الإسلام فى كتابات منصفة (3)
من الفوارق الكبيرة بين اليوم والبارحة، أنهم كانوا بأمس يفهمون أبعاد القضية ومساحة العداء للإسلام ورسوله وللمسلمين، ويملكون وسائل وأدوات التصدى لكثير من اللغو الذى حفلت به من قرون كتابات الغرب من افتراءات وخرافات وعداء دفين ضد الإسلام ورسوله مما تغدو معه الرسومات المسيئة كقطرة فى محيط.. لم يحصر آباؤنا وأجدادنا أنفسهم فى صراخ أو تظاهر أو ولولة، وإنما استنطقوا مخزون علمهم، وشرعوا أقلامهم بالعربية وبغير العربية ــ لبيان شامل محيط لا يتمحور فى محض رد فعل متشنج أو حتى غير متشنج، وإنما يتسع بفهم وعلم وحجة ليقدم لقراء العربية ولغيرهم بياناً وبحوثا شافية تعرف بحقيقة الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتحض المسلم ذاته على أن يكون بسلوكه صورة مشرفة للإسلام.
وقد رأينا فى كتاب حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل صورة لافتة للإحاطة بما كتبه عن الإسلام ورسوله ــ المستشرقون والمبشرون، والمنصفون وغير المنصفين وهم أكثر، ولكتابـات كتاب الغرب بعامة ــ أعانه على ذلك إلمامه بالإنجليزية والفرنسية، ووعيه لمعرفة جذور هذه الضغينة التى يحملها الغرب للإسلام.
ظنى أن علو حناجرنا جاء على حساب دور عقولنا. أشعر بالخجل من الحاضر حين أجوب مثلا فى دوحة العقاد، فأرى حجم وعمق ما قدمه هذا العملاق للإسلام بلا صخب ولا ضجيج ولا انفعال.
هل تذكرنا فى ردود أفعالنا الصاخبة بلا طحن، ماذا فعل العقاد فى كتاب واحد: «ما يقال عن الإسلام» ؟!.. فى أكثر من ثلاثين مقالاً، جاب أركان الأرض غرباً وشرقاً، وجنوباً وشمالاً، فى أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا، واستقصى العشرات من الكتابات هناك عن الإسلام وقرآنه ورسوله.. يقول فى تقديمه للكتاب إن صفحاته مجموعة من المقالات عن الكتب التى ألّفها كتاب الغرب عن الإسلام من شتى وجهات النظر، وإنه اختار الأكثر شيوعا واعتبارا فى العصر الحديث، ليلخصهـا ويعقب عليهـا ويناقش ما يحتاج منها للمناقشة، وجمعها فى كتابه ما يقال عن الإسلام يبتغى بها المزيد من التعريف بالإسلام والبحث عن حقائقه وأباطيل خصومه، لعلها تغنى طلاب المعرفة من القراء فى الأمم الإسلامية.
يتناول العقاد فى مقالاته المتنوعة، الإسلام والعصر الحديث، والإسلام والثقافة الأفريقية، ويوضح الفارق بين العقيدة الإلهية فى الإسلام وغيره من الأديان، والفارق بين الأديان المغلقة كاليهودية.. وبين الأديان المفتوحة أو أديان الدعوة كالإسلام، وأوضاع وقضايا المسلمين السود فى أمريكا، ومفهوم الجهاد فى الإسلام.. وأغلاط المبشرين فى نقد القرآن.. وغير ذلك من الموضوعات التى خاضت فيها كتب الغربيين. فهل كل هذه الأشتات صادرة عن نية واحدة أو قصد واحد ؟ يتوقف العقاد عند هذا السؤال ليقول : إن المهم فى هذه الكتابات هو محك الإخلاص فى كتابتها. فمن هم المخلصون منهم ؟ ولماذا يخلصون ؟
المخلصون إما طلاب معرفة أو طلاب عقيدة، وقد يجمعهما طلب الحقيقة فى عالم العلم وعالم الضمير، وفيما عدا هؤلاء يندر الإخلاص فى كتابات الذين عرضوا فى الغـرب للمسلمين أو لما اعتقدوه أو تعودوه، ولكنهـم فى قلة الإخلاص أو سوء النية أنواع ودرجات !.. عن هؤلاء وأولاء دبج العقاد مقالاته بيانا لحقيقة الإسلام ودحضا لدعاوى المتعصبين والماديين والملحدين والمبشرين الذين لا يقلون عداوة للإسلام عنهم. ظنى أنه فضلا عن الأثر العميق لهذه البحوث التى كتبها العقاد فى أمم الإسلام، فإن ترجمتهـا إلى اللغات الغربية قمينة بتجلية صورة وحقيقة الإسلام هناك، ودحض الدعـاوى والحمـلات والأغـلاط سـواء حركها العداء أم الجهالة أم نضوب المعرفة !
تذكرت وأنا أتابع قارئا أو كاتبا، حملات الإساءة للإسلام ـ ماكتبه العقـاد فى كتابه «الإسلام دعوة عالمية» عن آراء كتاب الغرب فى نبى الإسلام فأشار إلى كتاب «القادة الدينيين» Religious leaders .. من تأليف هنرى توماس ودانالى توماس..
بدآ ترجمتهما لنبى الإسلام قائلين: «فى القرن السابع، حين بدا على الدنيا أنها أصيبت بالجفاف، وحين فقدت اليهودية مولدها واختلطت المسيحية بموروثات الأمم الرومانية البربرية، نبع فى المشرق ــ فجأة ــ ينبوع صاف من الإيمان ارتوى منه نصف العالم…
وإن حكمة الله لعجيبة ذات قوة فى قضائها العجيب، فإن هذا الينبوع الصافى قد انبثق من أجدب بقعة بين بقاع الأرض قاطبة : صحراء الجزيرة العربية.. وتروى الأخبار المأثورة كثيراً من المعجزات والخوارق التى صحبت مولد محمد وطفولته، ولكن محمداً لم يذكر هذه المعجزات ولم يذكر قط معجزة متصلة بشخصه أو برسالته، لأنه لم يأت كما قال بغير معجزة واحدة هى معجزة القرآن الذى تلقاه من وحى الله.. وقد جاء بالدين ليدعو إلى ملة إبراهيم وموسى والمسيح على هدى جديد».
www. ragai2009.com
[email protected]