تسببت جائحة فيروس كورونا المستجد فى خلق أزمة اقتصادية عالمية قوية وانكماش فى الناتج العالمى الإجمالى بنسبة %5.2 خلال العام الجارى وفقا لتوقعات البنك الدولى الذى أشار إلى أنه يمثل أعمق ركود عالمى منذ الحرب العالمية الثانية، الأمر الذى أثر على الاقتصاد المحلي؛ غير أن الإصلاحات الاقتصادية التى نفذتها الحكومة المصرية على مدار السنوات الماضية ساعدت فى التصدى لتلك الأزمة .
وأعلن عدد من المؤسسات الدولية اتجاهها لتوفير سلسلة من التمويلات للمساهمة فى جهود الحكومة لمعالجة الأثر الاقتصادى الناتج عّن الوباء ؛ منها 8 مليارات دولار تقريبا من صندوق النقد الدولي؛ فضلا عن تمويلات من الجهات الأخرى وهى بنوك «الأوروبى لإعادة الإعمار» و«الاستثمار الأوروبى» و«التنمية الأفريقى».
الفقى: اقتصاد مصر بات أكثر صلابة فى مواجهة الصدمات
وقال الدكتور فخرى الفقى، الخبير الاقتصادى ومستشار صندوق النقد الدولى السابق، إن تنفيذ الحكومة برنامج الإصلاح الاقتصادى خلال السنوات الماضية ساعد على أن يكون الاقتصاد أكثر صلابة فى مواجهة أى صدمات .
وأضاف أن الأزمة العالمية الآن تعد صحية، لافتا إلى أنه الآن ونتيجة تفشى وباء كورونا الذى أدى إلى فجوة تمويلية نتيجة تأثر ثلاثة محركات من النقد الأجنبى وهى تراجع السياحة وخروج صناديق الاستثمارات الأجنبية بقيمة 17 مليار دولار فى شهرى مارس وأبريل الماضيين وتحويلات العمالة بالخارج، بينما لم تتأثر صادرات مصر غير البترولية خلال الشهور الخمسة الماضية بل ارتفع حجمها.
كما أن حجم إيرادات قناة السويس لم يتغير فى الشهور الخمسة الماضية مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضى إذ تم تحقيق الإيرادات ذاتها.
وأوضح أنه تم تمويل تلك الفجوة فى الشهور الخمسة الماضية من الاحتياطى الكافى لدى البنك المركزى المصرى واحتياطى البنوك التجارية.
مصر تحصل على 8 مليار دولار من البنك الدولي
وأضاف أنه لملء الفجوة التمويلية ومواجهة نقص موارد النقد الأجنبى فى الفترة المقبلة ؛ من المتوقع الحصول على 5.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولى فى إطار برنامج الاستعداد الائتمانى، مشيرا إلى موافقة الصندوق فى مايو الماضى على توفير نحو 2.77 مليار دولار كتمويل طارئ لمواجهة التداعيات الناتجة عن فيروس كورونا المستجد .
وأعلنت رئيسة بعثة الصندوق إلى مصر، أومارا ماكريشنان، أوائل الشهر الجارى التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع السلطات المصرية بشأن السياسات الاقتصادية التى يمكن دعمها بترتيب الاستعداد الائتماني” Stand-By Arrangement “ الذى تبلغ مدته 12 شهرًا وقيمته نحو 5.2 مليار دولار بهدف دعم جهود مصر للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلى وسط صدمة جائحة كورونا مع الاستمرار فى دفع الإصلاحات الهيكلية الرئيسية.
وقال صندوق النقد إن هذا الاتفاق – المتوقع أن يحفز الدعم المالى الثنائى والمتعدد الأطراف الإضافي- يخضع لموافقة المجلس التنفيذى لصندوق النقد الدولى الذى سينظر فى طلب مصر خلال الأسابيع المقبلة.
ووافق المجلس التنفيذى لصندوق النقد الدولى فى 11 مايو الماضى على طلب مصر لتمويل طارئ بقيمة 2.77 مليار دولار لمواجهة التداعيات الناتجة عن فيروس كورونا المستجد .
وأشار «الفقى» إلى أنه تم الحصول أيضا على 5 مليارات دولار من السندات الدولارية التى تم ترويجها على 3 شرائح.
وزارة المالية تُنفذ أكبر إصدار دولى للسندات الدولية بقيمة 5 مليارات
كانت وزارة المالية أعلنت أواخر مايو الماضى تنفيذ أكبر إصدار دولى للسندات الدولية تقوم به مصر بقيمة 5 مليارات دولار على ثلاث شرائح ( 4 -12- 30 سنة) وبقيم مصدرة تبلغ 1.25 مليار و1.75 مليار و2 مليار على التوالى وبأسعار عائد جيدة جدًا ، ومن المقرر أن يوجه لتوفير جزء مسبق من الاحتياجات التمويلية للعام المالى المقبل (2020 /2021).
وأضاف «الفقى» أن عددا من المؤسسات التمويلية الأخرى مثل البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الأفريقى للتنمية وبنك الاستثمار الأوروبى أعلنت عن توفير تمويلات أيضا ، كما سيتيح البنك الدولى تمويلات لتعزير المنظومة الصحية .
