خواطر مواطن مهموم (43)

خواطر مواطن مهموم (43)
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

7:10 ص, الأحد, 21 يونيو 20

مع انتهاء عام الدراسة الجامعية أحاول أن أخصص جزءًا من وقتى لاهتمامات نظرية، أو على الأقل لقضايا لا تكون عابرة خاضعة للموضة. وقضية تراجع أداء القيادات السياسية فى العالم الغربى تترأس قائمة اهتماماتى الحالية. وتراجع هذا الأداء بات يشكل خطرًا على العالم كله نظرا لثقل الغرب السياسى والاقتصادى والعسكري.

بدأ الصيف ومعه القراءات النظرية، إلا أننى لن أخوض اليوم فيما تعلمته إلى الآن، مكتفيًا بالقول إن القيادة والزعامة هما من أهم قضايا القرن العشرين وما تلاه، لأن الحداثة والثورة الصناعية وعصر الجماهير الغفيرة أدت إلى تعميم نمط من القيادة… الأصل فى هذا العصر على عكس النمط السائد قبله، أن القائد يقوم بقيادة ناس ليس بينه وبينهم معرفة سابقة. النمط كان موجودًا على مستوى قمة الدول والمدن الكبرى… ولكنه انتشر فى مطلع القرن التاسع عشر… فى المصنع المهندس يقود عمالا لا يعرفهم معرفة شخصية، فى الشركات يقوم المسئولون بتعيين عمال وموظفين وكوادر لا يعرفونهم. ولهذا التطور تبعات هائلة.

وأود أن أشير إلى أن تناولى للقضية يحاول ألا يكون منحازا، لن أقول مثلا عن الرئيسين ميتران وشيراك إنهما لم يكونا قائدين وزعيمين من الطراز الرفيع رغم تقييمى السلبى لحصاد رئاستهما. وأحذر القارئ من فخ قد أقع فيه… عدم التمييز بين القائد الذى لا يصلح قائدًا…والقائد ذى الحصاد السلبي. فى هذه السلسلة سأحاول تناول هذا وذاك. يمكن القول بصفة عامة إن حصاد من لا يصلح قائدًا يكون عامة سلبيا، ولكن هناك استثناءات… ولكن هناك قادة حقيقيين فشلوا فشلا ذريعًا.

قضية القيادة والقرار تشغلنى منذ بداية مشوارى العملي، لأسباب وطنية – فى مطلع الثمانينات كل مصر كانت مشغولة بالمقارنة بين ناصر والسادات، ولأسباب ذاتية نفسية – أجد صعوبة بالغة فى اتخاذ قرارات، تصورت فى بداية حياتى أن المشكلة كانت فى إدراكى لجهلى وسعيت إلى تثقيف نفسي… ولكن حصادى المعرفى فاقم من المشكلة ولم يحلها.

هناك «لغز» فى موضوع القيادة… الرئيس ريجان كان محدود الثقافة ومتوسط الذكاء، وله قناعات قليلة وقوية تؤثر سلبًا على مرونة تفكيره، وكانت قدراته على العمل محدودة بتقدم سنه، ولكنه رغم كل هذا كان رئيسًا عظيمًا… فهو يفهم عقلية الناخب الأمريكى ويجيد مخاطبته، ويعرف كيف يشكل فريقا كفئًا وكيف ومتى يفوض، وكانت قناعاته القليلة تلخص كالآتي… الإكثار من الضرائب يعوق حركة الاقتصاد، والنظام الشيوعى أكثر هشاشة مما يبدو ولن يستطيع الاستمرار إن مورس عليه ضغط. وبصرف النظر عن دقتها – لعبت أخطاء جورباتشوف دورا كبيرا فى انهيار الشيوعية بهذه السرعة- فإن هذه القناعات شكلت خريطة طريق تلائم متطلبات المرحلة…

وسلف ريجان الرئيس جيمى كارتر… كان ذكيا، مطلعًا على إنجازات العلم، محاطًا بمستشارين أكفاء، ورغم ذلك فإنه كان رئيساً فاشلًا، أو على الأقل هكذا بدا… وخسر انتخابات سنة 80 بطريقة مهينة… وحتى فى هذا اليوم ارتكب خطأ عندما اعترف بالهزيمة قبل إغلاق المكاتب الانتخابية فى بعض الولايات الغربية، مما دفع ناخبيه إلى عدم الذهاب للتصويت وهذا أثر على حجم الهزيمة… تعددت الاجتهادات لتفسير فشله… من يقول إنه كان حسن النية إلى درجة السذاجة… وهذا غير حقيقي…وهناك من يقول إنه كان مدركًا لأهمية «المتغيرات المجهولة» التى قد تفسد أى سيناريو محكم، وإدراكه هذا جعله مترددًا بطيئًا… وهذا جائز… وقطعًا لعب الحظ دورًا… وأعترف بأننى أحب تفسير السيد روبرت جيتس… كارتر انتخب حاملًا لبرنامج غير واقعي… وفهم ذلك عندما تولى مقاليد الحكم… وعدل من موقفه ونفذ سياسات تناقض برنامجه وظل خطابه ينكر هذا ويتستر عليه وهذا أغضب الجميع وتوه الكل…

يتبع

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية