يتوقع جاربيس إيراديان الخبير الاقتصادى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – مينا MENA- بمعهد التمويل الدولى IIF انكماش اقتصاد السعودية 5.2 % خلال العام الجارى بسبب تداعيات فيروس كورونا وتأثيراته السلبية على أسعار البترول و إنتاجه.
وجاء فى تقرير المعهد الصادر فى الأسبوع الأخير من الشهر الجارى أن اقتصاد المملكة السعودية من المتوقع أن يستعيد عافيته خلال العام المقبل ويحقق نموا بحوالى 2.3 % بفضل القطاع الخاص غير البترولى الذى يركز حاليا على تشجيع قروض المبانى السكنية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتمويل الصادرات غير البترولية.
وتشير تقديرات إيراديان الذى أشرف على تقرير IIF أن اقتصاد السعودية هوى بحوالى 11 % خلال الربع الثانى من هذا العام بعد انكماشه 1 % فى الربع الأول بسبب القيود التى فرضها وباء كورونا على الأنشطة الاقتصادية والانخفاض فى إنتاج البترول بناء على اتفاق منظمة أوبك وحلفائها (أوبك +).
وأوضح التقرير أن هناك تحسنا بدأ يظهر خلال النصف الحالى مع تباطؤ معدل حالات العدوى من مرض كوفيد 19 وتخفيف القيود المفروضة على الأنشطة الاقتصادية لتنتعش القروض المقدمة للقطاع الخاص مع ارتفاع مؤشر مدراء المشتريات و تزايد إنتاج الأسمنت، علاوة على عودة رحلات الطيران و السماح بأداء مناسك العمرة.
ومع ذلك يرى إيراديان أن عمق الانكماش خلال العام الجارى و سرعة التعافى فى 2021 يعتمدان بدرجة كبير ة على الشكوك التى ما زالت تخيم على وباء كورونا و موعد انحساره وقدرة شركات الأدوية العالمية على ابتكار أمصال وعقاقير للوقاية منه وعلاجه.
وتحتل المملكة السعودية المركز 31 على العالم مع ارتفاع عدد الإصابات فيها بمرض كوفيد 10 إلى حوالى 333 ألف حالة والوفيات تقترب من خمسة آلاف ضحية منذ بداية ظهور الوباء وحتى الآن وفقا لإحصائيات وكالة بلومبرج الأمريكية للأنباء.
أكبر انخفاض للناتج المحلى السعودى هذا العام
وأكد إيراديان أن تدابير التوسع النقدى يمكنها أن تخفف من انكماش الاقتصاد السعودى بسبب الوباء وهبوط أسعار البترول ولاسيما أن مؤسسة النقد، ساما SAMA، التى تعد بمثابة البنك المركزى فى المملكة خفضت سعر الريبو بحوالى 125 نقطة أساس لينزل إلى 1 % وطبقت آليات تشجع البنوك التجارية على تأجيل تحصيل قروض القطاع الخاص لمدة ستة شهور إتخذت أيضا تدابير نقدية تحفيزية بلغت حوالى 3 % من الناتج المحلى الإجمالى لدعم القطاع الخاص ولاسيما المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى لا تستطيع مواجهة الصدمات الهائلة مثل الأزمة الصحية الراهنة.
وإذا كان التضخم فى أسعار المستهلك زاد خلال الشهر الماضى بحوالى 6.4 % بسبب ارتفاع ضريبة القيمة المضافة فى يوليو الماضى لتصل إلى 15 %، إلا أن أسعار الأغذية والمشروبات قفزت بأكثر من 14 % كما ذكر تقرير المعهد الذى يتوقع أن تؤدى زيادة هذه الضريبة مع ارتفاع أسعار السلع بدون الوقود إلى ارتفاع متوسط التضخم إلى 3.6 % هذا العام بالمقارنة مع انكماش الأسعار بنسبة %2.1 العام الماضى غير أن الضغوط الرامية لرفع لأسعار ستستمر العام القادم مع تحسن ثقة المستهلك وإنفاقه ليصل متوسط التضخم إلى 3.8 %.
