احتفل التليفزيون المصرى منذ أيام بمرور 60 عامًا على بدء بث إرساله، “المال” حاورت إبراهيم الصياد، رئيس قطاع الأخبار الأسبق، حول ماسبيرو ومدى ما يتمتع به من مكانة في حاضره وليس ماضيه فحسب..
بدايةً شدد إبراهيم الصياد، رئيس قطاع الأخبار الأسبق، على أنه لا يحبّذ التحدث عن أمراض الإعلام المصرى الحالية لأنها قُتلت بحثًا، لكن ما يجب التركيز عليه هو أن الإعلام هو إبداع ورؤية، ولكن لكي يحقق التليفزيون المصرى ذلك، فعلينا أولًا أن نحلّ مشكلاته الفنية والإدارية والمالية، فالدرس المستفاد من كل محاولات التطوير السابقة هو أن من الصعب تطوير الشاشة فى ظل وجود كل تلك المشاكل.
وأوضح الصياد أن هناك مشاكل مالية عديدة، أهمها أن العديد من المُحالين للتقاعد لم يحصلوا على مكافأة نهاية الخدمة؛ لأنه لايوجد تمويل لها، كما أنه لا يوجد تمويل للإنتاج، فجميع التمويلات التي تدخل المبنى تذهب لتسديد مستحقات العاملين.
قرار رفع قيمة الرسم المفروض على السيارات يسهم فى دفع جانب من ديون ماسبيرو التى تقدر بـ35 مليار جنيه
وأثنى الصياد على قرار رفع قيمة الرسم المفروض على السيارات التي بها راديو 100 جنيه يخصص جزء منها من أجل دعم الهيئة الوطنية للإعلام، والتي تتكبد خسائر فادحة سنويًّا، ويرى أن ذلك سيسهم فى دفع جانب من ديون ماسبيرو التى تقدر بـ35 مليار جنيه، وتمويل عمليات تطوير إعلام الدولة.
التليفزيون المصرى لديه إمكانيات هائلة من طاقات وعقول إبداعية
وأكد الصياد أن التليفزيوزن المصرى لديه إمكانيات هائلة من عقول وطاقات أبنائه الإبداعية؛ لو تم توظيفها بشكل أفضل لكانت الأوضاع في ماسبيرو قد اختلفت بشكل كبير.
وأشار إلى أنه بعد انتشار الفضائيات فى العالم العربى فإن العديد من أبناء ماسبيرو وكفاءاته تركوه وذهبوا للعمل بتلك القنوات، وعندما قررت الحكومة المصرية فى عام 2011 إيقاف التعيينات فى ماسبيرو، أدى ذلك إلى أن ماسبيرو قفل على نفسه مكتفيًا بالموارد المتواجدة، فكل ما حدث منذ 2011 حتى الآن هو إعادة تدوير للمتواجدين فقط، فأدى ذلك إلى تجميد التطوير، فلا تطوير دون وجوه وعقول جديدة، لذا فإنهم عندما أرادوا تطوير ماسبيرو لم يجدوا أمامهم سوى اللجوء إلى شركات من خارج التليفزيون المصري، لكن التطوير الذي تم لم يكن هو ما يتوقعه المشاهد، فما حدث هو مجرد استيراد برامج من قنوات أخرى، و هذا لا يمكن اعتباره تطويرًا.
التطوير الأخير فى قطاع الأخبار أكد أن مشكلته عدم الاستعانة بقدر كبير من أبناء القطاع
وعن التطوير الذي حدث فى نشرة الأخبار أثنى الصياد عليه وأكد أن مشكلته هي عدم الاستعانة بأبناء قطاع الأخبار- إلا عددًا قليلًا منهم- مؤكدًا أنه لو كان قد تم الاستعانة بهم لكان التطوير قد حقق نجاحًا أكبر، فكل من جيء بهم من الخارج أظهرت التجربة أنهم يحتاجون بالفعل إلى تدريب.
وأكد الصياد أنه لو كان ماسبيرو يطمح لتطوير أكثر فاعلية فيجب عليه البحث عن وجوه جديدة، فلا يجب أن يكون الإعلام حكرًا على وجوهٍ بعينها بحجة أنها وحدها قادرة على جلب الإعلانات، ضاربًا المثل بما حدث في برنامج “مصر النهاردة”، وفى النهاية فشِلت التجرية.
