يراهن المستثمرون، مع اتساع نطاق الحرب التكنولوجية الأمريكية الصينية، على الجهود التى تبذلها حكومة بكين لتشجيع شركاتها المحلية على ابتكار مكونات متطورة بدلا من استيرادها من الشركات العالمية ومنها إنتل ومايكروسوفت وأوراكل وIBM الأمريكية، ولاسيما أن مؤشر CSIINT لقطاع شركات التكنولوجيا الصينية كسب حوالى %30 هذا العام حتى أغسطس الجاري بما يعادل ضعف مكاسب مؤشر CSI300 لكبرى الشركات الصينية.
وإذا كانت شركات التكنولوجيا الصينية تعتمد بدرجة كبيرة على التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة لدرجة أن حوالى %95 من الخودام الصينية تستخدم وحدات معالجات مركزية CPU من شركة إنتل إلا أن شركة تشاينا تيليكوم تخطط لاستخدام %20 من خوادمها البالغ عددها أكثر من 56 ألف من إنتاج شركات صينية مثل كونبينج وهايجون دايانا المنافسة لشركات أمريكية مثل إنتل وAMD.
ويرى وو كان مدير إدارة المحافظ المالية بشركة سوشو سيكيوريتيز، والذى يستثمر فى كبرى شركات التكنولوجيا المحلية مثل تشاينا ناشيونال سوفتوير اند سيرفيسيز وتشاينا جريوول تكنولوجى جروب وبكين كينجسوفت أوفيس سوفتوير، أن الحرب التجارية والتكنولوجية التى تشنها واشنطن ضد بكين ستجعل المستقبل يتجه نحو عالم واحد ولكن بنظامين.
وذكرت وكالة رويترز أن بعض المحللين والمراقبين للبورصات العالمية يحذرون من أن أسعار أسهم شركات التكنولوجيا الصينية تقل بحوالى 60 مرة من المكاسب التى تحققها فى الأسواق المالية ولذلك فإن هذه الشركات ستستغرق سنوات حتى تصبح شركات كبرى عالمية، لكن وو كان يبرر التباين بين الأسعار والمكاسب بوجود دعم حكومى مباشر لها، بالإضافة إلى توقعات النمو المتفائلة لهذه الشركات التى تتطور بسرعة هائلة مثل هواوى وعلى بابا وتينسينت وغيرها.
وأكد جى لو رئيس شركة روبيكو الصينية لأبحاث أسواق التكنولوجيا أن تزايد الضغوط الأمريكية على شركات الاتصالات والكمبيوتر الصينية وتقليص مبيعاتها العالمية سيساعد على تزايد حصتها فى السوق المحلية أكبر سوق استهلاكية فى العالم مما يقلص مبيعات الشركات الأجنبية ومنها الأمريكية والأوروبية داخل الصين.
كانت وزارة التجارة الصينية أعلنت نهاية الأسبوع الماضى أن بكين ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية مصالح شركاتها المشروعة، وأنه يجب على الجانب الأمريكى أن يصحح تصرفاته الخاطئة فوراً ولكنها لم تكشف عن تفاصيل بخصوص ردها على على تحرك الولايات المتحدة مؤخرا لتشديد القيود على شركة هواوى تكنولوجيز عملاق التكنولوجيا التى تواجه أنشطتها مثل تطبيقات وى شات وتيك توك صعوبات منذ أن وضعتها الولايات المتحدة على القائمة السوداء لأول مرة منذ أكثر من عام.
وطالب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لى جيان حكومة الولايات المتحدة بالكف عن تقويض الثقة فى الشركات الصينية وأكد على أن الحكومة الصينية ستواصل اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية الحقوق المشروعة للشركات الصينية ولاسيما فى مجال الاتصالات والتكنولوجيا.
ووسعت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بداية الأسبوع الماضى نطاق القيود المعلنة فى مايو من هذا العام بهدف منع شركة هواوى لمعدات الاتصال الصينية العملاقة من الحصول على أشباه الموصلات دون ترخيص خاص، وأضافت هذه القيود 38 شركة تابعة لهواوى فى 21 دولة إلى القائمة الاقتصادية السوداء للحكومة الأمريكية فى إطار الإجراءات الرامية لمنع وصول الشركة إلى الرقائق الالكترونية الأمريكية المتقدمة والمتاحة تجاريا لأى شركة فى العالم.
وحذر مسؤولون تنفيذيون وخبراء من أن القيود الأمريكية المتزايدة على هواوى – والتى أدت إلى إغلاق ثغرات محتملة فى عقوبات مايو الماضى والتى ربما سمحت لهواوى بالحصول على هذه التكنولوجيا عبر أطراف ثالثة، ربما تعرقل حصول الشركة الصينية حتى على الرقائق الجاهزة بالفعل وتهدد عرشها كأكبر صانع للهواتف الذكية فى العالم وتعطل إمدادات التكنولوجيا العالمية.
