(2-2)
تتعاظم قيمة دولة الفيس بوك فى الأزمات والكوارث والأحداث العالمية! فالإعلانات تزيد، نسب المشاهدة، الجدل يتصاعد، تسويق المنتجات وحركة المبيعات المنزلية ترتفع جدًّا، عدد المستخدمين والمتصفحين خياليّ، فينفجر الفراغ لساعات متصلة للتجول فى أنحاء الدولة، بين شجب وبكاء وتمرد وغواية وشجب واستعراض وتفلسُف وتنطع.. إلخ، فهل يكون من مصلحة دولة الفيس بوك استمرار تداعيات جائحة كورونا مثلًا؟ أو إحماء فِخاخ الديمقراطيين وترامب على تويتر وإنستجرام؟ أو استمرار المسلسل السورى وكواليس صراع ليبيا وجهاد مصر للبقاء؟
فاق الفيس بوك بطريقة خرافية تأثير هوليوود فى تأصيل الخرافة الأمريكية! السر هو احتراف التلاعب بالأنا الأعلى / الغرور الإنسانى العالمي! بأن يكون المواطن الفيسبوكى واصلًا ومتصلًا ومسموًعا ومرئيًّا بلا قيود أو حدود مكانية وزمانية! متحكمًا فى أصدقائه، ناشرًا لكلماته، مفجرًا لكل مشاعره فى الهجوم والسخط والعشق والدعاء والمجون والتربح.. بكبسة زر!
دولة الفيس بوك لا تقلّ فى خطورتها عن أثر قنبلة هيروشيما، غير أنها ممتدة الأثر! فرغم إنجازات الدولة غير المنكورة فى جوانب كثيرة جدًّا واستفاد منها الملايين إيجابيًّا، لكن خطورة أركان حربها فى إمكانية توظيفهم بمهام خطرة تهدد شعوبًا وقبائل! فعندما تعرض فتيات مشروع تصوير النساء والبنات لأنفسهن بطريقة حميمية مقابل دخل ثابت، فهى قنبلة! عندما تؤسس جروبات سرية وعلنية تروِّج للدجال ونهاية العالم وتبث الهلع والروع بطيء النمو، فهى قنبلة! عندما يطفو ويحلق الرويبضة فى سماء الأثير، فهى قنبلة! عندما تنشر فيديوهات التنمر بالحيوانات وذوى الاحتياجات الخاصة، فهى قنبلة، عندما تدشن كتائب مدونات سياسية وتطرف وفتاوى وآراء، تستقطب وتؤلب وتشيع، فهى قنبلة! وغيرها من قنابل موقوتة تحت بصر وبصيرة كل البشر.
القضية الحقيقية أننا نتعامل مع الدولة كمواطن مخلص لها! نفتتح بها يومنا، نعرف منها أخبار العالم، نود أصدقاءنا، نشمت فى أعدائنا، ندعو مع شيوخنا، نطبق وصفات وعلاجات.. إلخ، فمرافق الدولة تغذى غرور الإنسان بشعوره أنه حى، يتواصل، يضحك، ينشر اكتئابه وأعراسه، حتى الوفيات! نجحت الدولة فى أن نقبلها كبيان يومى لحالنا، وهذه القنبلة الكبرى!
ألمعية أركان حرب الدولة جعلت مرافقها مجانية، نتنفسها بعفوية، نحشرها كجزء من روتيننا اليومى، إمكانية دخل مالى سهل بلا شروط أو قيم، ليدخل استعمالها فى حكم العادة! من هنا ندرك خطورة تحول دولة الفيس بوك إلى قوة ناعمة تقود الوعى الجمعى العالمى ويعتبرها مرجعية أساسية للبحث والتقديم والنشر، ولاحقًا المصداقية (شباب المسلمين فى أمريكا يثقون جدًّا بالشيخ جوجل)!
دولة الفيس بوك لم تعد ظاهرة تدرس أو مكيدة نكتشفها أو مؤامرة تُحاك! بل واقع نجح فى أن يحل محلًّا لواقعٍ أمرّ نعيشه، ويقوم- بارادتنا الحرة- بمساعدتنا فى خلق بروفايلات ومدونات ترضى غرورنا فى الوجود والظهور والتظاهر والمعرفة والتواصل والتأثير والتلاعب.
لن تنتهى دولة الفيس بوك الآن حتى تكمل رسالتها! ولكن المهم أن نحجّم تلاعبها بنا، نستدرك العلاقات الإنسانية الحقيقية لا الافتراضية، الظهور بوجه واحد لا وجوه شتى، نعود لعالم الحقيقة من دولة الهواء، فقريبًا جدًّا سيصحو المواطن الفيسبوكى على حقائق مُرّة، لا يستوعبها حَبْوُه فى مارثون المستقبل!
محامى وكاتب مصرى