المشهد الجارى فى الغرب ــ لا يقبل أن نغسل أيدينا منه بالولولة، ولا بالآهات، ولا ببيانات الشجب، ولا بالخطب العصماء. هذا المشهد يحتاج إلى محورين كبيرين بالغى الأهمية: مراجعة النفس مراجعة شاملة المظهر العام والسلوكى للمسلم بعامة، وموجات التطرف والمتطرفين وأثرهما المدمر بخاصة، وخطاب للآخر معنى به وموجه إليه بلغته هو حيثما هو لا بلغتنا نحن. وظنى أننا مفرطون حتى النخاع فى مراجعة النفس، وفى مناسبة ولغة خطابنا للآخرين!
على أنه يخطئ التشخيص من يظن أن الحملة الغشوم المطلقة الآن على الإسلام ــ طارئ جديد، فتاريخ الغرب فى النكير على الاسلام، وسوء فهمه والتهجم عليه وعلى رسوله الكريم ــ أمر قديم، يستطيع من يريد تقصيه أن يراجعه فى العرض الوافى جدا الذى أوردته الراهبة السابقة: كارين أرمسترونج فى كتابها الضافى: «محمد» الذى ترجمه الدكتوران محمد عنانى وفاطمة نصر. والمؤلفة إذ تتبع هذه الحملة الغشوم على الإسلام عبر قرون، تؤكد أنها تحققت من أن تلك الأحقاد دافعها المفاهيم المغلوطة والأساطير المختلقة، ثم
هى وراء ما يتبناه الغرب من مواقف إزاء «الآخر» وهذا الآخر ــ فيما تصرح ــ هو الإسلام! تقر الراهبة السابقة ــ أن لديهم فى الغرب تاريخاً طويلاً من العداء للإسلام، وبأنه راسخ الجذور مثل عدائهم للسامية، ولكن الكراهية القديمة للإسلام تواصل ازدهارها ــ فيما تقول ــ على جانبى المحيط الأطلسى، ولم يعد يوجـد وازع ــ والكـلام لهـا ــ يمنع الناس مـن مهاجمـة ذلك الدين حتى ولو كانوا لا يعرفون عنه إلاّ القليل. تعزو المؤلفة هذا العداء الحاضر إلى أنه لم يحدث قبل ظهور الاتحاد السوفيتى أن واجه الغرب تحديا يوازى التحدى الذى يمثله الإسلام. تزداد هذه الصورة جلاء لدى من يستصفى ويستقطر كتاب «صدام الحضارات» لصمويل هنتنجتون، وهـو ما تنبأ به العقاد من أكثر من نصف قرن فى الكثير من كتاباته.. إن عداء الغرب القديم للإسـلام يحمـل الآن بذور ودوافع وأغراض السياسة التى أقلقها ولا يزال تقدم الإسلام واتساعه.. أو على حد ما ورد فـى الدراسة البحثية التى نشرت مؤخـرا للمعهــد البحثى المسيحــى Christian Research Institute وهى متاحة على الإنترنت، وتؤكد أن الإسلام يزداد انتشاراً وقوة فى العالم، وأنه بات يمثل أقوى التهديدات أهمية للكنيسة الأمريكية، وأن المؤشرات تورى بأنه أسرع الأديان انتشاراً ونمواً فى العالم وفى أمريكا، وأن نسبة نموّه وانتشاره فى الولايات المتحدة ما بين سنتى 1989، 1998ـ قد زادت بنسبة هائلة، كذلك فى فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وأن المصادر المسيحية والإسلامية تتفق على تأكيد أن الإسلام هو أسرع الأديان والمذاهب انتشـاراً الآن فــى الولايات المتحدة، وأن الكتاب السنوى (2000) للكنائس الأمريكية والكندية أعطى مؤشـرات مقلقة لزيادة المسلمين، وتتوقف الدراسة البحثيـة حائرة فى محاولة استشفاف أسباب هـذا التزايد السريع فـى أعداد المسلمين، لتنقل فى النهاية عن جيمس دريتك James Dretke قوله: ـ «It is great thrill to see many Muslimes on our doorsteps. While we cannot easily gain entry in their countries.. God has brought them to ours» «إنها لإثارة كبيرة أن نرى الكثيرين من المسلمين على أعتابنا، وبينما لا نستطيع بسهولة أن ننال الدخول إلى أوطانهم ـ فإن الله قد أتى بهم إلى أوطاننا!!» سنظل متخلفين عن مواجهة الحرب الشرسة الضالة على الإسلام والمسلمين ما دام تعاملنا معها برد الفعل لا الفعل. من المهم أن نستوعب دوافع وأبعاد ووسائل وأساليب هذه الحملة ثم نتعامل معها بمنطق الفعل فى إطار رؤية شاملة وخطة مدروسة وبرنامج تفصيلى وأدوات وآليات فاعلة.
***
رأيت بنفسى كثيرًا من الرسـوم الكاريكاتيرية المنشورة بالدانمارك التى تسىء إلى رسـول الإسـلام ـ صلى الله عليه وسلم، وظنى من واقع ما لاحظته فيها من إسفاف مسف، وتطاول شنيع، واستهزاء مغرق فى السفالة ـ أنها تقصد قصداً إلى إثارة وإهاجة المسلمين، ودفعهم إلى ردود أفعال مغموسة بالغضب الذى تثيره بداهة هذه الإساءات البالغة المنحطة.. يعرف المتطاولون بالرسوم المسيئة على رسول الإسلام وعلى الإسلام، أنهـم لا يضربون فـى المليان، ولا يقدمون حجة على الإسلام أو شيئا ذا قيمة، وإنما هم يستهزئون ويسخرون ويسفون، ويعرفون أن هذا كله لا قيمة ولا طحن له ــ فماذا يريدون؟!. يريدون بالقطع إثارتنا.. ظنى أن أغلط أنواع رد الفعل هو الانفعال. هذا الانفعال هو المطلوب على الجانب الآخر ليكون شاهداً على المـراد. أننا ظاهـرة صوتية بانفعالات همجية لا تقدر حرية الرأى وحرية التعبير.. هكذا يقولون !.. نؤثر الغضب والثورة والضجيج على المناقشة والحوار. بعضهم يقول إن الدانمارك ــ مثلا ــ علمانية غير متدينة، وأن الغـرب بعامة لا يجد بأساً من التوغل فـى الأديـان. ألـم يخرجـوا فيلــم « الإغـواء الأخـير للمسيح» «of Christ The last temptation» صوروا فيه المسيح فى مشاهد جنسيـة مع مريم المجدلية على أنها مخايل راودته وهو على الصليب، وجعلـوه أباً لابنة مـن مريـم المجدليـة فـى فيلـم « شفرة دافنشـى» «The Davinci Code»، وجسـدوا جلـده وتعذيبـه وصلبـه فى فيلم « آلام المسيح».. «The passion of Christ»؟!.. فلماذا إذن يهتاج المسلمون على رسوم كاريكاتيرية؟!..
يتجاهلون بذلك أنهم هم الذين كتبوا وأخرجوا وصوروا هذه الأفلام، ويتجاهلون أن هذه الأفلام التى هم صانعوها ـ لا تسخر ولا تهين أو تستهزئ، بينما الرسوم الكاريكاتورية محض قلة أدب واستهزاء ولغو لا يرد عليه بمنطق أو بحجة أو بحوار!
www. ragai2009.com