عزيزي القارئ، في – وهي الأولي من ست حلقات- بمقالي الذي عنونته بـ” أريج للتأمين و الموت المؤسسي البطئ كما يجب أن يكون”، مهدت خلالها بمقدمة عن السطر الأخير الذي كتبته الجمعية العمومية الغير عادية ، للشركة ، والتي تُعد واحدة من أعظم المؤسسات التأمينية في الوطن العربي – سيتم إرافاق رابط الحلقة الأولي ، في نهاية المقال الحالي، لمن أراد الإطلاع عليه مجددًا أو حالت ظروفه عن قراءته وقت نشره-.
في المقال التالي، سأوجز القرارات التي اتخذها المسئولون بكل جناح من جناحي الشركة وكان لها دور كبير في القتل المؤسس البطيء لأحد أعظم الكيانات التأمينية في المنطقة.
ويمكن تصنيف القرارات إلي ثلاثة، أولها له علاقة بقطاع الاستثمار في المباشر، والثاني مرتبط بقطاع إعادة التأمين، والثالث، يمكن توصيفه بأنه أمورًا مشتركة.
علي كلِ ، نظرًا لأهمية الموضوع، سأكتفي بالتطرق إلي النوع الأول من القرارات، المرتبط بالاستثمار في المباشر- نظرًا لضيق المساحة حينا ووقت القارئ أحيانًا-.
أولا: – قطاع الاستثمار في التأمين المباشر:-
اتخذ قطاع الاستثمار، كباقورة توليه مقاليد السيطرة، العديد من القرارات الكارثية على أريج ، تلك القرارات سارت بالتوازي مع القرارات “الغير موفقة” في قطاع إعادة لتودي بالشركة الى ما آلت اليه، وكان من أسوأ تلك القرارات: –
1 – الدخول في تملك حصص حاكمة في شركات تأمين مباشر:
ارتبطت أريج بعلاقات عمل متميزة ، مع جميع الأسواق بصفة عامة، والأسواق العربية بصفة خاصة، وكانت جميع الأسواق العربية بالذات سعيدة وفخورة بالنجاح الذي حققته وتحققه أريج، وحريصون كل الحرص على دعمها.
عُقٍدَت عدة اجتماعات مع إدارة الشركة في ذلك الوقت ، لدراسة قرار الدخول في مجال المباشر، وكان رأي جميع قيادات قطاع إعادة التأمين حينذاك ، عدم الدخول في هذا المجال ، لأنه سيؤثر بالسلب على علاقات أريج في مجال إعادة التأمين، فعندما تدخل أريج السوق المصرية مثلا كمنافس للشركات القائمة ، فإن تلك الشركات سوف تتحفظ كثيرًا عند إسناد عمليات إعادة التأمين، وحتى عندما تتعاون تلك الشركات في مجال الإعادة، فإن نوعية العمليات لن تكون من النوعية التي تود أن تكتتبها أريج.
موازنة مُخصصة لقطاع الاستثمار في التأمين
ومن ثم فقد كان قرار الدخول في مجال المباشر ، من القرارات الاستراتيجية الخاطئة التي أثرت سلبًا على الشركة ، ويبدو أن قطاع الاستثمار في مجال التأمين المباشر كان لديه موازنة مخصصة له، ومن ثم لم يعط قطاع الاستثمار لنفسه فُسحة من الوقت لتقييم التجربة ، وتفادي أية أخطاء، بل توسعت أريج في هذا المجال، وبسرعة تملكت شركات في لبنان “ALIG” ، وفي الأردن “AJIG” ، وفي مصر “AMIG” ، وفي البحرين ” AL- AHLEIA” ، وفي المغرب أيضا، وبالرغم من فشل بعض الشركات في تحقيق المأمول منها ، إلا أن البعض كـ “أميج AMIG ” ، وكذا الشركة بالمغرب حققتا نجاحات كبيرة لاينُكرها إلا مُغيب.
ولكن بعد أن بدأت تلك الشركات تؤتي ثمارها ، وهدوء عصبية الأسواق العربية ، تجاه دخول أريج في التأمين المباشر ، قامت أريج ببيع تلك الشركات.
وأود هنا التأكيد ، على أن أريج دخلت في التأمينات المباشرة في توقيت خاطئ ، وخرجت في توقيت خاطئ أيضا ، أُختير بعناية ربما لخدمة مصالح تتعارض مصالح أريج على المدى الطويل.
2 – التأمين الطبي :
استمرارًا لسياسة الاستثمار في التأمين المباشر، أقحمت أريج نفسها وبقوة في مجال التأمين الطبي، كان ذلك من أسوأ القرارات التي اتُخِذَت في تاريخ أريج، وناهيك عن طبيعة هذا الفرع التأميني، والتفكير، مجرد التفكير ، في الاستثمار في هذا الفرع التأميني فقد شاب تنفيذ القرار العديد من المثالب أو السلبيات: –
أولاها- تعيين ثلاثة مديرين ، في كل من مصر والسعودية والإمارات، اثنان منهما لا علاقة لهما بالتأمين على الإطلاق، وكانت أول وظيفة لهما في التأمين هي تمثيل أريج في تلك الأسواق ، والإشراف على عمليات الإكتتاب مع الشركات المتعاقد معها في تلك الأسواق، أما ثالثهما فكان دون المستوي ، وسبب لأريج خسائر رهيبة نتيجة سوء قراراته التأمينية في المملكة العربية السعودية، ودون مبالغة كانت التعويضات تصل أريج من المملكة العربية السعودية في “زكائب” أو “أجولة”- جمع جِوال-.
