من تراب الطريق (951)

من تراب الطريق (951)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:43 ص, الأربعاء, 7 أكتوبر 20

لا أصل للخلافة فى الإسلام ! (9)

أسس كتاب على عبد الرازق

من حق الأستاذ الشيخ على عبد الرازق، وقد ظُلِمَ ظلمًا كبيرًا فى حياته، ودفع ثمنًا باهظًا لتأليف كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، أن نسجل له أنه التزم أصولاً منهجية وموضوعية فى وضع هذا الكتاب.

وهو لم يُخُفِ رأيه الذى خلص إليه من بحثه، أن الإسلام «برىء» من نظام الخلافة، وساق فيما ساق من أسس لرأيه، تعريفًا لكل من الخلافة والملك، والفارق بينهما، وتوقف عند المعانى التى اتخذها البعض مفهومًا للخلافة، وقولهم إن الخليفة عندهم يقوم فى منصبه مقام الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنه بعد أن لحق عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى، قام الخلفاء مقامه فى «حفظ الدين وسياسة الدنيا» وهم لذلك ينزلون الخليفة من الأمة بمنزلة الرسول من المؤمنين، وبما له على الأمة من الولاية العامة، والطاعة التامة، والسلطان الشامل، وحق القيام على دينهم والقيام على شؤون دنياهم، لأنه ـ فى تصورهم ـ نائب الرسول عليه الصلاة والسلام.

وبعد أن يستشهد الأستاذ الشيخ على عبد الرازق بآراء ابن خلدون التى أسلفنا وجيزها، يقفى بأنه كان واجبًا على من أضفوا على الخليفة تلك القوة، ورفعوه إلى ذلك المقام، وخصوه بكل هذا السلطان، أن يقدموا دليلهم على ذلك من القرآن والسنة، ولكنهم لم يفعلوا !!!

ويقفى بأنه لم يجد فى مباحث هؤلاء، دليلاً على هذه الفرضية بآية من كتاب الله أو بشىء من السنة النبوية، ولو وجدوا آيةً واحدةً تظاهرهم لما ترددوا فى الاستشهاد بها، أو حديثًا صحيحًا من السنة النبوية لما أحجموا عن الاستناد إليه.

أما عبارة «أولى الأمر» التى وردت بآيتين من آيات القرآن الكريم، فإنه فضلاً عن أن أغلب المفسرين على أنها تنصرف إلى أمراء المسلمين فى عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو كبراء الصحابة البصراء بالأمور، فإن الآيتين لا تظاهران شيئًا من معنى الخلافة التى أخذ بها أصحاب هذا النظر.

الأستاذ الدكتور عبد الحميد متولى

هذا الكتاب أشمل وأعرض وأعمق ما كتب فى هذا الباب، لأستاذنا الجليل المرحوم الدكتور عبد الحميد متولى، أستاذ القانون الدستورى والأنظمة السياسية بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، وبجامعة أم درمان الإسلامية، فقد وضع كتابًا ضافيًا وشاملاً فى «مبادئ نظام الحكم فى الإسلام » فى نحو خمسمائة صفحة، لم يترك فيه شاردة ولا واردة لكبار الفقهاء والعلماء قديمًا وحديثًا ـ إلاَّ أحاط بها ومحصها، ليخلص بعد دراسة واسعة، عريضة وعميقة، إلى أن الخلافة ليست من أصول الحكم فى الإسلام، وأنه مع أن الإسلام «دين ودول»، إلاَّ أنه فيما يتعلق بنظام الحكم جاء «بمبادئ دستورية عامة»، كمبادئ الشورى والعدالة والمساواة، ومن ثم لم يفرض على المسلمين نظامًا معينًا من أنظمة الحكم، ذلك أن الآيات القرآنية قد تركت تفصيل الأحكام لتنظيم الشورى وتحقيق العدل والمساواة، وكما يقول الأستاذ الكبير الشيخ عبد الوهاب خلاف، لتراعى فيها كل أمة ما يلائم حالها وتقتضيه مصالحها.

فالخلافة ليست من أركان الدين كما يرى الشيعة، بل ولا من أصول الحكم كما يرى كثيرون من علماء السنة، إنما هى من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الأمة، وأن المطالبة بقيام نظام الخلافة فى عصرنا تتنافى مع مقتضيات الواقع فى العصر الحديث، ولا محل للقياس على الخلافة الراشدة التى كانت حتى أواسط عهد خلافة عثمان بن عفان، ثم فى خلافة الإمام على التى تواصلت بصورة ما ـ مع ما كان فى عهد أبى بكر وعمر.

ذلك أن مرد هذا النظام المثالى إلى توافر عناصر لم يعد شىء منها متوافرًا بعد ذلك، فقد كانت هذه الخلافة الراشدة قريبة عهد بنزول القرآن الكريم، مع بساطة الحياة ووجود صحابة من الرجال العظام الذين تأسوا بالقدوة الحسنة للرسول عليه الصلاة والسلام، فضلاً عن أن الثابت بمراجعة آيات القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، أن الإسلام قد جاء فى شئون الحكم ـ بمبادئ عامة تصلح للتطبيق فى مختلف الأزمنة والأمكنة، ولم يقيد بنظام معين من أنظمة الحكم.

وحاصل ذلك، أن الخلافة ليست أصلاً من أصول الحكم فى الإسلام.

www. ragai2009.com

[email protected]