لا شيء ينجح مثل النجاح

لا شيء ينجح مثل النجاح
شريف عطية

شريف عطية

6:08 ص, الثلاثاء, 3 نوفمبر 20

قد يطيب أحيانًا لمراقبين أكاديميين الاستباق بالتنبؤ عن نتائج تطورات سياسية قبل الإعلان عنها رسميًّا، ذلك فى معرض تجريب الثقة من عدمه بتوقعاتهم التحليلية فى قراءة مجمل وتفاصيل الأحداث المتداولة، كمثال ينطبق فى غضون ساعات عن الفائز المرجح فى الانتخابات الرئاسية الأميركية 3 نوفمبر الحالى، التى تحيطها العديد من التكهنات المتضاربة، سواء فى مسيراتها الإجرائية أو نظرًا لضآلة الفارق بين فرص النجاح لكل من المرشحين للدخول إلى البيت الأبيض، إذ يفصل بين فوز أحدهما عن الآخر ما يقارب «رقبة حصان»، بلغة المراهنات فى سباقات الخيول التى لا تحسم غالبًا إلا فى الشوط الأخير قبل خط نهاية السباق بين المعسكرين الجمهورى والديمقراطى، المرجح عدم قبول أى من المرشحين بنتيجتها حالة خسارته، الأمر الذى يفتح الباب واسعًا لسيناريوهات الرعب المختبئة بين ثنايا الديمقراطية الأميركية التى شهدت فى الأشهر القليلة الماضية بعضًا من معالمها فى الصدام العرقى والطائفى من جهة، والأيديولوجى المسيّس من ناحية أخرى، وحيث يخشى عموم الأميركيين حينئذ أن تصمت الألسنة.. ويتحدث الرصاص، ما يضع أميركا من جديد أمام لحظات مفصلية فى تاريخها المعاصر.

إلى ذلك، فإن الأكثر قربًا إلى الواقع هو لجوء حملة «ترامب» وفقًا للشواهد لعدم تسليم السلطة حال فوز المرشح الديمقراطى «بايدن»، والذهاب من ثم إلى المحكمة العليا لنصرته بأكثر من ذريعة (…)، حيث الأغلبية لصالح التيار المحافظ فى مواجهة الليبراليين الأميركيين داخل المحكمة، الأمر الذى قد يستغرق أسابيع أو شهورًا للبتّ فيه.. سوف تقع خلالها البلاد فى أتون أزمات قانونية ودستورية.. يفاقمها ما يقارب الفراغ السياسى فى السلطة لأقوى بلدان العالم، لا يقتصر توابعها فحسب على الأوضاع الداخلية الأميركية بقدر امتدادها أيضًا إلى ميادين السياسة الخارجية بين الولايات المتحدة وأقاليم العالم المختلفة.

على صعيد مواز لما سبق من سياق، ورغم المجازفة فى استباق التوقع بالفائز الرئاسى الأميركى، قد يجوز المبادرة بالقول إن مؤشراته تتجه إلى فوز «ترامب» بالتجديد لفترة رئاسية ثانية، لأسباب غير شخصية؛ كون سياساته أقرب إلى مصر وحلفائها الإقليميين عن منافسه الديمقراطى إذ إن منظومة «الحلول الوسط» الأميركية لا تفرق كثيرًا، سواء فى السياسة الخارجية بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى، أو داخل مؤسسات الـ«Establishment» (للدولة العميقة) التى هى أقرب إلى «بايدن» عن سياسات الرئيس الحالى، ومع ذلك فإن ترجيح فوز «ترامب» يستند إلى رهاناته الانتخابية على تأييد الأجنحة المختلفة لتيار اليمين الشعبوى، فضلًا عن حصد أحداث «الإنجيليين» (المسيحية الصهيونية) البالغين نحو 50 مليون نسمة، خاصة مع تحالفهم الانتخابى مؤخرًا مع الكاثوليك الذين استرضاهم ترامب بتعيين واحدة منهم رئيسًا للمحكمة العليا، إلى استئثار «ترامب» أيضًا على نصيب يبلغ الربع من أصوات اليهود الأميركيين (7 ملايين نسمة) كما بالنسبة للإسرائيليين من جذور أميركية المشاركين فى كل انتخابات أميركية (200 ألف نسمة) حيث تسيّر مظاهرات داخل الدولة العبرية تأييدًا له، ذلك فيما أصوات السود والمسلمين محل استقطاب بين المرشحين الرئاسيين، كما يسعى «ترامب» للحفاظ على أصوات الطبقة العاملة.. وأصحاب الياقات الزرقاء، ذلك فيما يمكن لنتائج التصويت المبكر من نحو 70 مليونًا أن تميل لصالح «ترامب»، ذلك ما لم يزخم الفرز التالى «بايدن» بأعداد كبيرة، فيما لا يزال الناخبون البيض الذين يشكون أكثر من %70 من المواطنين الأميركيين.. يمسكون بالمفاتيح الرئيسية للعملية الانتخابية، وحيث ترى حملة «ترامب» أن الكاثوليكيين المحافظين (أكثر من الإنجيليين البيض) هم من يملكون مفتاح إعادة انتخاب «ترامب». خلاصة القول، ورغمًا عن الإحباطات التى تقابل «ترامب» فإنه يتمتع بمهارات التواصل مع الناخبين، وفى قدرته على تحدى العوائق، وحرصه على عدم الاستسلام، ما يؤهل ترجيحه للفوز فى الانتخابات الرئاسية الأميركية التى لها خصوصياتها وآلياتها.. وأيضاً مفاجآتها كما تحدثنا عنها تجارب الماضى، أقربها انتخابات 2016 التى فاز بها «ترامب» رغم أن كل التوقعات كانت إلى جانب خسارته لها، لكن وكما يقول الإنجليز «لا شيء ينجح مثل النجاح».