الحديث عن الترجمة، حديث حاضر على الدوام، فهى نافذة تفتح على الفكر العالمى، وتضيف إلى العربية إضافات تصب فى الفكر والعلوم وفى الإبداع.. لا تستطيع أمة أن تنغلق على نفسها وتقطع بينها وبين ما ينتجه العالم وتبدعه قرائح أدبائه وفنانيه، وعقول علمائه ومبتكرات اختراعاته.. هذه الترجمة لعبت وتلعب دوراً بالغ الأهمية فى الإطلال على العالم، مثلما تتيح الترجمة العكسية من العربية إلى اللغات الأخرى فرصاً واسعة لتعرف العالم علينا وعلى إنتاجنا العلمى والأدبى والثقافى والإبداعى.. وتفتح لمفكرينا وأدبائنا مجالات واسعة للانتشار والتأثير، وتقيم هذه وتلك جسوراً حية وفهماً متبادلاً بيننا وبين شعوب العالم.
ومكانة الترجمة إلى العربية، وأثرها على الأمة العربية بعامة ـ مكانة قديمة، لعبت من خلاله دوراً حضاريا بالغ الأهمية فى تاريخنا القديم والحديث، لم يقتصر فقط على المساحة النشطة التى شغلتها مع بداية النهضة العلمية التى عرفتها مصر فى عهد محمد على، وإنما كانت ومن قبل ذلك عاملا أساسيا فى الانفتاح الواعى على الثقافات المحيطة فى العصر العباسى الذى تجاوز بكثير المحاولات الأولى للترجمة التى جرت فى العصر الأموى.
بفضل هذه الحركة التى ما انقطعت إلاّ لتعود إلى التواصل، انفتحت الحضارة العربية على التراث الإغريقى، وأدى معبر الأندلس الإسلامية إلى احتكاك ثقافى تبادلى بين الثقافتين الإسلامية والمسيحية وإلى قيام ثم ازدهار حركة الترجمة العكسية بين العربية واللاتينية، مع احتكاك على الناحية الأخرى بالثقافة الشرقية الهندية والصينية عبر الدولة الغزنوية، واقترنت حركة الترجمة النشطة بالهجرة التبادلية بين الفلاسفة والعلماء والأدباء، وإلى تلاقح امتد فى كل مجالات العلوم والطب والفلسفة والرياضيات والفلك والفكر والأدب، وإلى ذلك كله ترجع المكانة المرموقة التى بلغتها الحضارة العربية فى العصر الوسيط ، وهو هو الذى دعا مصر فى نهضتها الحديثة بعد بعوثهـا إلى فرنسا إلى إنشـاء مدرسـة الألسن ( 1835 ) التى كانت نواة بالغة الأهمية فى تأهيل المترجمين وتمهيد الأرض لإحياء حركة الترجمة والتى ساهم فيها مثقفو الشام بدور ملحوظ إلى جوار المصريين .
الاقتناع بدور وأثر الترجمة فى التنوير بل الإبداع، كان قاسماً مشتركاً لدى النقاد والمثقفين والمبدعين، وقد رأينا فى حديثنا عن الإذاعة كيف كان الإذاعى الموسوعى سعد زغلول نصار واحداً من الذين ضربوا بمعاولهم بدأب وإخلاص فى حقل الترجمة واستنبتوا تربتها قبل إنشاء المركز القومى للترجمة.. كان الإقبال على الترجمة محاولات فردية بإمكانيات فردية وبرؤية فردية يستقل بها المترجم اختياراً وأداءً، ويستطيع المتابع لحياتنا الثقافية أن يرى المحاولات الفردية التى بذلها الرعيل الأول وترجموا بها إلى العربية كثيراً من نفائس الفكر والأدب العالمى.. بهذه الترجمات أطللنا على روائع الأدب العالمى فى الرواية والشعر والمسرح والقصة القصيرة، وتعهدت بعض السلسلات الدورية بنشر هذه الترجمات بأثمان زهيدة.
www. ragai2009.com
[email protected]