كان البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، أكد فى وقت سابق اعتزامه لتوفير خطوط ائتمان للبنوك المصرية حتى يتم استخدامها فى تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأعلن موافقته فى ٧ يونيو الماضى على تقديم تمويل لبنك الكويت الوطنى – مصر بقيمة 100 مليون دولار، لإعادة إقراضه لمشروعات القطاع الخاص المحلية ، لمعالجة الأثر الاقتصادى لفيروس كورونا.
وجدير بالذكر أن رئيس البنك سوما تشاكرابارتى، قال فى اجتماع عبر “الفيديو كونفرانس” مع الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، بحضور الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولى أواخر أبريل الماضى ؛ إن البنك سيستمر خلال الفترة المقبلة فى دعم جهود التنمية فى مصر، ليس فقط من خلال حزمة التضامن التى ينوى تدشينها لمساعدة الدول على مواجهة تداعيات فيروس “كورونا” المستجد ، وإنما أيضاً من خلال المشروعات متوسطة وطويلة الأجل، وتمويل التجارة، ومساندة قطاع السياحة.
بنك الاستثمار الأوروبى يوافق على تمويلات جديدة بقيمة 7.5 مليار يورو
بينما وافق بنك الاستثمار الأوروبى ، أواخر الأسبوع الماضى ، على تمويلات جديدة بقيمة 7.5 مليار يورو لتنفيذ مشروعات عبر أوروبا وحول العالم ، تشمل مبادرة إقليمية لتعزيز استجابة الرعاية الصحية العامة ضد الفيروس فى دول المغرب وتونس ومصر والأردن، إضافة إلى مولدوفا وبيلاروسيا وأوزبكستان.
وأفادت وكالة أنباء الشرق الأوسط فى تصريح نقلته للممثل للمقيم لمجموعة البنك الأفريقى للتنمية فى مصر؛ مالين بلومبرج، مؤخرا أن البنك يعمل حاليا على تقديم تمويل إضافى للحكومة المصرية للمساهمة فى جهودها بالحد من من تأثير الجائحة على الاقتصاد ؛ مشيرة إلى أن مجلس إدارة البنك سيتخذ قرارا بشأن ذلك قريبا.
قمر: «التشييد» و«الاتصالات» و«الزراعة» تحتوى الآثار السلبية للأزمة
وأكد د. باسم قمر، كبير الاقتصاديين لدى البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية لمنطقة جنوب وشرق المتوسط، أن أهمية تلك التمويلات تأتى من دورها فى المساهمة فى مجهودات الحكومة لسد الفجوة التمويلية لاسيما وأنه كان هناك انخفاض فى عدد من مدخلات الدولار نتيجة عدة أسباب بينها تأثر حركة السياحة جراء انتشار الوباء.
وذكرت تقارير صحفية سابقة وفقا لبيانات للبنك المركزى إلى تحقيق قطاع السياحة المصرية فى العام الماضى إيرادات قدرها 13.03 مليار دولار.
وأشار “ قمر” إلى أن التمويلات التى سيوفرها البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية للبنوك المحلية سيتم إعادة إقراضها كخطوط ائتمانية لصالح المشروعات الصغيرة والمتوسطة لإعطائها سيولة مالية بهدف إعادة جدولة مديونياتها وسداد ما عليها من أعباء مالية .
وقال إن الشركات الكبرى لديها السيولة الكافية التى تساعدها فى مواجهة الأزمة ؛ بينما تعتمد المشروعات الصغيرة المتوسطة على إيراداتها من مبيعات منتجاتها لدفع المصروفات الإنتاجية وسداد ما عليها من قروض لصالح البنوك.
وأشار أن الأزمة الحالية بالعالم تعد صحية وبالتالى التوقعات للفترة المقبلة تعتمد على إمكانية التوصل إلى لقاح لعلاج الوباء وهذا غير معروف حتى الآن.
من الممكن أن تستمر الأزمة خلال العام المالى المقبل مما سيؤثر على قطاع السياحة
وأضاف أنه من الممكن أن تستمر الأزمة خلال العام المالى المقبل مما سيؤثر على قطاع السياحة والاقتصاد المصرى بشكل عام الذى بالرغم من كل الآثار الخارجية ما زال متماسكا ، كما أن هناك قطاعات مختلفة يتم الاعتماد عليها للحد من الآثار السلبية للأزمة .
وأكد أن أول تلك القطاعات هو قطاع التشييد والبناء؛ مشيرا إليّ أنه ما زال يمضى قدما فى تنفيذ المشروعات العملاقة التى ينفذها القطاع الخاص تحت إشراف الحكومة.
وأوضح أن قطاع الاتصالات يشهد رواجا حاليا واستمرارية ؛ مشيرا إليّ أنه من الممكن أن تكون الأزمة الحالية الناتجة عّن تفشى وباء كورونا طويلة ؛ الأمر الذى سنحتاج معه أن تكون هناك طفرة فى التكنولوجيا الحديثة وتنفيذ استثمارات حكومية وخاصة فى هذا القطاع لمواكبة ذلك الرواج.
ولفت إلى أن هناك منظومة متكاملة فى القطاع الزراعى مثل إنتاج محاصيل كالموالح والفراولة التى تتمتع مصر فيها بميزة نسبية ولَم يشهد إنتاجها انخفاضا محليا نتيجة الأزمة.
وتابع أن القطاع الزراعى والمنتجات الغذائية مثل العصائر من الممكن أن تلعب دورا فى المستقبل على صعيد قطاع التصدير.