أصدر بنك الاستثمار رينيسانس كابيتال ورقة بحثية مفصّلة عن النظام المصرفي المصري، سلَّط خلالها الضوء على قاعدة الودائع ومقارنتها بالناتج المحلي، كذلك مقارنتها بأسواق إفريقية مثيلة.
ويرى “رينيسانس كابيتال”، في ورقة بحثية وصلت “المال”، أن مصر تمتلك قاعدة ودائع كبيرة مقابل حجم اقتصادها، وأرجع ذلك إلى 3 عوامل هي:
- إن حجم أوعية الادخار البديلة وأسعار الفائدة المرتفعة تاريخيًّا قد جذب المصريين في الداخل والخارج إلى النظام المصرفي المحلي، إذ تتمتع مصر اليوم بواحد من أعلى معدلات الفائدة الحقيقية في العالم بنسبة 4- 5%.
- أسهمت النسبة المرتفعة تاريخيًّا من ودائع العملات الأجنبية في النظام المصرفي منذ الثمانينيات، وانعكاس هروب رأس المال في التسعينات، إلى جانب ارتفاع أحجام تحويلات العاملين فى الخارج، في تضخم الودائع الأجنبية مقوَّمة بالعملة المحلية بمرور الوقت.
- إن عدم وجود نظام تقاعد عريض خارج الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي يعني أنه يجب على المصريين أن يخططوا بشكل فردي لتقاعدهم، وقد شجعهم ذلك على مر السنين على الاستثمار بشكل كبير في الأوعية الادخارية طويلة الأجل ذات العائد المرتفع إما من خلال بنوك القطاع العام او شهادات بنك الاستثمار القومي.
وسلّطت الورقة البحثية الصادرة عن “رينيسانس كابيتال” الضوء على النتائج الأكثر إثارة للاهتمام في النظام المصرفي المصري تم عرضها كالآتي:
تحديد حجم النظام المصرفي
نظرنا أولًا إلى حجم الاقتصاد والنظام المصرفي مقومًا بالدولار مقابل الأسواق الناشئة الرئيسية لدينا، وجدنا أنه في 2019 1) الناتج المحلي الإجمالي لمصر هو 0.8 ضِعف الناتج المحلي لنيجيريا، و3.7 ضِعف الناتج المحلي لكينيا، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي لنيجيريا هو 4.7 ضعف الناتج لكينيا.
2) ومع ذلك فإن الأصول المصرفية في مصر أكبر 2.4 مرة من الأصول النيجيرية، و7 أضعاف من الأصول الكينية، في حين أن الأصول المصرفية في نيجيريا أكبر 2.9 مرة من الأصول الكينية.
3) ومن ثم بلغت الأصول المصرفية/ الناتج المحلي الإجمالي 110% في مصر مقابل 29% في نيجيريا، و53% في كينيا.
بالكاد يبلغ عمر معظم البنوك الخاصة عقدين من الزمن
بدأت الإصلاحات المصرفية التي خلقت جولة كبيرة من خصخصة القطاع المصرفي فقط في عام 2003، وعندما ننظر إلى النظام المصرفي، ما زلنا نجد أدلة قوية على التأثير الحكومي والاستثمارات في أشكال مختلفة.
اما بالنسبة لنيجيريا فقد بدأ تحرير النظام المصرفي أوائل التسعينيات مما فتح بوابة المنافسة للقطاع الخاص وادى إلى ولادة بعض البنوك الرائدة في القطاع المصرفي النيجيري اليوم مثل Guaranty Trust Bank وAccess Bank، ولا تزال الإصلاحات جارية في مصر وسيكون هناك المزيد من الخصخصة، مما يعني استمرار تطور المشهد التنافسي.
لماذا يوجد عدد محدود من الحسابات المصرفية؟
بلغت نسبة الودائع للناتج المحلي الإجمالي في مصر 80% في عام 2018 وهو أكثر من ضِعف نيجيريا أو كينيا، ولكن عدد الحسابات لكل 100 ألف بالغ كانت أقل من نصف نسبة نيجيريا، ومجرد جزء من كينيا.
لقد وجدنا الأمر محيرًا، وبينما كان العثور على إجابة يتطلب المزيد من العمل، توصلنا إلى بعض الأسباب الممكنة، ساعد إلغاء أسعار الفائدة الحقيقية السلبية في عام 1991 عندما تمت إزالة الحدود القصوى لأسعار الفائدة على الودائع والإقراض، على زيادة تدفقات التحويلات من الخارج وعكس اتجاه هروب رأس المال من مصر.
وتعدّ مصر من أكبر متلق للتحويلات الخارجية في أفريقيا، كما ان البنوك المملوكة للحكومة كبيرة وتتمتح بحصة سوقية تزيد على 50%، مما يعني أن كميات كبيرة من الودائع المتعلقة بالحكومة ربما لا تزال موجودة داخل النظام المصرفي.