ونوه الصياد بأنه إذا حُلّت مشاكل ماسبيرو الإدارية والمالية، فمن الممكن أن نفكر فى إنشاء قناة إخبارية بعد ذلك، فالرئيس عبد الفتاح السيسى طلب من قبل إنشاء قناة إخبارية تكون قادرة على المنافسة على مستوى الإعلام الإخباري في العالم العربى، وهو ما لم يتم تحقيقه حتى الآن، مؤكدًا أن صمت الرئيس حتى الآن لا يعني أنه نسي لكنه يتابع، لذا أطالب زملائي القائمين على صنع السياسية الإعلامية فى مصر بأن يعتبروا أن الأوان قد آن لإنشاء قناة إخبارية تواجه الإعلام المُعادي المتمثل فى الجزيرة وغيرها.
لا بد من إعطاء فرصة لوجود قيادات من الشباب فى ماسبيرو
وأشار الصياد إلى أن قطاع الأخبار وقناة النيل الدولية والنيل للأخبار هي نوافذ إخبارية متميزة بالفعل، لكن جميعها تحدث نفسها أو تتوجه بحديثها للداخل، وقد آن الأوان أن نحدّث غيرنا وأن نتوجه بحديثنا للرأى العام العالمى في القضايا التي تهمنا مثل قضية أثيوبيا وسد النهضة؛ لأنها قضايا غامضة بالنسبة للرأى العام العالمى، وكذلك الموقف في ليبيا، وذلك يجب أن يكون من خلال سياسة تحريرية للأخبار منضبطة، وهذا يتطلب وجود استراتيجية فى المستقبل، مؤكدًا أن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال إعطاء الفرصة للقيادات الشابة.
وحول ما ينقص محاولات تطوير ماسبيرو هل هو التمويل أم الرؤية الإعلامية أم الكوادر المتطورة، أكد الصياد أن التطوير لا بد أن يعتمد على الشباب والوجوه الجديدة، يجب أن نتعلم تجهيز الصف التانى والثالث من القيادات، لا أن تجارب القيادات كل من تظهر مواهبه خوفًا على كراسيها.
وأكد الصياد أن مشاكل ماسبيرو المالية يمكن أن تُحل بإحياء قطاع الإنتاج وأن نضمَّ إليه شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات والقطاع الاقتصادى؛ وذلك حتى نستطيع وضع رؤية نضع من خلالها استراتيجية للإعلام تشمل الأخبار والبرامج والدراما، وتأخذ في اعتبارها أن الإعلام صناعة يعنى استثمار ولا بد من وجود موارد.
الإعلام يحتاج إلى ميثاق شرف إعلامي حتى يكون إعلامًا حرًّا
وعن الحرية فى ماسبيرو على مدار الأعوام السابقة، أكد الصياد أنه على ماسبيرو أن ينقل رسالة إعلامية حرة ويقدم الخبر الحى من مصدره، وأن تكون له صلة بمصادر صنع واتخاذ القرار والمؤسسات الإعلامية، وذلك يتطلب أن يكون أداء العاملين به يتسم بقدر كبير من المهنية، مؤكدًا أن التليفزيون والإذاعة المملوكين للدولة هم الذين قاموا بتغطية كل الأحداث والأزمات التى مرت بها مصر، لكننا نحتاج إلى شجاعة فى اتخاذ القرار، وهو أمر يحتاج إلى المهنية، وهذا لن يتحقق إلا بوجود ميثاق شرف إعلامى يلتزم به الإعلاميون، وسياسات تحريرية تلتزم بها المؤسسات، وتحديدًا ماسبيرو.
هناك فترة متميزة فى تاريخ ماسبيرو على مدار الـ60 عامًا
وأشار الصياد إلى أنه كانت هناك فترات متميزة فى جوانب كثيرة على مدار الأعوام الـ60 السابقة من تاريخ ماسبيرو، وفترات كان بها صعود وهبوط، فأثناء فترة وجود صفوت الشريف، على سبيل المثال، كانت علاقته قوية بالسلطة، وهذا أفاد العمل الإعلامي بشكل أو بآخر، لكن ما حدث في الفترة الأخيرة التي سبقت 25 يناير هو أن العديد من رجال العمال في الحزب الحاكم- الحزب الوطنى- دخلوا لعبة الإعلام، مما أدى إلى حدوث تزاوج بين الإعلام والسلطة، وعند اندلاع ثورة 25 يناير انهارت كل الأنظمة، بما فيها الإعلام، مؤكدًا أنه أثناء توليه منصب رئيس قطاع الأخبار حاول تدارك أخطاء الماضي وإنشاء نظام إعلامى قوى حر، وكان حرًّا في اتخاذ القرار، وكان يتحمل مسؤلية الخبر.