ثانيتها- له علاقة بإدارة التأمين الطبي ، والتي كانت غير منضبطة على كافة الأصعدة ا، لفنية والإدارية، وكبدت الشركة خسائر فادحة ، ليس فقط نتيجة سوء الإكتتاب ، بل نتيجة إرتفاع مصروفاتها الإدارية والعمومية.
توظيف فتيات لإدخال بيانات التعويضات والنهاية غلق الفرع كليًة
لقد تم توظيف العديد من في ذلك الوقت ، فقط لإدخال بيانات التعويضات في نظم الحاسب الآلي، واحتلت تلك الفتيات دورًا كاملًا من مبنى أريج، إنتهى الأمر بغلق هذا الفرع التأميني بعد أن كبد أريج خسائر جسيمة، يقال إنها تجاوزت 30 مليون دولار!!!!، دون ان نسمع أو نقرأ عن مساءلة لأي أحد من المسئولين عن ذلك بأريج.
ثالثة تلك المثالب- فمرتبط بتأثيرات الفشل في مجال التأمين الطبي ، على ، والتي يكفي أن نقول حدث عنها بلا حرج، حيث قامت أريج ببيع منتجها التأميني ، من خلال شركات محددة في كل سوق ، مما جعل باقي الشركات تقف في موقف غير صحي بالنسبة لعلاقتهم مع أريج في إعادة التأمين.
3 – الاستثمار في مجال البرمجيات:
قامت إدارة الحاسب الآلي بأريج ببذل جهدِ متميز في تطوير برامج حاسب آلي تخدم نشاطها في مجال إعادة التأمين وقامت ببيعها للشركة المغربية لإعادة التأمين.
وتفتق ذهن القائمين على إدارة الحاسب الآلي ، على تطوير تلك البرنامج لتخدم أنشطة التأمين المباشر، وحاولت أريج بشتى الطرق فرض تلك البرامج على الشركات التابعة ، وبأسعار مبالغ فيها ، وهم مدركون تمامًا ، أن هناك خلل هيكلي رهيب بتلك البرامج ، وأنها لا يمكن أن تعمل بكفاءة أقل من المتوسطة بوضعها آنذاك ولكن “لا حياة لمن تنادي”.
على سبيل المثال ، عانت شركتي الأهلية للتأمين بالبحرين ، وأميج في مصر – وتلك معلومة- وقضت الشركتان شهورًا ، في محاولة الوصول الى نقاط التقاء من أجل حل مشاكل البرامج دون جدوى.
المشكلات التي واجهت البرامج الجديدة
وكانت أهم مشكلتين تواجهان تلك البرامج: –
أ- ضعف خبرة وعدد القائمين على تطوير أو تعديل تلك البرامج.
ب- لم يكن لدى اي فرد من فريق المطورين ، أية خلفية عن التأمين المباشر، وطالبناهم بضرورة الاستعانة بأحد خبراء التامين لمساعدتهم على فهم كيفية إدارة دولاب العمل، وإعادة بناء البرامج من الصفر.
والحقيقة أن إدارات الشركات التابعة لأريج ، لاحظوا أن الإدارة العليا بقطاع الاستثمار ، كانوا يحاولون فرض سياسة الأمر الواقع على الشركات التابعة!!! مما خلق العديد من المشاكل مع الشركات التابعة.
تعامل الإدارة مع المشاكل برفض الإستماع لوجهات النظر
المؤسف في الأمر أن الإدارة المسئولة في أريج ، تعاملت مع تلك المشاكل على أنها مشاكل منفصلة ومختلفة ، رغم تماثلها التام، وقد رفضت الإدارة المسئولة حينذاك فكرة عقد اجتماع مع جميع الشركات التابعة ، للاستماع الى وجهة نظرهم والوصول لحل.
رفضت لأنها متيقنة أو تُدرك أن الجلوس على طاولة المفاوضات ، سيكون نهاية لما تحاول فرضه على الشركات ، فقررت السير في سياسة فرض الأمر الواقع ، على موظفي الشركات التابعة .
بعد التأكد من عدم نجاح البرامج ، قامت إدارة أريج بإنشاء شركة تحت مسمى ” أريما” ، لم يُكتب لها النجاح ، وتم في النهاية التخلي عن حُلم التميز في مجال ، بعيد تمامًا عن نشاطها الرئيسي، بالضبط كما تخلت عن التأمين المباشر والتأمين الطبي، ناهيك عن الخسائر الجسيمة التي تكبدتها أريج في مشروع فاشل كان معروف مقدما أنه لا طائل من ورائه.
في الحلقة المقبلة- بإذن الله- سنتطرق إلي النوع الثاني من القرارات، المرتبط بقطاع إعادة التأمين.