يرى محللون تحدثت إليهم «المال»، أن البنك المركزى المصرى يضع فى حسبانه معدلات التضخم فى السوق المصرية، وتطورات الأوضاع الاقتصادية العالمية خلال الفترة الراهنة، بشكل أساسى فى توجهات السياسة النقدية خلال الأشهر المتبقية من العام الجارى.
وبحسب الموقع الإلكترونى للبنك المركزى، يتبقى نحو اجتماعين للجنة السياسة النقدية خلال العام الجارى، فى نوفمبر وديسمبر المقبلين.
واتفق جميع المحللين على أن معدل التضخم السنوى سيكون هو العامل الأساسى فى قرار البنك المركزى، فى ظل استمرار انخفاض المستويات خلال الأشهر الماضية لأقل من مستهدفاته.
ويستهدف البنك المركزى المصرى، الوصول بمعدلات التضخم إلى %9 (±3) بنهاية العام الجارى، واستقرار الأسعار على المدى المتوسط.
وانقسمت توقعات المحللين بين تخفيض جديد فىقبل نهاية العام، أو إبقاء البنك المركزى لأسعار الفائدة دون تغيير.
يرى الفريق الأول ان الإقدام على خفض سعر الفائدة متوقع بشكل كبير قبل نهاية العام الجارى إستنادا إلى هبوط معدلات التضخم فى السوق المحلية تحت النطاق المستهدف من جانب البنك المركزى المصرى، الأمر الذى يعزز قدرة لجنة السياسة النقدية، فى ظل ارتفاع الفائدة الحقيقية على الجنيه، على التدخل لتحفيز النشاط الاقتصادى والاستهلاك عبر إجراء خفض جديد لأسعار الفائدة
فى حين يرى الفريق الآخر الذى يتبنى توقعات إبقاء الفائدة دون تغيير، أن البنك المركزى سيتخذ موقفًا حذرًا حتى مطلع العام المقبل، نظرًا للتأثيرات المرتبطة بالأوضاع الخارجية نتيجة الموجة الثانية لفيروس كورونا، وانتظار تأثيرات خفض الفائدة الأخير فى سبتمبر الماضى.
وخفض البنك المركزى المصرى فى اجتماعه فى سبتمبر الماضى، كل من سعر الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية بواقع 50 نقطة أساس ليصل الى %8.75 و%9.75 و%9.25 على الترتيب، وذلك بعد استقرار استمر أربع اجتماعات متتالية للجنة السياسة النقدية عقب تخفيض بواقع 300 نقطة أساس فى اجتماع طارئ منتصف مارس 2020.
وفى البيان التفسيرى لقرار لجنة السياسة النقدية سبتمبر الماضى، قال البنك المركزى إنه نتيجة لاحتواء الضغوط التضخمية وجميع التطورات المحلية والعالمية، قررت لجنة السياسة النقدية خفض أسعار العائد الأساسية بواقع 50 نقطة أساس.
محمد أبوباشا: المركزى يسعى للموازنة بين الضغوط الخارجية ومعدلات التضخم
يرى محمد أبو باشا كبير محللى الاقتصاد الكلى بالمجموعة المالية هيرميس، أن البنك المركزى المصرى يسعى لجعل أسعار الفائدة متوازنة بين الضغوط والتأثيرات المرتبطة بالأوضاع الخارجية ومعدلات التضخم فى السوق المصرية.
وقال إن معدلات التضخم المحلية تعد من العوامل الرئيسية التى ستؤثر على توجهات أسعار الفائدة خلال الفترة المتبقية من العام، إلا أنه لن يكون هناك خفض جديدة لسعر الفائدة الأساسي؛ نظرًا للتأثيرات الخارجية على القطاعات الجاذبة للعملة الصعبة نتيجة الموجة الثانية لأزمة فيروس كورونا وتأثيراتها السلبية.
أضاف: “الأوضاع الخارجية لن تشجع البنك المركزى على اتخاذ أى خطوات مرتبطة بتخفيض أسعار الفائدة”.
وذكر أبوباشا أن الخفض الذى أجراه البنك المركزى فى سبتمبر الماضى بنحو 50 نقطة أساس، كان محدوداً جدًا؛ مقارنة بأن مصر لديها عائد حقيقى هو الأعلى فى الأسواق الناشئة، ما يظهر ذلك رغبة البنك المركزى فى الإبقاء على أسعار العائد على الكوريدور دون أى تغيير.
وأشار كبير محللى الاقتصاد الكلى بالمجموعة المالية هيرميس إلى أن معدلات التضخم فى مصر مازالت أقل من التوقعات والمستهدفات، متوقعًا أن يسجل التضخم السنوى بنهاية العام الجارى نحو %5.
وأوضح أن من بين العوامل التى يضعها البنك المركزى فى الحسبان أيضًا تطورات الأسواق العالمية فى ظل أزمة فيروس كورونا، والانتخابات الأمريكية، وتأثيرات كل ذلك على قدرة قطاعات مثل السياحة والتصدير على سرعة التعافى.
