هذا الحس القومى والإيمان بقضايا الحرية، وهذا الانتماء للمشروع القومى المصرى/ العربى، بكل ما يعكسه من قضايا الحرية بعامة، كان حاضرا فى كثير من الأعمال التى كتبها سعد زغلول نصار أو ترجمها.. نراه يترجم للكاتب الشهير كازانتزاكـس رائعته: «الحرية و/أو الموت» Freedom and death وهى رواية عن ملحمة تحرير كريت.. لا تقل روعة عـن روايته «زوربا اليونانى» التى جسدها سينمائيا القدير أنتونى كوين.. أروع ما فى كازانتزاكس ريشته الرائعة فى التصوير والوصف وتحليل الشخصيات، وغوصه الدقيق فى أعماق النفس البشرية ، والتزامه بقضايا الإنسان المعاصر وهمومه.. البطل عنده ليس بطلاً أسطورياً، وإنمـا هـو الإنسـان بقوته وضعفـه.. بمزاياه ونقائصه.. لـم يجعل من الكابتن ميخايليس بطل «الحرية أو الموت» بطلاً أسطورياً أو سوبر مان، ولا نزع كل المزايا عن عدوه المحتل التركى نورى بك، وإنما جعل يجدل قصة تحرير كريت فى بناء واقعى يصل إلى قمة التراجيديا حين يقتل الكابتن ميخايليس معشوقته زوجة نورى بك.. هل قتلها لصالح كريت فيما يصور لنفسه حتى لا ينشغل بها عن النضال رفيقه الكابتن «بوليكسيجس»، أم قتلها لأن الإنسان فى داخله يحب ويغار؟!.. هل كان بطل الرواية بطلاً بذاته، أم كان صنيعة الأحداث.. ألم تحول هـذه الأحـداث المدرس القارئ المسالـم : ابن أخ الكابتن ميخايليس، إلى بطل يؤثر الموت مناضلا إلى جانب عمه (؟!) فى هذه الدراما حـول «الحرية أو الموت» التى ترجمها سعد زغلول نصار فى تمكن واقتدار ونشرتها روايات الهلال (أبريل 1992) بمقدمة تنوه بالصرح الأدبى العملاق وبأن المترجم: «أحد ألمع نجوم الإذاعة والترجمة فى عصرهما الذهبى».
أما الحديث عن الترجمة فهو حديث متشعب، يشمل المترجم نفسه، والمادة المترجمة، والمتلقى، ودور الترجمة فـى التقدير المعرفى، والاتصال بين الثقافات، والتنمية الثقافية، والتعرف على ثقافة الآخر بعامة، وتنشيط الواقع الثقافى، وإثراء الحوار الحضارى.. الترجمة فى الواقع والهـدف نافذة للعلم والثقافة تطل على العالم وتغترف وتنقل مـا فيه مـن علـوم ومعارف وثقافات وتجارب وخبرات.. ما دور المترجم هذا كله : هـل هـو محض مترجم أم مؤلـف ؟.. مـا أهمية المعرفة أو الموهبة الأدبية فى الترجمة.. ألست تجد فارقاً فى النغم والمعمار بين ترجمة كل من أحمد رامى وعبد الرحمن صدقى لرباعيات الخيام ؟!.. ألست تجد فارقـاً ملموسـاً فى الترجمات المتعددة لديوان الشاعر بودلير : «أزهار الشر»؟.. كيف يصير النص الأجنبى نصًا عربيًا؟.. ما دور الترجمـة فى نقـل الأدب العالمى شعرا وقصّا ومسرحـاً وروايةً؟.. ما طبيعة وكنه الصلة بين الترجمة والأصل؟.. ما هىعناصر تكوين الشخصية الثقافية للمترجم بين العمومية والتخصص ؟ تجمع الدراسات وتجارب الواقع على أن مستوى الترجمة فرع على ثقافة ومواهب المترجم.. هذه المواهب التى دعت عديدين من المبدعين لتلبية دعوتها والإقـدام على ترجمـات متميزة اقتطعـوا لها أوقاتًا ثمينة مما يخصصونه لإبداعهم ـ إيمانا منهـم بقيمة ودور الترجمة فى إثراء واقعنا الثقافى.. كان المرحوم سعد زغلول نصار مقدمة جسر ممدود خارج من الإذاعة المصرية، مؤمن برسالته، فاهم لدورها، مشغول بكل ما يتضافر مع دورها فى التنوير والتثقيف بعامة، وفى رعاية المشروع القومى المصرى/ العربى بخاصة.. هذه الرعاية التى عاش سعد زغلول نصار وفيّا لها حياته صارفاً همّه وعلمه وثقافته وأدبه وموهبته وفنّه لخدمتهـا بإخلاص وقور بغير تشنج أو تظاهر أو استعراض!
www. ragai2009.com