من قراءة جيل الوسط لتاريخ مصر المعاصر

من قراءة جيل الوسط لتاريخ مصر المعاصر
شريف عطية

شريف عطية

6:47 ص, الخميس, 18 يونيو 20

تصورات لمسيرة الحرب والسلام بين العرب وإسرائيل (4-4)

إذا جاز تسمية القرن العشرين بقرن الصهيونية.. لفرط ما حققت خلاله من غاياتها العليا (…)، فإنه يجوز اعتبار عقد الثمانينيات بمثابة المدخل لتثنية الوصف نفسه على القرن الحالى الواحد والعشرين، إذ تذلل خلاله العديد من العوائق التى تحول دون استكمال بناء الدولة الصهيونية الكبرى من النيل إلى الفرات، ذلك لو لم يدعم العالم العربى حالة التهاون التى اصطبغت به مواقفه فى القرن المنصرم، وإلا أصبحت المائة الأولى من الألفية الثالثة الميلادية.. تكراراً للصورة المأساوية السالفة التى لا يزال العرب يجترون هزائمها..  ويتشاحنون فيها لتقسيم أوطانهم، فيما يحتشد العبرانيون- لأكثر من قرن- لبناء إسرائيل الكبرى.

إلى ذلك، ومع صعود «الريجانية» إلى سدة البيت الأبيض 1988-1981، وبالتزامن مع عزلة مصر العربية عقب توقيعها اتفاق السلام مع إسرائيل، التى لم تتوان من جانبها على توظيف ذلك الموقف للإقدام فى يونيو 1981 – على تخريب المشروع النووى العراقى، وفى غزو لبنان يونيو 1982، وتدمير البنية العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية التى آثرت بديلاً عن القتال الانتحارى.. الانسحاب دون أن ترفع الراية البيضاء- إلى تونس- خارج دول الإطار المباشر مع إسرائيل التى سارعت من جانبها إلى توقيع اتفاق مايو 1983مع لبنان، لولا أن أفشلته وقتئذ معارضة كل من سوريا والاتحاد السوفيتى ذلك فى وقت اتجه الفلسطينيون، بدون نصير إقليمى باستثناء إيران المنشغلة بالحرب عليها من جانب العراق، إلى الاعتراف فى نوفمبر 1988 بإسرائيل، التى لم يغب عنها مشاركة الولايات المتحدة فى سياسة «الاحتواء المزدوج» لكل من العراق وإيران من خلال حرب الخليج الأولى والثانية، وبحيث أتاح عقد الثمانينيات لإسرائيل- من بعد- توقيع اتفاقيتى «أوسلو» و«وادى عربة» مع الفلسطينيين والأردن منتصف التسعينيات، أن تغلق من ثم وهي فى مركز القوة النسبية- أى محاولات جدية لاستئناف التفاوض مع العرب إلا بشروطها، وعلى النحو المراوغ الذى باتت تتحدى من خلاله العالم العربى كله، إلا من بعض جيوب المقاومة، كما من خلال صمود الرأى العام لرفض التطبيع الشعبى مع الدولة العبرية ما لم تنصع لرد الحقوق العربية المشروعة، إذ دون تمسك الفلسطينيين- تحديداً- بالحدود الدنيا التى بلغوها غير الاندثار والذى يبدو مستحيلاً من جانب شعب من الجبابرة- رغم ضعف إمكانياته- لا يزال يستمسك بالأرض، ويتزايد ديمغرافيًا باطراد، ويمتلك تقريباً أعلى نسبة تعليم فى العالم، ولا يزال يحتفظ السلاح فى اليد.. لاستئناف انتفاضة جديدة بعد انتفاضتيه الأخيرتين فى 1987 (أطفال الحجارة)، والأقصى فى العام 2000 – اللتين راح ضحيتهما ما يزيد على ألف قتيل، ونحو 17 ألف مصاب، إذ لم تثنه ضخامة خسائره، ولا المذابح المتتالية، فى قطاع غزة والضفة، ولا اغتيال قياداته، عن الوقوف- ربما وحيداً- بوجه المحتل الإسرائيلى، مسبباً له ولو بشكل غير مباشر الكثير من أوجه الارتباك الأمنى والسياسى، ليس آخره الفراغ الحكومى الإسرائيلى طوال العام الأخير، لا يزال هشاً، ومن المفارقة أن استقرار هذا الائتلاف يفتقر لتأكيده إلى انضمام القائمة العربية النيابية التى تمثل ثالث كتلة انتخابية فى الكنيست، كما يمثل الفلسطينيون (%20 من جملة السكان) إحدى أهم الأقليات داخل إسرائيل، المشجعة لنظيراتها من غير اليهود الاشكيناز للثورة ضد العنصرية والتوتر الطائفى والاجتماعى داخل إسرائيل، ربما على غرار- ما حصل فى جنوب أفريقيا ضد «الأبرتاهيد» مطلع التسعينيات، وما يجرى حاليا ضد العنصرية فى معاقل الأنجلوسكسون،  أميركا وإنجلترا، من داخل السياق الغربى الذى سبق أن تخلص من المشكلة اليهودية «اليهودى التائه»، وتصدرها إلى الشرق الأوسط، ذلك قبل أن تتنبه العديد من القوى الغربية اليوم إلى أهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كضرورة لتجنب مخاطر السياسة العنصرية، سواء في داخل إسرائيل، والعالم، خاصة أن اشتعالها فى أميركا بالتوازى مع تراكم اختلافات بين تل أبيب وواشنطن، مع وجود «معالم أفول» القوة الأميركية، قد تهدد العلاقة الارتباطية الخاصة بينهما، والتى تمثل وتد الخيمة لبقاء الغطاء الذى قد ينحسر عن إسرائيل. قصارى القول، لقد أظهر التاريخ فى كثير من الأحيان.. أن الكفاح من أجل الاستقلال.. نادراً ما يكتب له النصر على طاولة المفاوضات.. ما لم يسبقه نضال مسلح طويل وممتد، يعرفونه اليوم بالنسبة للحالة الفلسطينية بأنه «إرهاب» ما يؤدى من ثم إلى غياب المحدد الحقيقى للسياسة الخارحية العربية على المستويين الإقليمى والدولى، خاصة أنه فى اعتقاد بعض دوائر المال والأعمال العرب، كما لدى كبار الساسة الإسرائيليين- مثل شيمون بيريز (مؤتمر الدار البيضاء 1995)، أن التفوق الاقتصادى والتكنولوجى لإسرائيل.. يمكن أن يقدم صورة ناجحة لسوق مشتركة شرق أوسطية، الأمر الذى ثنّى عليه كل من «شارون» و«نتنياهو» بالحديث عما يسمى «السلام الاقتصادى»، كما يدخل ربما فى هذا الإطار مشروع مدينة «نيوم»، المقترح من السعودية والجارى العمل به، الأمر.. وغيره.. مما يعتبر أكثر فاعلية لضمان أمن إسرائيل، حتى وإن اقتضى منها ذلك الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة، إلا من تغلب طباع المرابى «شايلوك» فى رائعة «شكسبير» تاجر البندقية، إذ يتحدث عما تسرب من «صفقة القرن» الأميركية.. عن السلام الاقتصادى دون التطرق إلى الشق السياسى من الصفقة، وهو ما يرفضه الفلسطينيون، وبعض العرب، المستمسكون باستمرار الكفاح من أجل الاستقلال، يؤدى إلى استئناف مفاوضات ندية، دونهما تواصل مسيرة الحرب والسلام بين العرب وإسرائيل إلى ما لا نهاية