
وأضاف أن الاندماجات لابد أن تكون بهدف خلق كيانات مصرفية قوية تمتلك رأس المال الكافى لمواجهة المخاطر، مشيرًا إلى أن عمليات الإندماج أمر طبيعى فى العالم ككل، خاصة فى ظل المخاطر الدورية التى تمر بها الأسواق والاقتصاديات أو المفاجأة مثل جائحة فيروس كورونا.
وذكر محمد عبدالعال أن البنوك المصرية تستطيع مواجهة المخاطر وتسيير أمورها، فى ظل وجود بنك مركزى قوى جدًا، وأنه لم يحدث إطلاقًا أن أضاع أى بنك عامل فى السوق المصرية حقوق العملاء أو تعثر، إلا أن المطلوب فى الوقت الراهن تقوية البنوك الصغيرة حتى تستطيع مواجهة الصدمات الطارئة والاحتياجات القوية لتنفيذ المشروعات القومية الكبرى التى تنفذها الدولة.
وأوضح الخبير المصرفى أن البنوك الصغيرة فى حال اندماجها أو البنوك الجديدة التى ترغب فى دخول السوق لديها فرصة قوية، بما يتميز به الاقتصاد المصرى بالتنوع والعديد من الأنشطة الاقتصادية التى لها مساهمة فى الناتج المحلى الإجمالي.
وتابع عبد العال قائلًا: »حينما صرح البنك المركزى بأن البنك الزراعى المصرى سيصبح أكبر البنوك فى القطاع المصرفى هل معنى ذلك أنه سيندمج! لا طبعًا.. هناك بنوك له أهداف قومية بعيدة عن الاندماج ضمن نطاق أهداف البنوك التجارية الخاصة. والدولة تعمل على الحفاظ عليها».
وشهدت 4 أسواق خليجية خلال السنوات الثلاثة الماضية، 10 عمليات اندماج بين مصارف، حيث استحواذ بنك دبى الإسلامى على نور بنك بالإمارات، واندمج بنك أبوظبى التجارى مع بنك الاتحاد الوطني، وتم الاستحواذ على مصرف الهلال بالإمارات، واندماج بنك الخليج الأول وأبوظبى الوطنى بالإمارات.
وفى السعودية استحوذ البنك الأهلى التجارى على مجموعة سامبا المالية، واندمج بنك ساب مع البنك الأول، كما اندمج بنك عمان العربى مع بنك العز الإسلامى بسلطنة عمان.
وفى قطر اندمج مصرف الريان والمصرف الخليجى التجاري، واندماج بنك بروة وبنك قطر الدولي.
قال منصف مرسي، الرئيس المشارك لقسم البحوث ببنك الاستثمار سى أى كابيتال، إن هناك فرقًا ما بين السوق المصرفية المصرية والأسواق فى الخليج، خاصة أن البنوك الخليجية بدأت عمليات الاندماج عقب تراجع أسعار النفط وتأثيرات على إيرادات البلدان.
وتابع قائلًا: «ما جعل عمليات الإندماج أسرع خاصة فى البنوك الإماراتية؛ معدلات التوظيف التى لديها مرتفعة وتصل %90 ويعطى ذلك مؤشرا بأن السوق الإماراتية لديها فرص نمو كبيرة، ما أدى إلى عمليات الاندماج التى رأيناها خلال الفترة الماضية».
منصف مرسي: السوق المصرية ستشهد المزيد منها ولكن ليس على المدى القصير
ويرى منصف مرسى أن السوق المصرية ستشهد المزيد من الاندماجات بين البنوك، لكن ليس على المدى القصير.
وأضاف أنه على المدى القصير لا يمكن أن نشهد اندماجات فى القطاع المصرفي، خاصة أنه كان هناك استحواذات كثيرة خلال السنوات الماضية، ودخول لاعبين جدد السوق، من بينها بنوك خليجية ومغربية.
وذكر مرسى أن هناك فرصًا متاحة لعمليات الاستحواذ الداخلية بين البنوك وبعضها، مثل ما يحدث مع بنكى بلوم وعوده اللبنانيين ورغبة بنوك قائمة للاستحواذ على وحداتهم فى السوق المصرية، مشيرًا إلى أن ذلك يعد فرصة وليس توجهًا عامًّا.
وأفاد مرسى بأنه يعتقد أن هناك عمليات اندماج ستحدث فى السوق المصرية، خاصة أن عدد البنوك العاملة بالسوق المصرية ليس صغيرًا، لكن عمليات الاندماج لن تكون فى القريب العاجل.
وأضاف: هناك مجال نمو كبير فى السوق المصرية، لأغلبية البنوك، بالنظر إلى توظيفات القروض للودائع فى السوق، والتى أقل من المستويات فى المنطقة كلها، ومن ثم الأرقام الخاصة بالمراكز المالية، ورأس المال بالبنوك، مستويات جيدة، ولا توجد ضغوط على البنوك.
