قد يكون من حق الآليات الراهنة للعمل العربى المشترك- بعد طول لأي- التطلع بالأمل للنتائج التى يمكن أن تسفر ابتداء عن القمة الثلاثية العربية التى انعقدت فى عمان 25 أغسطس الحالى بين كل من مصر والأردن والعراق التى تمثل ثلاثتها علاقة اعتمادية ذات جذور تاريخية مشتركة لدى الجبهة الشرقية العربية الآخذة فى التأكل- بأقله- منذ غزو العراق 2003، وحيث سبقت القمة اجتماعات تمهيدية مماثلة فى العامين الأخيرين بهدف مكافحة التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، قبل أن يتزامن اللقاء الثلاثى الحالى مع تشكيل العراق حكومة جديدة تبدو عازمة على إعادة ترتيب أوضاع البلاد الداخلية، وتحركاتها الخارجية على المستويين الإقليمى والدولي، مقارنة بسابقاتها التى كرست جهودها بالدرجة الأولى في أطر ضيقة لمفاهيم التعاون مع كل من إيران وتركيا، ما جعل رئيس الحكومة العائد على التو من واشنطن بدعم أمريكي كبير على المستويين السياسي والاقتصادي، موضع استبشار معظم الأطراف المعنية ذات الصلة بالأزمة العراقية، كما تتزامن القمة مع مبدئية تمسك الموقف الأردنى وفى معيته السلطة الفلسطينية.. رفضهما لمخطط ضم إسرائيل أراضي من غور الأردن وفى شمال البحر الميت، وبالتوازى مع استمساك مصر تضمين المبادرة الأميركية المطروحة للسلام الاتجاه إلى «حل الدولتين»، ما يشكل جبهة مشرقية متجانسة الأهداف، بالتوازي مع اشتراطات خليجية تسبق توقيع الاعتراف بإسرائيل، تقودها دولة الإمارات ضمن دورها القومى المتنامى، خاصة فى ليبيا واليمن، وفى مواجهة كل من تركيا وإيران.. اللتين تتزايد خروقاتهما السياسية والعسكرية والأمنية داخل العراق، الذي يسعى لاستعادة دوره الريادي في المنطقة، ذلك فيما يتشارك كل من مصر والأردن- من جانب آخر- مع كتلة الاعتدال العربية 6+2 (باستثناء قطر) الضالعة لأسبابها فى الانحياز للإقليميات غير العربيات، وخصمًا من الرصيد المتناقص للمشروع العربى الذي يواجه مخاطر التوسع الإقليمي، لولا الأمل الذى يبعثه مؤخرًا أقطاب التعاون المستحدث المشرقى، فى أوصاله، والذى أكد بيانه «أهمية تعزيز التعاون.. لترجمة العلاقات الاستراتيجية على أرض الواقع».. كما الاستفادة من الإمكانيات الوطنية سعيًا لتكامل الموارد بين البلدان الثلاثة فى المجالات المتعددة (..)، بما فى ذلك التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية.. ما يؤدى إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967».
إلى ذلك كان من الطبيعى استمساك السعودية بمرجعية المبادرة العربية للسلام ٢٠٠٢ (الأرض مقابل السلام)، وما قد يعنيه ذلك من تلازم الإيقاعات المترتبة بالنسبة لمشروع «نيوم»، كما كان من الطبيعى من زاوية أخرى أن يثير التعاون الثلاثى المصرى العراقى الأردنى.. مخاوف إيرانية انعكست فى التصريحات الصادرة ضده من المسئولين فى طهران، التى تسعى إلى محاولة محاصرته من خلال تفعيل نفوذها فى العراق، وفي التوصل من ثم إلى اتفاق استراتيجى بين البلدين ربما يتم الإعلان عنه فى أقرب فرصة، ذلك فيما من المفترض للتحالف العربى المستحدث.. الذى قد يشكل نواة صلبة لمشروع عربى جديد، المسارعة فى تفعيل العلاقات، وانفتاحها، مع قوى إقليمية ودولية، سواء لمواجهة الأطماع التوسعية غير العربية داخل الإقليم، أو فى التجاوب بندية مع مساع غربية- أميركية وبريطانية- لإقرار عملية سلام حقيقى مع الفلسطينيين.. الذين بدونهم.. وفى معية مصر والأردن- لا يمكن لأحد غيرهم التوقيع نيابة عنهم على اتفاق سوف يتضمن عندئذ بذور نزاعات استراتيجية متجددة، ولتبقى من ثم المبادرة العربية ضرورة فى هذا الشأن، إذ دونها سوف يثير تذمر قوى عربية، وتُخلق الذرائع من جانب آخر لانتهاكات كل من تركيا وإيران فى جبهات عربية متعددة، ما يهدد الأمن والسلم الإقليمى والدولى، إلا أن تباشر أطراف التحالف العربى البازغ، ومَن سوف ينضم إليه مستقبلًا، دورًا متوازنًا بين الشرق والغرب يحفظ تحقيق الأهداف المنوط بها «المشرق الجديد».