وأضاف الصياد أن هناك فترة فى قطاع الإنتاج كان يتم إنتاج أفضل دراما بها، وهى الفترة التي تولّى فيها ممدوح الليثى رئاسة قطاع الإنتاج، وكان صفوت الشريف وقتها وزيرًا للإعلام الأسبق، وأنتج القطاع وقتها مجموعة من أفضل المسلسلات، مثل الراية البيضة وغيرها، كما تم إنشاء قطاع قنوات النيل المتخصصة وقطاع القنوات الإقليمية وقطاع الأخبار فى عام 1993، سواء اتفقنا أو لم نتفق مع صفوت الشريف.
وذكر الصياد أن الفترة التى تميز ماسبيرو بها فى إنتاج البرامج هى فترة أنس الفقى الوزير الأسبق للإعلام؛ لأن الدولة أعطت مساحة من حرية وقتها، وقد حقق برنامج “البيت بيتك” نجاحًا كبيرًا وقتها، كما أنتج أيضًا عددًا من البرامج المميزة.
وذكر الصياد أن فترة الإخوان كانت سيئة، فقد كانوا يريدون أخونة الإعلام، بينما كان من المفترض في تلك الفترة أننا اتفقنا على أن الإعلام يكون إعلام الشعب.
وعن بداياته فى ماسبيرو أوضح الصياد أنه كان مثل أى طالب متخرج حديثًا يحلم بالعمل فى التليفزيون، موضحًا أنه دخل التليفزيون في عام 1977، أي بعد مرور 17 عامًا على إنشائه، وذلك حينما تقدَّم لمسابقة مذيعين ومحررين ومترجمين، ومر بالعديد من الاختبارات حتى تم اختياره قارئًا للنشرة، وذلك دون أي واسطة، فبدأ السلم من أوله ليستمر لمدة 40 عام في العمل بالإعلام حتى وصل إلى منصب رئيس قطاع الأخبار.
تعلمت على أيدى جيل من عملاقة الإعلاميين فى بدايتى
وذكر الصياد أنه تعلَّم على أيدي جيل من عملاقة الإعلاميين الذين أضافوا له بشكل كبير، أمثال همت مصطفى، أحمد سمير، زينب سويدان، محمود سلطان، درية شرف الدين، زينب الحكيم، حلمى البولك، وعبد الوهاب عطالله، وجمعيهم أسماء تعلق فى الذاكرة، مضيفًا أن عدد أسماء مذيعي الأخبار وقتها كان محدودًا للغاية، مقارنة بما هو عليه الآن.
وأضاف أن أول من ساعَدَته فى الأخبار كانت هي الإعلامية نوال سرى التي كانت رئيس البرامج الإخبارية، موضحًا أنها دفعت به للسفر للتدريب في تليفزيون ألمانيا، وذلك بعد بدء عمله بالأخبار بعامين، منوهًا بأن هذه الخبرات والتجارب في ماسبيرو علّمته كيفية التعامل مع الخبر بشكل منهجى علمى، وقد طبق ما تعلّمه فى أثناء حواراته ولقاءاته التليفزيونية.
وأشار الصياد إلى أنه قبل إحالته للتقاعد وضع عينيه على عدد من الزملاء لترشيحهم لمواضع اتخاذ القرار، وتقدم بأسمائهم للدكتورة درية شرف الدين التى كانت وقتها تتولى منصب وزير الإعلام، لكن نحن لم نعتد على ذلك فى ثقافتنا، فيجب مزج الخبرات مع الأجيال الجديدة، وليس من الضروري من خلال توليتهم مناصب إدارية، لكن من خلال ضمّهم لمجلس حكماء؛ لأن الإعلام وظيفة لا تعرف التقاعد، وفى نفس اللحظة تحتاج دائمًا للدفع بالعناصر والقيادات الشابة إلى الصورة.