«المزاجىّ» ينافس «النعسان» نحو البيت الأبيض

«المزاجىّ» ينافس «النعسان» نحو البيت الأبيض
شريف عطية

شريف عطية

7:49 ص, الثلاثاء, 21 يوليو 20

بعد تبوء 45 رئيسًا للولايات المتحدة السلطة، لم تشهد الانتخابات الرئاسية منذ 2016 مثل تلك المسرحية الهزلية التى لا تليق بالعرض على الخشبة السياسية أمام آلاف الملايين من المشاهدين فوق الكوكب البشرى، أنفاسهم محبوسة من هول ما سوف يسفر عن الرئيس القادم لأقوى دول العالم، لا يتوانى مع المرشح المتنافس معه عن تبادل أقذع الكلم.. الذى سبق للأوساط السياسية تداوله فى العقد الأخير 2009 / 2017 -لأول مرة- لوصف أول رئيس أميركى من أصول أفريقية «باراك أوباما» عبر مفردات بذيئة صار من الطبيعى بعدئذ أن تلوكها الألسنة بين النخب والعامة على السواء، حتى بدا كمنهج أخلاقى معيب لا ينتقص من قدر الرئيس فحسب، بل يمثل أيضًا إهانة بالغة لمجمل مؤسسات الدولة، وهيبتها الآخذة فى التدنى بمختلف أقاليم العالم، كاستثناء غير مسبوق بين الدول العظمى أو الصغيرة بسيان.

إلى ذلك، ورغم مزاجية «ترامب» وانفلاتات لسانه التى لم يسلم منها حتى نظراؤه من رؤساء الدول أو غرماؤه ومنافسوه الحزبيون، ناهيك عن تعدد التحقيقات البرلمانية معه أو عن الكتب الفاضحة والمسيئة التى تتحدث عن غرائبياته.. إلخ، فقد كانت فرص إعادة انتخابه وحتى عام مضى.. هى المرجحة إن لم تكن محسومة لصالحه، إذ لا تلتفت جموع الناخبين بين مؤيد ومعارض إلا للمؤشرات الاقتصادية الإيجابية التى تحققت فى فترة ولايته الأولى، كما للأصداء الطيبة عن شعبويته فى الخارج، خاصة بالنسبة للصين بوصفها مصدر الخطر المستقبلى الأكبر على الأحادية القطبية الأميركية، إلا أن معالجاته لجائحة كورونا التى لقيت استحساناً فى أول الأمر نظراً لعدم اتخاذه تدابير غلق البلاد وتعطيل الاقتصاد.. سرعان ما نتج عنها المعاناة المتصاعدة من الفيروس منذ يناير الماضى، والتى استخف بها ترامب قائلاً «إن كل شيء على ما يرام»، قبل أن يحصل العكس تماماً.. مؤدياً إلى تدهور مطرد فى شعبيته، فاقمها المظاهرات ضد العنصرية التى اندلعت فى البلاد إثر قتل الشرطة رجلاً أسود، فإذ بالحسابات تختلط رأساً على عقب فيما بين المخاطر الصحية.. وفى تركيبة البلاد الديموجرافية والاجتماعية والطبقية والعرقية إلى طبيعة النظام السياسى، ما لم يغب عن الحزب الديمقراطى صب المزيد من الزيت عليها، كأن الأمر عداء بين خصمين حزبيين لدودين، وليس بين متنافسين انتخابياً فى دولة واحدة على شفا الخطر، ولتتعرض من ثم صورة «الرئيس» الواثق سابقاً من نجاحه إلى التراجع.. فى إطار حسابات معقدة تحاصره بشكل مفزع، سواء باطراد مستويات البطالة إلى %14.7، أو هبوط الناتج الوطنى الإجمالى بمعدل %4.8 ، فضلاً عن توقعات بتقلص الناتج المحلى الإجمالى لنحو %30، ما يلحق بالبلاد حالة غير مسبوقة تقارب ظاهرة الكساد الكبير 1929، ليس من المنتظر التعافى منها قبل منتصف 2021، ما يشكل تحدياً لترامب يماثل ما واجهه الرئيس «روزفلت» فى الثلاثينيات، إما أن ينجح فى تجاوزه كسلفه الأسبق أو أن يبتلع الفشل مستقبله السياسى.

فى موازاة ما سبق من سياق بشأن «ترامب» الذى يصف منافسه الرئاسى الديمقراطى «بايدن» بـ«جو النعسان»، ذلك فى إطار استراتيجية الفوز بالانتخابات التى يعتمد جانب كبير منها فى الهجوم على الخصم، وهو ما يجيده ترامب، يبدو «بايدن» رغم نقاط ضعفه، متقدماً فى حملته الانتخابية التى تكتسب قوة دفع ملحوظة لا تعود إلى شخصه بقدر ما ترجع إلى الظروف المجتمعية الطارئة السابق الإشارة إليها، وتحدّ من فرص نجاح «ترامب» التى كانت حاسمة حتى أوائل العام الحالى، إلا إذا أوفى بما وعد من هزيمة «كورونا»، وإعادة بناء الاقتصاد وتعزيز قوة المؤسسة العسكرية.. إلخ، ما يشكل برنامج عمل لفترة رئاسته المقبلة، فى مواجهة أفكار هلامية، بحسب المراقبين، مهووس بها «بايدن» عن إنجازات غير مسبوقة.. لإعادة بناء أميركا، وإن كانت تميل باستطلاعات الرأى إلى جانبه، خاصة مع استعداده- وحزبه- لفعل أى شيء للفوز بالرئاسة، حتى ولو تحول عن أفكار وسطية ليبرالية – ليقتبس كثيراً من أفكار سابق خصومه من الاشتراكيين الديمقراطيين (ساندرز مثالاً)، الأمر الذى قد ينعكس على سياسته الخارجية، سواء بالنسبة لآسيا ( المحيط الهادي) التى يعتبرها كأولوية مثل «أوباما»- «كلينتون» 2010 “المنطقة الأهم استراتيجياً واقتصادياً فى القرن 21”، أو بالنسبة للشرق الأوسط التى يعتبر الديمقراطيون أكثر حسماً من الجمهوريين بشأن معارضة خطة إسرائيل ضم أراض من الضفة الغربية المحتلة إليها، فيما يراعى الجمهوريون الحرص على عدم فقدان أصوات الإنجيليين (المسيحية – الصهيونية) الذين يهددون بحجبها عن «ترامب» حال عدم إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر بشأن «الضم»، ما قد يفسد تمرير خطته للسلام «صفقة القرن»، وإذ يمثل «ترامب» اليمين الشعبوى المتحالف مع اليمين الإسرائيلى، خاصة فى انتخابات تبدو قريبة لكليهما، فإن «بايدن» مع الديمقراطيين يوجهون انتقادات إلى سلوك بعض الحكومات بالشرق الأوسط على خلفية حقوق الإنسان والحريات «الدينية»، ما يمثل المعالم الرئيسية لكل من السياستين الداخلية والخارجية لدى الحزبين الكبيرين فى تنافسهما الشرس بين «المزاجي» و«النعسان» نحو البيت الأبيض.