وتؤكد هذه القيود الخلاف المتزايد فى العلاقات الصينية الأمريكية وتزايد ضغوط واشنطن على الحكومات فى أوروبا وآسيا لتضييق الخناق على شركة هواوى التى تسعى لتصبح رائداً عالمياً فى صناعة الاتصالات، بزعم أن هواوى ستسلم بيانات المستخدمين فى أنحاء العالم إلى حكومة بكين لأغراض التجسس ولكن شركة هواوى تنفى أنها تتجسس لصالح الصين.
وحذر نيل كامبلينج رئيس أبحاث التكنولوجيا والإعلام والاتصالات لدى شركة ميرابود سيكيوريتيز من أنه إذا استمر الخنق والضغط الذى تتعرض له هواوي فسيكون لذلك تداعيات خطيرة على قطاع أشباه الموصلات، ولا يزال الرد الصينى غير معلوم ويمثل خطرا كبيرا على صناعة الموبايلات والانترنت على مستوى العالم.
ويتوقع العديد من المحللين اختفاء أنشطت هواوى فى مجال الموبايلات إذا لم تتمكن الشركة الصينية العملاقة من إيجاد مصدر للحصول على الرقائق نتيجة تشديد القيود الأمريكية عليها، والتى من المرجح أن تمنح شركات صينية أخرى مثل شاومى وأبل الأمريكية فرصة لزيادة حصتها فى السوق.
ويمثل الحظر الأمريكى على شركات الاتصالات والتكنولوجيا الصينية انتكاسة لموردى الرقائق العالميين أيضا، على الأقل فى المدى القريب، إذ يتعين عليهم التقدم للحصول على تراخيص تتوافق مع القواعد الجديدة ولم يتضح بعد عدد الموردين الذين سيطلبون هذه التراخيص وما إذا كانوا سيحصلون عليها أم لا، وربما تتأثر أيضاً شركات تصنيع شرائح الذاكرة آسيوية ومنها سامسونج وSK هاينيكس فى كوريا الجنوبية وسونى اليابانية وميدياتك التايوانية، وكذلك أوروبية ومنها شركة صناعة الرقائق الألمانية إنفنيون، التى تعتبر هواوى عميلا رئيسيا لمنتجاتها المتعلقة بإدارة الطاقة، وAMS النمساوية المتخصصة فى أجهزة الاستشعار.
وتنص القيود الأمريكية الجديدة على أن الشركات التى تبيع أشباه الموصلات عليها أن تتأكد من معرفة المكان الذى تنتهى فيه جميع منتجاتها، حتى لا يشارك فى أى معاملة شركة تابعة لهواوى مشتريا أو مرسلا إليه، سواء كان وسيطا أو مستخدما نهائيا غير أن من المحتمل أن يكون هناك بعض الشركات الفائزة على المدى الطويل إذا اضطرت هواوى للتخلى عن مكانتها كأكبر صانع للموبايلات الذكية فى العالم.
وتستحوذ شركة هواوى حاليا على حوالى %45 إلى %50 من حصة سوق الموبايلات فى الصين، وإذا تأثرت هذه النسبة فمن المحتمل أن تكون شركات شاومى وأوبو وفيفو الصينية للموبايلات السمارت من أكبر المستفيدين من خسارة هواوى التى من المحتمل أيضا أن تخسر المزيد فى سوق الموبايلات العالمية ومحطات شبكات الجيل الخامس الأساسية لتعود الفائدة لصالح سامسونج وأبل.
ويتوقع المحللون فى شركة دونج شينج سيكيوريتيز للأوراق المالية أن تؤدى الضغوط الأمريكية على شركة هواوى إلى مكاسب قدرها تريليون يوان (حوالى 145 مليار دولار) خلال الثلاث سنوات القادمة للشركات الصينية الأخرى فى السوق العالمية.
ومع ذلك يجب على حكومة بكين أن تشجع الشركات على تطوير منتجاتها التكنولوجية لمواجهة الضغوط الأمريكية وإلا ستفقد مكانتها كلاعب قوى فى مجال الاتصالات العالمية ولذلك تتجه حكومات إقيمية عديدة فى الصين لتكوين تحالفات فى صناعة الاتصالات للترويج لاستخدام تكنولوجيا كونبينج التابعة لهواوى، ومنها شركة ووشانج التابعة لمجموعة يونيكوم التى تنتج خوادم وأجهزة حاسبات باستخدام تكنولوجيا كونبينج.
ويقدر زانج تشى رئيس شركة شين دينج كابيتال لأبحاث الأسواق المالية أن تتمكن مؤسسات الحكومة الصينية من تغيير الرقائق الأمريكية فى جميع أجهزة الكمبيوتر التى تستخدمها واستبدالها برقائق من إنتاج الشركات الصينية خلال الخمس سنوات القادمة.
وتتوقع شركة ناشيونال سوفتوير اند سيرفيسيز التى تنتج نظم تشغيل وبرامج سوفت وير أخرى تنافس ويندوز وIBM وأوريكل أن ترتفع إيراداتها هذا العام بنسبة %70 لتتجاوز 10 مليارات يوان كما قفزت أرباح شركة بكين كينجسوفت أوفيس سوفتوير بأكثر من %143 خلال النصف الأول من العام الجارى مع إتجاه حكومة بكين لتعزيز أمن المعلومات والاعتماد على الشركات المحلية لمواجهة الضغوط الأمريكية المتزايدة.