ولم يستبعد أبوباشا، أن يخفض البنك المركزى المصرى أسعار الفائدة قبل نهاية العام، مبررًا ذلك بأن مصر لديها أعلى فائدة حقيقية فى الأسواق الناشئة، ما يعطى مساحة كبيرة لذلك.
وتابع قائلًا: «تخفيض الفائدة بقيمة تتراوح بين 50 نقطة و100 نقطة أساس فى ظل معدلات التضخم الحالية -المنخفضة جدًاـ لن يكون له تأثير كبير على الوضع الاقتصادى».
ويرى أن البنك المركزى قد يخفض أسعار الفائدة فى الربع الأول من العام المقبل أو بداية الربع الثاني؛ فى ظل تحسن الأوضاع الخارجية، وانتهاء أزمة كورونا، وظهور بوادر تعافى للسياحة، قائلًا: «ممكن فى الحالة دى يغير البنك المركزى سياسته التحفظية والتوازن الذى يسعى إليه، لأن المعادلة فى الحالة دى تغيرت».
وحول السعى لتحفيز النشاط الاقتصادى، قال أبوباشا إن خفض الفائدة بنحو 300 نقطة أساس فى مارس الماضى كان كافيًا بجانب المبادرات التى أطلقها البنك المركزى لتحفيز القطاع الخاص، وأدى ذلك إلى تسارع نمو قروض شركات القطاع الخاص بنهاية أغسطس الماضى ليكون الأعلى نموًا فى ثلاث سنوات.
وبحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفع المعدل السنوى للتضخم العام فى مصر إلى %3.7 فى سبتمبر مقابل %3.4 فى أغسطس السابق عليه، بينما سجل الرقم القياسى لأسعار المستهلكين للحضر معدلًا شهريًا بلغ %0.3 فى سبتمبر مقابل معدلًا سالبًا بلغ %0.2 فى أغسطس 2020.
عالية ممدوح: التضخم سيظل عند نفس المستويات حتى نهاية العام الجارى مما لا يستدعى التحريك
وقال عالية ممدوح، كبيرة الاقتصاديين لدى بنك الاستثمار بلتون، إن قراءات التضخم ستكون العامل الرئيسى فى تحديد اتجاهات أسعار الفائدة الرئيسية من قبل البنك المركزى، متوقعة أن يسجل التضخم السنوى نحو %4 بنهاية 2020.
وترى أن معدلات التضخم الحالية أقل من مستهدفات البنك المركزى لكنها ترتفع بشكل طفيف، وستأخذ المزيد من الوقت لتصل إلى ضمن نطاق استهدافات المركزى.
وأضافت قائلة: «المهم أن تكون معدلات التضخم الشهرية هى المتغيرة ولا تكون بمعدلات سالبة، حتى لا تعكس أى انكماش أو ركود فى الاقتصاد».
وذكرت أن معدلات التضخم ستستمر عند نفس المستويات الحالية حتى نهاية العام الجارى، وأن ذلك لا يستدعى تحريك أسعار الفائدة مرة أخرى؛ خاصة أن تأثيرات الخفض السابق بنحو %0.5 لم تظهر بعد والتى فى الأغلب ما يأخذ أى تحريك بالفائدة فترة تصل إلى 3 أشهر لظهور التأثيرات.
وأوضحت ممدوح أنه بجانب التضخم، يضع البنك المركزى فى الاعتبار تدفقات الاستثمارات الأجنبية فى أدوات الدين الحكومية، مشيرة إلى أن مصر ضمن أفضل البلدان من ناحية أسعار الفائدة الحقيقية واستقرار العملة، بالإضافة إلى توقعات تحقيق معدلات نمو اقتصادى مقارنة بدول المنطقة خلال الأزمة الحالية؛ ما يدعم ثقة المستثمرين.
وطبقا لبيانات البنك المركزى المصرى، ارتفعت أرصدة استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة الحكومية إلى نحو 13.3 مليار دولار فى أغسطس 2020، مقابل 10.727 مليار فى شهر يوليو السابق عليه.
وترى عالية ممدوح أن البنك المركزى قد يتخذ قرارًا بتخفيض أسعار الفائدة خلال الربع الأول من العام المقبل، قائلة: «على الأقل يكون ظهر التأثير المرتبط تخفيض الفائدة الشهر الماضى، وتأثير الموجة الثانية لأزمة فيروس كورونا».
منى بدير: لن يتم تخفيض قوى لقلة مخاطر كورونا على الاقتصاد المحلى
وعلى النقيض تتوقع منى بدير محلل الاقتصاد الكلى لدى بنك الاستثمار برايم، أن يكون هناك تحريك فى أسعار الفائدة من قبل البنك المركزى المصرى قبل نهاية العام الجارى.
وقالت بدير إن البنك المركزى سيجرى خفضاً جديداً لأسعار الفائدة، ولكن ذلك يتوقف على مجموعة عوامل، أهمها قراءة التضخم، واستقرار الأوضاع والضغوط الخارجية، وأن ذلك كان واضحًا الفترة الماضية بتراجع عجز الميزان التجارى، واستعادة الاستثمارات فى أدوات الدين المحلية، وارتفاع وتنافسية أسعار الفائدة الحقيقية فى السوق المصرية.