ومن المتوقع أن يظل معدل البطالة مرتفعا فى المملكة السعودية خلال الأعوام القادمة فى ظل غياب انتعاش قوى فى الاستثمار الحكومى حيث يحتاج الاقتصاد غير البترولى إلى نمو 3.5 % على الأقل لكى يستوعب عدد الذين يدخلون سوق العمل كل سنة.
لكن النظام المصرفى يحظى بقوة واضحة وسيظل يتمتع بهذه القوة فى المستقبل بفضل الرسملة القوية والسيولة المتوفرة والكافية وهبوط نسبة القروض الحكومية التى تدور حول 2 % فقط من إجمالى القروض البنكية، علاوة على أن الشركات خفضت استثماراتها والأفراد قلصوا استهلاكهم غير أن الثقة فى النظام المصرفى مازالت قوية مع نمو الودائع بأكثر من 13 % فى يوليو الماضى لتسجل أعلى مستوى لها منذ أواخر عام 2013.
وقد يؤدى هبوط صادرات البترول السعودى إلى انخفاض الحساب الجارى الذى يتوقع المعهد أن يتحول من فائض 5.9 % العام الماضى إلى عجز 1.5 % مع نهاية العام الجارى برغم التراجع المرتقب فى الواردات بحوالى 12 %.
كان المعهد أعلن أن متوسط أسعار بترول حصة برنت ستبلغ 42 دولارا للبرميل هذا العام وقد ترتفع إلى 46 دولارا للبرميل إذا اختفت الشكوك حول كيفية احتواء وباء فيروس كورونا خلال الفترة القادمة، وإن كانت الأسعار ارتفعت خلال الشهرين الماضيين مع تعهد المنظمة وحلفاؤها (أوبك +) بتخفيض الإنتاج لدعم الأسعار.
وبلغت أسعار البترول 42 دولارا للبرميل فى المتوسط خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الجارى بعد أن هبطت لمدة ستة أسابيع خلال النصف الأول من هذا العام بسبب تزايد المخزون فى كبرى دول العالم وضعف الطلب جراء وباء كورونا الذى تسبب فى إغلاق العديد من الأنشطة الصناعية حول العالم.
وهوت أسعار البترول بدرجة كبيرة فى أبريل الماضى لتنزل إلى أقل من 16 دولار لبرميل برنت مسجلة أدنى مستوى لها منذ 21 عاما بسبب انتشار العدوى بفيروس كورونا وتوقف قطاعات عديدة بالاقتصاد العالمى ولكنها ارتفعت فى نهاية يوليو الماضى لتحقق مكاسب للشهر الثالث على التوالى بفضل تخفيضات إنتاج النفط الأمريكى فى مايو الماضى الذى سجل أدنى مستوياته.
أما الاحتياطى الأجنبى الرسمى السعودى فمن المتوقع أن يفقد حوالى 54 مليار دولار لينخفض إلى 445 مليار دولار مع نهاية العام الحالى أو ما يعادل واردات سلع وخدمات لمدة 28 شهرا غير أن معظم هذا الهبوط يرجع إلى قرار البنك المركزى بنقل تحويلات أجنبية إلى صندوق الاستثمار العام PIF الذى تقدر أصوله بحوالى 330 مليار دولار والذى يشترى بقوة حصصا فى شركات عالمية ولاسيما تلك التى تحقق أعلى أرباح وعوائد.
ويرجع أيضا الانخفاض فى الاحتياطى الرسمى إلى تدفق رؤوس أموال المقيمين فى السعودية إلى خارج البلاد والتى بلغت 99 مليار دولار، ولكنها ما زالت أكثر من تدفق رؤوس أموال غير المقيمين إلى داخل المملكة والتى توقفت عند 63 مليار دولار هذا العام حتى الآن.