قال البنك الدولي في تقرير اقتصادي ، إن التجارة والتكامل داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومع بقية بلدان العالم، سيشكلان عاملا حيويا في خفض معدلات الفقر، وتمكين الفقراء، وإحياء النمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد كورونا.
ويرسم تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الصادر بعنوان تعزيز التعاون التجاري: إحياء التكامل الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عصر ما بعد جائحة كورونا، صورة شاملة للوضع الاقتصادي في المنطقة بعد ستة أشهر من تفشي الجائحة. وهو يدرس الآثار الدائمة للصدمة الاقتصادية المزدوجة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط، ويوصي بإجراء تغييرات في السياسات العامة وتطبيق إصلاحات لبناء إطار جديد للتكامل في جميع أنحاء المنطقة.
وفي معرض التعقيب على التقرير، قال فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا : “كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متخلفة عن الركب قبل أن تنتشر جائحة كورونا، وبعد مرور ستة أشهر على التفشي، يمكننا أن نرى – بوضوح صارخ – شدة الدمار الذي لحق بالأرواح وسبل العيش والرخاء على مستوى المنطقة. نحن مستمرون في مساعدة بلدان المنطقة على وقف انتشار المرض وحماية ورعاية شعوبها”.
وأضاف: ” سنواصل التأكيد على ضرورة أن تولي بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأولوية القصوى للشفافية والحوكمة وسيادة القانون والقدرة على المنافسة في السوق، وغرس الثقة، وتعزيز القطاع الخاص، وبناء إطار جديد للتكامل الاقتصادي الإقليمي المستدام الذي سيجعل التجارة أداة قوية لتخفيف حدة الفقر وزيادة إمكانية الجميع في الوصول للفرص”.
الصدمة الاقتصادية الناجمة عن الجائحة وانخفاض أسعار النفط
أثرت الصدمة الاقتصادية المزدوجة الناجمة عن جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط على جميع جوانب اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي من المتوقع أن تنكمش بنسبة 5.2% في عام 2020- بانخفاض 4.1 نقطة مئوية عن التوقعات في أبريل 2020، و7.8 نقطة مئوية عن التوقعات في أكتوبر الأول 2019، وتعكس أحدث البيانات توقعات متشائمة بشكل متزايد لاقتصاد المنطقة، الذي من المتوقع ألا يتعافى جزئياً إلا في عام 2021.
كما تدهورت التوقعات لحسابات المعاملات الجارية وأرصدة المالية العامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تدهورا حادا. ومن المتوقع أن تسجل أرصدة المعاملات الجارية والموازنة بالمنطقة عام 2020 -4.8% و-10.1% من إجمالي الناتج المحلي على التوالي، وهي نسب أسوأ كثيرا من التوقعات في أكتوبر 2019، وذلك لأسباب ترجع إلى انخفاض عائدات تصدير النفط وانخفاض إيرادات المالية العامة والمصروفات اللازمة للاستجابة لمكافحة الجائحة. وتشير التوقعات إلى أن الدين العام سيرتفع كثيرا في السنوات القليلة المقبلة، من حوالي 45% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019 إلى 58% عام 2022.
وفي هذا الصدد، قال ها نغوين، وهو خبير اقتصادي أول وشارك في إعداد التقرير “تستمر الجائحة في إلحاق خسائر اقتصادية، ويتأثر الفقراء والمحرومون بشكل غير متناسب. وتشير توقعات النمو لعام 2021 إلى أن الانتعاش السريع على شكل حرف V غير محتمل، على الرغم من أن التوقعات دائمة التغير والتي تخضع لحالة شديدة من عدم اليقين.”
التجارة والتكامل الإقليمي
وفقاً للتقرير، كان أداء التكامل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – داخل المنطقة ومع بقية أنحاء العالم – ضعيفاً قبل تفشي الجائحة.