وأوضحت أنه مع بداية أزمة فيروس كورونا وتخفيض البنك المركزى لأسعار الفائدة 300 نقطة أساس، كان هناك توقعًا بأن يبقى البنك المركزى لأسعار الفائدة حتى نهاية العام الجارى، إلا أن تحركات التضخم خلال الفترة الحالية، وخروجه من الإطار المستهدف، يعطى مساحة للتخفيض لأجل إتاحة المزيد من التحفيز للاقتصاد.
وأشارت إلى أن قراءات التضخم خلال آخر شهرين، تشير إلى الاتجاه نحو أقل من مستهدفات البنك المركزى، ما يتطلب ذلك وفقًا لاتفاقية الاستعداد الائتمانى مع صندوق النقد الدولى، إجراء مناقشات وتوضيح من قبل مصر عن الأسباب التى دفعته ليكون أقل من المستهدف.
وبحسب وثائق صندوق النقد الدولى، يتم إجراء مشاورات مع البنك المركزى المصرى فى سبتمبر 2020 ومارس 2021 إذا انخفض التضخم على أساس سنوى إلى أقل من %4 أو أعلى من %13 بنهاية العام الجارى، بهدف المساعدة فى فهم سبب حدوث الانحراف عن الهدف، وتقييم الموقف الحالى للسياسة النقدية، وطرق إصلاح هذا الإنحراف.
وأضافت منى بدير أن من ضمن الأهداف الاسترشادية لبرنامج مصر الجديد مع صندوق النقد الدولى، أن تحقق معدلات التضخم مستوى %6 بنهاية العام الجارى.
وتتوقع محلل الاقتصاد الكلى ببنك الاستثمار برايم، أن يسجل التضخم السنوى فى مصر نحو %4.8 بنهاية العام، و%4.5 متوسطًا بالربع الأخير.
واستبعدت بدير، أن يتم تخفيض قوى لأسعار الفائدة فى ظل الموجة الثانية لجائحة فيروس كورونا، مبررة ذلك بقرب وجود لقاح مضاد للفيروس، وقلة مخاطرها على الاقتصاد المحلى، نتيجة للخبرة التى اكتسبتها السلطات فى التعامل مع الموجة الأولى للوباء، مشيرة إلى أنه فى حال اتخاذ بعض الإجراءات ستكون أقل حدة.
رضوى السويفي: التقليص وارد بهدف الاستفادة من التضخم المنخفض
وتتوقع رضوى السويفى رئيس قطاع البحوث ببنك الاستثمار فاروس، أن يخفض البنك المركزى أسعار الفائدة بقيمة تتراوح بين 50 و100 نقطة أساس قبل نهاية العام الجارى.
وقالت إن البنك المركزى سيتجه لخفض أسعار الفائدة للاستفادة من مستويات التضخم المنخفضة الحالية إلى جانب ارتفاع معدلات الإقراض الحقيقى لتصل %6.5 فى سبتمبر.
وأضافت أن خفض سعر الفائدة سينعش القطاع الخاص بعد 6 أشهر من الإغلاق وضعف الطلب وتقلب أسعار السلع، وعدم اليقين، وأنها ستكون تدريجية للغاية من أجل الحفاظ على تدفقات العملات الأجنبية إلى مصر.
وترى السويفى أن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى ستتخذ مزيدًا من التخفيضات فى أسعار الفائدة حتى عام 2021، ولكن بطريقة تدريجية، قبل أن يرتفع التضخم قليلاً فى عام 2022.
وتتوقع رئيس قطاع البحوث ببنك الاستثمار فاروس، أن يسجل التضخم السنوى بنهاية العام الجارى نحو %4.5.
محمد عبدالعال: حالة عدم اليقين العالمية ضمن العوامل التى ستؤثر على التوجهات
ويرى محمد عبدالعال الخبير المصرفى، أن معدل التضخم سيظل ضمن مستهدفات البنك المركزى المصرى حتى نهاية العام الجارى، متوقعًا أن يتراوح ما بين 5 إلى %6 بنهاية 2020.
وقال إن لجنة السياسة النقدية ستتجه إلى تخفيض سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس مرة أخرى قبل نهاية العام؛ فى ظل ارتفاع الفائدة الحقيقية بالسوق المصرية.
وأضاف أن تخفيض الفائدة بين 50 نقطة أساس و100 نقطة أساس، سيبقى الفائدة الحقيقة بمصر فى مستويات مرتفعة، ولن يكون لها تأثيرات سلبية على الاستثمارات فى أذون الخزانة؛ لأن الأسواق الناشئة المقارنة لمصر، لديها مخاطر كبيرة.
ويرى عبد العال أن حالة عدم اليقين العالمية بشأن أزمة فيروس الكورونا ضمن العوامل التى ستؤثر على توجهات أسعار الفائدة فى السوق المصرية؛ خاصة أن لها تأثيرات على السياسة النقدية فى العالم، وقدرة البنوك المركزية على ضخ سيولة إضافية فى الأسواق والتعامل مع التأثيرات السلبية.