لا أصل للخلافة فى الإسلام !
(4)
وبيان القرآن الحكيم واضح جلى، فهو لم يحدد شكلاً ولا نظامًا معينًا للحكم، وإنما أورد مبادئ يلتزمها كل حكم أيًّا كان شكله، محكومًا بهذه المبادئ الواضحة الجلية، والمؤكد أن الرسول عليه الصلاة والسلام لاقى ربه دون أن يستخلف أحدًا بعينه، ولو استخلف لما استطاع أحدٌ من أصحابه ومن المؤمنين به أن يخالف ما أمر به، ولا كان الأنصار قد اجترأوا على أن يجتمعوا فى سقيفة بنى ساعدة يوم وفاته لمبايعة واحد منهم يتولى أمر المسلمين، ولا كان عمر بن الخطاب قد اجترأ على أن يقول لأبى عبيدة بن الجراح امدد يدك أبايعك، ولما اقتصر أبو عبيدة فى عتابه له على الإشارة إلى مكانة أبى بكر الصديق ولكونه ثانى اثنين إذ هما فى الغار، ولذكر استخلاف الرسول (صلى الله عليه وسلم) له، ولكان الأولى بعمر وبأبى عبيدة أن يلتزما بمن استخلفه الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكان هذا هو أيضًا شأن أبى بكر نفسه ـ الذى كان عنوانًا للاقتداء بسنة النبى عليه الصلاة والسلام والالتزام بأوامره ونواهيه، ولما بدأ فى السقيفة بعرض مبايعة أحد الرجلين عمر أو أبى عبيدة، ولحاجى الأنصار والجميع بمن استخلفه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ولالتزم الجميع بهذا الاستخلاف.
فمن المقطوع به أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يستخلف أحدًا بعينه ولا حَدَّد نظامًا معينًا يلتزمه المسلمون فى الحكم، ولا تحدث إليهم بشىء من ذلك، وإنما اجتهد المسلمون ـ أصابوا أم أخطأوا ـ فى اختيار نظام يديرون به شئونهم على هدى المبادئ القرآنية الواضحة قطعية الدلالة وسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما بينهم.
ومعالم الحكم الواضحة فى المبادئ قطعية الدلالة التى استنها القرآن الحكيم، أن الحكومة حكومة مدنية، بمعنى أن القائم على الأمر ليس ممثلاً لله عز وجل، ولا يملك أن يتحدث باسمه، وإنْ كان عليه أن يلتزم بأوامره ونواهيه، وأن يسترشد بالمبادئ التى قررها سبحانه وتعالى لولاية الأمور.
ومن الواضح فى هذه المبادئ أن الحكومة فى هذه الآيات القرآنية لمصلحة المحكومين، لا لتجبر الحاكمين.. فليس لأحدٍ أن يدعى لنفسه ما أُمِرَ الرسولُ عليه الصلاة والسلام بالتزامه، أو ما أُمِرَ باجتنابه.
فقد أُمِر أمرًا واضحًا بأن يشاور المؤمنين فى الأمر، وأُمِرَ بأن يخفض الجناح لمن اتبعه من المؤمنين، وأُمِرَ بأن يوضح للناس أنه ليس إلاَّ بشر مثلهم يوحى إليه، وأن يحكم بينهم بالعدل، ونُهِىَ نهيًا صريحًا أن يكون عليهم جبارًا، وقيل له أن يُذكِّر، فإنما هو مُذكِّر، وليس عليهم بمسيطر.
وليس لأحدٍ أن يدعى لنفسه ما يجاوز ما كان للرسول عليه الصلاة والسلام.
ولم تكن سيرة النبى عليه الصلاة والسلام إلاَّ تطبيقًا لما أمره به ربه سبحانه وتعالى، فكانت نبوته نبوة تبليغ وهداية، أطاع فيها ربه، ولم يَدّع لنفسه إحاطةً بالغيب، ولا علمًا يجاوز ما أمره الله تعالى بتبليغه.
أَمَرَهُ ربُّهُ عز وجل، بأن يبدى للناس أنه ليس إلاَّ بشرًا رسولاً اصطفاه ربه لحمل وأداء الرسالة «قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً» (الإسراء 93).
وأُمِرَ عليه الصلاة والسلام بأن يوضح للناس أنه ليس منجمًا ولا يعلم الغيب، ولا يملك لنفسه نفعًا لا ضرًّا إلاَّ ما شاء الله، وأنه لو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير وما مسّه السوء.. فما هو إلاَّ نذير وبشير لقومٍ يؤمنون..
يأمره ربه تبارك وتعالى: «قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (الأعراف 188).
www. ragai2009.com