ويرجع ذلك إلى أسباب اقتصادية، مثل ضعف الأداء اللوجستي، وعدم كفاءة الجمارك، وارتفاع تكلف البنى التحتية، وعدم كفاية الأطر القانونية للاستثمارات، وتضارب الأنظمة التي تزيد من التكلفة المرتفعة للتجارة وأصبحت تمثل حواجز غير جمركية أمام التجارة.
كما أن عقبات الاقتصاد السياسي حالت دون التعاون، في حين أن آثار الصراعات والعنف أعاقت التجارة وثبطت النمو الاقتصادي.
إن التحديات التي تواجهها الخدمات اللوجستية وبيئة الأعمال تعوق اندماج المنطقة في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية. وعلى الرغم من تطبيق تحسينات في السنوات الأخيرة، فإن أداء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضعيف في إمكانية الحصول على الائتمان، ويقل عن أي منطقة أخرى من مناطق العالم.
وتعتبر التجارة عبر الحدود مُكلفة وتستغرق وقتًا طويلاً – تكلف في المتوسط 442 دولارًا وتستغرق 53 ساعة للامتثال للمتطلبات الحدودية للتصدير، فالتكلفة أعلى ثلاث مرات والمدة تزيد أربع مرات عن المتوسط في البلدان المرتفعة الدخل بمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. وتعد المنطقة أيضًا من أكثر المناطق تقييدًا فيما يتعلق بالتجارة في الخدمات.
وقالت بلانكا مورينو دودسون، مديرة مركز التكامل المتوسطي ورئيسة فريق إعداد التقرير “إن التحدي المتمثل في التغلب على العقبات السياسية والاقتصادية التي تعترض اندماج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا صعب في الأوقات العادية، فما بالك في خضم الجائحة والأزمة الاقتصادية الحالية. وتمثل جائحة فيروس كورونا فرصة سانحة لبلدان المنطقة كي تعيد التفكير في سياساتها الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز التكامل التجاري، وخفض الاعتماد على النفط.”
ويقترح التقرير إطارا جديدا للتكامل التجاري يتجاوز خفض الرسوم الجمركية. وتشير بعض الاقتراحات إلى أن تحرير التجارة يجب أن يكون شاملاً وأن يفيد جميع القطاعات، بما فيها الزراعة والخدمات. فبدون تحسين بيئة أنشطة الأعمال عموما وتشجيع دور القطاع الخاص، لن تجني المنطقة فوائد تحرير التجارة. ومن حيث التنفيذ، ستكون هناك حاجة إلى تحقيق توازن أفضل بين الأهداف السياسية والاقتصادية لضمان عدم فشل الاتفاقات التجارية. إن الإصلاحات المتزامنة وراء الحدود – داخل المنطقة وبالتعاون مع أوروبا وأفريقيا – سوف تتطلب قواعد واضحة وآليات تنفيذ فعالة.
ومن شأن وجود إطار منسق للتكامل التجاري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يعمل على تيسير سلاسل القيمة الإقليمية، ويمهد في الوقت ذاته الطريق للاندماج بشكل أفضل في سلاسل القيمة العالمية. ويوصي التقرير بالتركيز على التجارة إقليمياً في قطاعات مثل الأمن الغذائي، والنظم الصحية، والطاقة المتجددة، واقتصاد المعرفة.
وعلاوة على ذلك، يقترح إنشاء سوق رقمية مشتركة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحيث تحسن بلدان المنطقة كلا من التجارة والربط الرقمي مع أسواق أوسع في أفريقيا وبلدان البحر المتوسط. وهذا من شأنه أن يساعد على زيادة الإنتاجية؛ وتنسيق الاستجابات الفعالة للجائحة؛ وتشجيع فرص العمل الشاملة المرنة والمستدامة في المنطقة.
كما تتيح منطقة التجارة الحرة لقارة أفريقيا فرصة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء لتبسيط ومواءمة الإجراءات غير الجمركية.
وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يركز الحوار الثنائي الجاري مع الاتحاد الأوروبي على إدراج الزراعة والخدمات، الأمر الذي من شأنه أن يعود بالنفع العظيم على بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع معالجة قضايا تنقّل العمالة من حيث صلتها بالتجارة.