ونعتقد أيضًا أن الأوراق المالية الحكومية ذات العائد المرتفع وشهادات الادخار من كيانات القطاع العام قد ساعدت البنوك في الحصول على المزيد من الودائع من الاقتصاد غير الرسمي بمرور الوقت. بالإضافة إلى ذلك فإن عدم وجود واسع لنظام المعاشات الخاصة يعني أن المواطن يتحمل المسئولية الشخصية لتخطيط التقاعد أحيانًا من خلال الحصول على استثمارات عالية العائد ومنخفضة المخاطر.
بنك الاستثمار القومي والبريد المصري
يشبه بنك الاستثمار القومي الذراع الحكومي للاستثمار المباشر، من وجهة نظرنا، حيث يكون الأفراد بمثابة “شركاء محدودين” لتوفير مصادر تمويل طويلة الأجل عبر شهادات الاستثمار والمدخرات البريدية.
ونجد بعض التشابه في ذلك مع مع عمليات السوق المفتوحة للبنك المركزي النيجيري من حيث تقديم عائد مرتفع لسحب السيولة والتخفيف من المضاربة على العملة أحيانًا. يقدم البريد المصري الذي يعود إلى قرن من الزمان، من بين أمور أخرى، خدمات التحويل النقدي وحسابات التوفير في جميع أنحاء البلاد مع اختراق ريفي عميق، بشكل عام ، فإن عوائد الإيداع أعلى من 2- 3 أضعاف تلك في SSA.
ملاحظاتنا الأكثر إثارة للاهتمام
مصر لديها نظام مصرفي فريد من نوعه حيث إن معظم اموال المودعين في صورة ودائع آجلة وشهادات ادخار، وقد شكلت الودائع الجارية 11% فقط من إجمالي الودائع فى العام المالي 2018.
وترتب على هذا الهيكل أن متوسط عائد الإيداع في مصر أعلى بكثير مما نجده في SSA حيث تتمتع الحسابات الجارية بوزن أكبر، وعلى سبيل المثال ، كان لدى CIB تكلفة تمويل تبلغ 6.8% في السنة المالية 19 مقابل 2.6% لـGTBank، و2.9% لـEquity.
وقد ساعد إلغاء أسعار الفائدة الحقيقية السلبية في عام 1991 عندما تمت إزالة الحدود القصوى على معدلات الإيداع والإقراض، على زيادة تدفقات التحويلات الخارجية وعكس اتجاه هروب رأس المال من مصر.
وفقًا للبنك الدولي، حققت الودائع لأجل بالعملة المحلية متوسط عائد بنسبة 10.6% خلال الفترة 1980- 1989، بينما حققت الودائع بالعملة الأجنبية متوسطًا قدره 25.6% أخذًا فى الاعتبار انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار خلال الفترة.
وبلغ العائد الإجمالي لأصول الأفراد نسبة 14.6%، مقارنة بمتوسط معدل تضخم بلغ 16.24% خلال تلك الفترة.
أدى الحد الأقصى لعائد الودائع المحلية إلى الدولرة الكبيرة للودائع في الثمانينيات ، حيث أشار أحد المصادر إلى أن ودائع العملات الأجنبية للقطاع الخاص ارتفعت إلى 50% من إجمالي السيولة في أواخر الثمانينيات من 25% في عام 1981.
كما تجدر الإشارة إلى أن هروب رأس المال فى ذلك الوقت أدى إلى تراكم أرصدة كبيرة في الخارج. في حين أن الأرقام الدقيقة غير متوفرة، فقد تم وضع تقديرات بين 60- 80 مليار دولار.
وقد أدى ضعف الجنيه إلى تضخم المعادل المحلي للودائع الدولارية بمرور الوقت. علاوة على ذلك ساعدت إزالة الحد الأقصى للعوائد المحلية على عكس اتجاه هروب رأس المال وتحسين حجم التحويلات الخارجية.
نحن نعتقد أن عكس جزء من هروب رأس المال هذا في التسعينيات ساعد في توسيع قاعدة الودائع في مصر وقد يفسر جزئيًّا سبب وجود هذا العدد المنخفض من حسابات المصرفية في مصر لكل 100 ألف من البالغين مقابل نيجيريا وكينيا ، على الرغم من ارتفاع نسبة الودائع للناتج المحلي الإجمالي .
كانت مصر أكبر متلقٍّ للتحويلات الخرجية في أفريقيا فى العام المالي 2019، حيث استقبلت 27 مليار دولار تمثل 9% من الناتج المحلي الإجمالي، مع احتلال نيجيريا المرتبة الثانية عند 24 مليار دولار، و6% من الناتج المحلي الإجمالي.