مصر 2020 .. استثمارات الردع وحرب البقاء!

مصر 2020 .. استثمارات الردع وحرب البقاء!
محمد بكري

محمد بكري

7:00 ص, الأثنين, 20 يوليو 20

الردع؛ هو تفاعل خصمين يمتلكان قدرات متكافئة نسبيا، ولكل طرف إيذاء الآخر بذات المستوى، ولكنهما يحاولان التعقل بحسابات الخسارة والمكسب، ليتجنب كل طرف الحرب المتوقعة، بالمحافظة على الاستعدادات فى حالة تأهب، بصورة تقنع الآخر بان تكلفة أى هجوم ستكون أكبر من اى مكسب يهدفه. حقيقة الردع فى جدية التلويح باستخدام القوة دون تنفيذها وفقا لحسابتها، بتوفير كم بشرى موظف للقتال، قوة التسليح، احتراف المناورة الميدانية والسياسية.

فهل ما تقوم به مصر حاليا داخليا وخارجيا، ردعا لأجل بقائها؟

لا خلاف ان مصر فى حالة حرب حقيقية بعد 2013/6/30!

كان من الممكن ان تكون الوطأة على مصر أقل، لو اكتفت بحماية نفسها وغرقت فى علاج ميراث آثن عمره 60 عاما، مفعما بالضغائن والتقسيمات والتطرف وجماعات الضغط والمصالح ووعى جمعى دينى، سياسى، اجتماعى، طبقى، ثقافى مهتريء ومتسطح، تم معه من خلال أدوات مُحكمة ـ كالإعلام والسوشيال ميديا والفن والدين ـ فصل مصر «كمعنى ومكان ودولة وادارة» عن الوعى الحقيقى للشعب بها «كوطن ودولة»، لتسيطر المصالح الفئوية والطبقية والجماعية والخاصة على توجهات واداء الناس، ليكون الشعار العام (عاوز حقى) فى تركة جسد يضم الجميع، ولا يتبادر لوعيهم ان فناء الجسد، يحتم فنائهم بالضرورة!

السبب الحقيقى للحرب على مصر ـ فى تقديرى هى تجاوزها كل ذلك برؤية متقدمة جدا، وتصميمها خطة حقيقية لصيانة المكان وعلاقات الانسان، لتهيئتهما لدور وتواجد دولى غير متوقع او مفهوم اقليميا فى هذه الظروف؟ نشر مجلس الوزراء المصرى كتابا بعنوان (مصر مسيرة الانجازات) لتوثيق مشروعات الإدارة المصرية منذ 2014، باستثمارات 4 تريليونات جنيه! اخترقت الاستثمارات فى 6 سنوات، البنية التحتية للمكان لتعيد تدفق الدم فى شرايينه الزراعية والمرفقية والعسكرية والتقنية والسياحية والصحية، والأخطر تطوير الصورة الذهنية لمصر من خلال قرارات وتحركات وتحالفات دولية مدروسة وبطيئة النمو، لنتائج مستهدفة غير معلنة. وبنظرة بانورامية على دول الربيع العربى المباشرة وتلك المتأثرة، حتما نعترف بأن مصر سلكت طريق (اللاعودة) إلا بما استهدفته!

المعضلة الحقيقية لدى اصحاب الوعى الجمعى المنفصل ـ من الجيل الحالى هى إنتقاد تعمير الحجر لا البشر؟ الاهتمام بالتسليح وإهمال التعليم؟ ثورة الكبارى والشوارع وتجاهل البلطجى والجائع؟ وغيرها من مقارنات المصالح الآنية، المفتت فيها الوعى بمعنى الوطن والدولة والمستقبل، بمنطق (احيينى النهارده وموتنى بكره)! ولكن الحقيقة ان مصر من دول الخلود، ولكنه أى بقاء؟ بقاء المهمش والتابع والمتفّلك ام القائد والمساهم فى وضع قوانين اللعبة الجديدة؟ لكل من الخيارين تكلفته وحساباته ومخاطره وأعدائه أيضا، ورغم وجود عدة سلبيات ومثالب ونقص فى التغيير، فهناك وقت يجب على الأمم ان تختار بين الأيدلوجية والبقاء.

