ميزة الأعمـال الإذاعية الدرامية تاريخية أو تراثية أو أدبية ، أنها تسـرب الثقافـة إلـى المتلقين فـى بساطة ويسر لا ينقصهما التشويق الذى يدفع إلى المتابعة .. وظنى أن أمثال تمثيليات مكة أم القرى ، والمدينة المنورة ، والهوامل والشوامـل ، والتوابـع والزوابع ، وابن زيدون ، وغيرها مما ذكرت ، تستحضر معانى وقيماً ثقافية وتاريخية ، وتوافق أيضا دور صوت العرب والإذاعات العربية التى كانت تهتم بالخطاب العربى وما يستلزمه من لفت إلى التراث والقيم المشتركـة بين العـرب قبل اجتياح ثقافة التمحور أو التقوقع أو الانسلاخ !
لم تكن اختيارات التأليف والكتابة الدرامية ، خالية من الاختيار المقصود الذى يتناسب مع رسالة الإذاعة بعامة ، وإذاعة صوت العرب التى أمضى فيهـا سعد زغلول نصار معظم عمـره الإذاعى بخاصة . يمم هذا الإذاعى الفذ ، والأديب المتمكن ، شطر الأندلس ليجدل دراما إذاعية أراد بها ـ فيما أراد ـ أن تحمل رسالة إلى الأمة العربية .. فى ثلاثين حلقة ، كتب سعـد زغلـول نصـار وقدم لإذاعة الكويت ، مسلسل ” التوابع والزوابع ” عن الرسالة التى كتبها شاعر الأندلس ابن شُهيد : أحمـد بن عبد الملك .. ذكـره ابن سعيد فـى كتابـه « المُغرب فى حلى المَغرب » ، وفصله ابن بسام فى الذخيرة.
وكتب عنه الأستاذ أحمد أمين فى الجزء الثالث من ظهر الإسلام .. وأساس فكرة « التوابع والزوابع » يتفق مع أساس رسالة الغفران للمعرى ، والكوميديا الإلهية لدانتى ، ويرجح الأستاذ أحمد أمين باستدلال يسوقه ـ أنها أسبق كتابة بنحو عشرين عامًا من رسالة الغفران التى يتفق الثقات على أنها أسبق من كوميديا دانتى .. معنى « التوابـع » : الجن التى تصاحب الإنسان ، كالقرين والقرينة .. و« الزوابع » تعنى العواصف وتومئ أيضًا إلى رئيس الجن فى مشاهد التوابع والزوابع .. اتخذ ابن شُهيد هذه الرسالة وسيلة لبيان آرائه فى الشعراء والأدباء والكتاب ، وفى المشكلات الأدبية .. أدارها على لسان الجن ، وحاور بها أطياف من عرض لهم من الشعراء والأدباء .. لم يحظ هذا العمل بما حظيت به رسالة الغفران التى كتبت عنها بنت الشاطئ ولويس عوض وآخرون ، ولا بما حظيت به كوميديا دانتى .. يبقى محسوبا للكاتب الدرامى أن يخوض الصعب ملتفتا إلى قيمة الغاية .. فى اقتدار ينضح بحاسته الشعرية وتمكنه من اللغة العربية وإحاطته بالقضايا الأدبية ، صب سعد زغلول نصار هذه الرسالة فى قالب درامى متميز .. تدور مشاهدها ـ أو مسامعها ـ على لسان الجن وابن شُهيد وشعراء العربية عبر العصر الجاهلى ثم الأموى ثم العباسى .. امرؤ القيس ، وزهير ، وطرفة .. وأبو تمام ، وأبو نواس ، والبحترى ، والمتنبى .. على لسان الجان وابن شُهيد وهؤلاء ، دارت دراما « التوابع والزوابع » التى اتسعت أيضا بنسيجها الدرامى إلى حكاوى الجاحظ وبخلائه ، والكندى وفلسفته ، وبديع الزمان الهمذانى ومقاماته ، وعبد الحميد الكاتب ومحاوراته .. وفى نسيج درامى مشوق ومجدول بتمكن واقتدار ، تقـرب من المتلقى زبدة أشعار ومواقف ورسائل وحوارات هؤلاء الشعراء والأدباء .
مع أنسام الأندلس ، والنزوع إلى الماضى الجميل الذى كان ، وأنغام الشعر ، وأطياف الأندلسيات ، جدل سعد زغلول نصار فى ثلاثين حلقة مسلسله الدرامى عن ابن زيدون الشاعـر الأندلسى الذى يرى أحمد أمين أنه استصفى غزل العباس بن الأحنف ومسلم بن الوليد ، وديباجة البحترى وحسن سبكه ونصاعة أسلوبه ، وطول نفس وتدفق ابن الرومى .. اختيار وإبداع سعد لهذا البناء الدرامى ، يكشف فضلا عن الإعجاب بالشاعر ، وجزالة شعره ، عن إلمام بالتاريخ الأندلسى وتضاعيف الحياة الاجتماعية وما صاحب حياة ابن زيدون من منعطفات ما بين حبه لولاّدة بنت الخليفة المستكفى ، ومنتديات الأدب التى كانت تقيمها ويتصدرها ابن زيدون حتى تغيرت ولاّدة وتغيرت معها الدنيا ، وانقلب أمل ابن زيدون أن يكون أميرا ، إلى غمة السجن ولوعة الهجر فضلا عن إعراض الحبيبة عنه ، وما صاحب هذه المنعطفات من نبضات وأنغام الشاعر الذى لم تكف قيثارته عن العزف !.. ترى أى حنين إلى الماضى الجميل شد أديبنا الإذاعى إلى الأندلس ليكتب هـذه الدرامـا المطولة عن ابن زيدون والأخرى عن « التوابع والزوابع » للشاعـر الناثر ابن شُهيد ؟!
www. ragai2009.com
[email protected]