وأشار إلى أن قانون البنوك الجديد الذى وضع حدًّا أدنى لرأسمال البنوك عند 5 مليارات جنيه خلال ثلاث سنوات، لن يكون سببًا لتسريع الاندماجات؛ لأن أغلب البنوك فى الوقت الحالى لديها الموارد للوصول إلى ذلك.
ويرى الرئيس المشارك لقسم البحوث ببنك الاستثمار سى آى كابيتال، أنه من الممكن أن تحدث استحواذات على بنوك صغرى فى السوق المصرية، لكنها لن تكون بنوكًا عامة.
وقال: «ستحدث اندماجات فى وقتٍ ما فى مصر، لكن حاليًّا لا توجد ضغوط تسرّع تلك العمليات».
وأوضح منصف مرسى أن عمليات الاندماجات لا بد أن تتم دراستها بشكل أوسع لتكون متوافقة مع المتطلبات الرقابية، وقانون البنوك الجديد، سواء الحوكمة ورأس المال، قبل اتخاذ خطوة الاندماج، ما يكون ذلك تأثيرًا جيدًا على عملية دمج البنوك.
وينص قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى الجديد على زيادة رأسمال البنوك العاملة بالسوق المصرية إلى 5 مليارات جنيه خلال ثلاث سنوات من إصدار القانون.
طارق متولي: القطاع على أعتاب مرحلة إصلاح جديد لمواجهة المنافسة مع الكيانات المالية غير المصرفية
ويرى طارق متولى، الخبير المصرفي، أن خطة تطوير وإصلاح القطاع المصرفى فى عامى 2004 و2005، ساهمت فى حماية البنوك من الأزمات التى حدثت بعد ذلك، وأنها خلال الفترة الحالية فى حاجة إلى خطة إصلاحية بالقطاع المصرفى تتضمن دمج البنوك الصغيرة.
وأوضح أن قانون البنوك الجديد تضمن زيادة رءوس أموال المصارف، ما يعد خطوة جيدة جدًّا لزيادة رءوس الأموال وحماية البنوك وتقوية مراكزها المالي.
وأضاف: المنافسة حاليًّا للبنوك تأتى من خارج القطاع المصرفي، والأمر حاليًّا لم يقتصر على منافسة البنوك لبعضها البعض، بل إن هناك تهديدًا من قطاعات غير مصرفية، مثل الشركات التمويل الاستهلاكى وشركات التكنولوجيا المالية والتى تتمتع بسهولة كبيرة فى وإجراءات التمويل.
وأشار متولى إلى أن البنوك أصبحت فى الوقت الراهن، جزءا من خدمات التكنولوجيا على المستوى العالمي، ويتطلب ذلك المزيد من الاندماجات بين البنوك لخلق كيانات تستطيع المنافسة؛ خاصة أن هناك بنوكا كثيرة فى السوق لا تمتلك الخبرات والقدرات للمنافسة فى ظل التطورات الحالية.
وقال إن إجراء اندماجات فى السوق المصرية لا يكون بهدف الاندماجات فقط، ولا بد أن تكون بهدف خلق كيانات اقتصادية كبيرة، تستطيع مواجهة المتغيرات والتطورات الإقليمية والعالمية، وتوقع التهديدات.
ويرى متولى أن هياكل البنوك العاملة فى السوق المصرية تعطى فرصة صغيرة للاندماجات؛ فى ظل تواجد بنوك أجنبيةكثيرة فى السوق، مشيرًا إلى أن الاندماجات تتم خارج مصر.
وأوضح أنه يجب النظر فى البنوك المصرية والعامة مثل بنك التنمية الصناعية، والبنك العقارى المصرى العربي، و6 بنوك حكومية أخرى، ودمجهم فى كيان مصرفى واحد ليخلقوا كيانًا مصرفيًّا كبيرًا مثل البنك الأهلى المصرى وبنك مصر.
وذكر أن ما يهم السوق المصرية خلال الفترة الحالية والسنوات المقبلة، كفاءة البنوك وليس عددهم، مشيرًا إلى أن هناك بنوكًا فى السوق أصبح وجودها له أضرار على القطاع ومنها بنوك حكومية.
فى سياق متصل قالت مصادر لـ«المال»، إن إحدى الشركات التابعة لأحد البنوك الحكومية الكبرى تجرى تقييمًا لأصول البنك العقارى المصرى العربى داخل مصر وخارجها، بهدف دراسة فرص الاستحواذ أو الاندماج، إلا أن مصدرًا مسئولًا بالبنك الحكومى الكبير نفى تلك الأنباء قائلًا: «الموضوع شائك.. ولكن لا نجرى فحصًا نافيًا للجهالة».