ما قامت به مصر منذ 2014 تطويرا خارقا لمعنى الردع الاستراتيجى، فاستثمارات مصر فى الحجر (البنية التحتية والتسليح والتنمية) فى حقيقتها استثمارات رادعة لحزمة الطامعين، بان هناك دولة جديدة تبزغ بصورة جادة، لا تحتمل فقط المقامرة بتنمية حقيقية وميراث قدرى، بل تتقدم بطموح يتجاوز جعل المستقبل خيرا من الماضى، الى ان نحيا لنستمتع بهذا المستقبل.

فمصر الجديدة باستقرار تجديد شبابها، تحالفاتها السياسية، مواردها الجديدة من الغاز والبترول والكهرباء، نسبة الشباب فى المجتمع وقابليته للتعليم والتدريب، كنوزها السياحية والأثرية، والاخطر وجود إدارة تدير وتدفع وتضغط ذلك برؤية ممنهجة صارمة، تجعل المشهد يقول ان مستقبل استثمارات الردع حقيقية وقادم حتما، وهذا هو السبب الحقيقى للتكالب الواقع حاليا على مصر.

اعطنى بلدا واحدا فى العالم يحارب فى الاتجاهات الخمسة فى وقت واحد، بالتوازى مع جائحة كورونا!؟ فالطرف الآخر فى الردع هنا ليس بلدا واحدا؟ ولكنه منظومة العالم الجديد برمته ـ وهذا ليس تمسحا بنظرية المؤامرة ـ ولكن صليب الآلام المصرى موجعا ويشد أوصالها من 4 جهات! ليبيا غربا/اثيوبيا جنوبا/الجهاديين بسيناء شرقا/تركيا شمالا! والاخطر منهم الوعى الجمعى السلبى بقلبها، من الناكر او الغافل لحالة الحرب.

الملفت ان استثمارات الردع المصرى 2020 مختلفة، لانها تلوح باستخدام امكانيات دولة حديثة حققت فى 6 سنوات ما تأخر فى 60 سنة! فالتفوق المصرى فى رفع صليب الآلام غالب ـ طبقا لمفهوم الردع ـ ، ليبقى المأخذ الحقيقى هو الجبهة الداخلية المخترقة بتراكم اعلامى مخترق مرعب، أمرض الوعى الجمعى وشتته وفرقه وغلّب نرجسيته على حماية وعائه الذى يأويه ويأكل منه.

استهدفت استثمارات الردع المصرية دوما دراسة صُناع القرار فى حالات الصراع المتصالب عليها، باستنفاذ وسائل الدفع للعقلانية لاختيار الحلول الرشيدة، منعا من الخسائر المتبادلة، ورغم احتراف مصر مؤخرا لعدة ضربات وقائية كجزء من سياسة الردع، إلا أنها أسست مراكز قانونية دولية صارمة فى ليبيا واثيوبيا، تسمح لها باللجوء للردع الاعتراضى الحاسم، المعزز بالمشروعية والقاطع على الآخر أى تعويض أو انتقام.

تدير مصر حاليا واحدا من اضخم مشاريع الردع فى تاريخها القديم والحديث! فلم يسبق لها مواجهة هذا التصالب المهدد لوجودها غرقا، او طعنا او استنزافا فى وقت واحد! واذا كانت استثمارات الردع منكورة أو مشككة من الداخل، فهى مرصودة من الخارج لحقيقة قيمتها، والوقت أزف حتما للعمل بمنتهى الجدية لتأسيس ادارة اعلام جديدة تنقذ الوعى الجمعى، بقدر وفهم الموقف وحالة الحرب، وإلا قد تنجو مصر عسكريا، وتبؤ استثماراتها بالبوار لا قدر الله، نتيجة وصمة شعبها بالموبوء ـ وعيا وصحة ـ لعدم تجاوز كورونا مثلا، فنعزل بشريا او نحجب تصديريا!

الموضوع جاد وخطير، وإلا تفجر قلب صليب الآلام وجعا، بعد ذوبانه فى المرحلة القادمة، بمكر الله تعالى!

* محامى وكاتب مصرى