من المتفق عليه إجماعاً.. أن ما جرت عليه المقادير من ازدهار سبق تراجع حضارة مصر القديمة قبل الميلاد، يتماثل إلى حد ما مع ما جرت عليه المقادير بالنسبة لانحسار الحضارة الإسلامية بعد سابق ازدهارها من القرن السابع الميلادي، سواء من حيث سعى الحضارتين الفرعونية والإسلامية، رغم الفارق الزمنى بينهما، إلى توقير الدين والعمل على استنارته، ونحو التعلق بأهداب العلم والفروسية وفنون الإدارة.. وما إلى غير ذلك من أسباب التقدم الإنسانى التى صدّرتاه منذ فجر التاريخ إلى البشرية، وإلى الحد الذى قد يكون من المحال أن يلحق الاندثار بهذه الجينات المتوارثة من حضارة إلى أخرى ، ولئلا تجاهد الأجيال التالية من ثم للسعى بعزم من جديد فى استنهاض وتطوير ما خلفه الأجداد من تراث تليد بنت عليه ، وتلاقحت معه مستجدات، الحضارات المتعاقبة الحديثة، وما بعد الحداثة ، إذ بقدر العزم على الإسهام فى استنهاض المستقبل من خلال تفعيلها أواصر الماضى Future IN THE PAST ، إذ يمكنهما – الأمة المصرية والإسلامية.. شغل مكانتهما المستحقة بقدر جهدهما – فى النظام العالمي الراهن الذى يشهد فى السنوات الأخيرة إرهاصات دراماتيكية نحو إعادة بنائه، لكن مع التحوط الحصيف لئلا تتكالب عليهما من جديد.. ما كان من سابق سطوات نفوذ الإمبراطوريات القديمة أو ظلاميات عهود «الخلافة» والسلطنة أو استعماريات الإمبرياليات الحديثة، بسيان.
إلى ذلك، من الجائز القول عن حق.. بدور الحضارة المصرية منذ قديم الأزل فى تثوير وتجديد الأديان.. على تراتبها المثير – بدءاً من الفلسفات الأخلاقية الوضعية.. ومن قبل نزول الرسالات السماوية من اليهودية والمسيحية.. إلى الإسلام، الأمر الذى أسهم – ولا يزال – فى دعم وتأكيد تحضر ومحورية الدور المصرى الروحانى، إلى جانب تميز ثوابتها الجغرافية والتاريخية على الصعيدين الإقليمى والدولي، ما يدفع خصوم مصر إلى السعى بلا كلل على مرّ الزمان .. للحيلولة دون التحام أسباب نهضتها الحديثة – المرة تلو الأخرى – مع أدبيات الاستنارة الإسلامية، وفى العمل على تضارب أهدافهما ، ما يؤدى إلى إرباك التوازن بينهما – كضرورة – فى الصميم، إذ تلقى هذه الأيديولوجيا المعادية تشجيع النزعة الإسلاموية Islamism – بالدعم المباشر أو غير المباشر – فى مواجهة الأنظمة المدنية الحداثية، ذلك عبر سياسات غربية وصهيونية مهيمنة فى العالم العربى الإسلامى، تسعى لأن تكون جماعات ما يسمى بتيار الإسلام السياسى.. بديلاً (فى الحرب الباردة ) لكل من النزعة الليبرالية (حزب الوفد فى مصر مثالاً)، والاشتراكية، كذلك العلمانية والماركسية الأصوليتين، وحيث يوجد لهذا التصور جذوره فى الرؤية الشاملة لجماعة الإخوان المسلمين، الحركة الأم للجماعات الإسلاموية فى مصر كافة منذ العام 1928، أى بعد 4 سنوات من سقوط (منصب الخليفة)، 1924، الذى سرعان ما تصارع لشغله منذ ذلك التاريخ حكام عرب نصبتهم بريطانيا التى رعت بالتوازى إعلان جماعة الإخوان فى مقر قاعدتهم العسكرية فى منطقة القناة، قبل أن تنتشر فى أرجاء مصر والمنطقة، ولتمثل من بعد القوة المعارضة للجناح الأزهرى المستنير الرافض مع حزب الأغلبية مبدأ «الخلافة» (مصطفى عبد الرازق – طه حسين.. إلخ)، إلا أن بريطانيا سعت إلى رعاية إعلان الجامعة العربية 1945 بديلاً عن فكرة (الجامعة الإسلامية)، المجهضة ، ذلك قبل قليل من تمكن جماعة الإخوان من اختراق تنظيم «الضباط الأحرار» الذى أدت قيادات بارزة فى جمعيته التأسيسية (..) قَسَم البَيعة لأدبيات الجماعة الإخوانية ، إيذانًا باندلاع حركة الجيش فى يوليو 1952، مثلت فيها الجماعة جناحها الشعبى، المنقسم قياداته فيما بعد بين المجلس الثورى والتنظيم الخاص الذى قاد الجماعة فى أزمة مارس 1954 للتحالف مع الأحزاب القديمة (وبالتنسيق مع الإنجليز)، لاستقطاب رئاسة مجلس الدولة (السنهورى باشا) المنحاز إلى إحياء دولة الخلافة الإسلامية «عصبة أمم شرقية» – «إمامة وخلافة» – الأمر الذى مثل فى واقع الأمر.. السبب الحقيقى (الخفي) لأزمة مارس 1954 مع عناصر من أسلحة الجيش، قبل شهور من محاولة اغتيال «عبد الناصر» فى أكتوبر ، ما أدى حينئذ إلى تصفية جماعة الإخوان التى أعيد إحياؤها مطلع السبعينيات ، سياسياً واقتصادياً، قبل نحو عقد من اغتيال السادات فى أكتوبر 1981 على يد متطرفين إسلاميين ، وليتابع «مبارك» رغم اغتيال سلفه وربما بسبب ذلك ، وبضغط مرجح من الشريك الأمريكى، السماح بدخول عشرات من أعضاء الجماعة البرلمان، إلى أن استولى الحزب المنبثق عن الجماعة على مقاليد الحكم فى يونيو 2012، قبل عام من إسقاطه فى يونيو من العام التالى عبر ثورة شعبية مؤيدة من الجيش، ليتوارى من بعد – إلى حين – نشاط الجماعة إلا من العمل السرى الذى استمر بشكل أو آخر طيلة قرن من الزمان إلا قليلاً، عانت مصر خلاله – ولا تزال – العديد من تعقيدات العلاقات المدنية – الدينية ، رغم محاولات النخبة السعى لصناعة طريق مغاير لعقل الإخوان الذى يمثل مرحلة ، ربما ليست غير أخيرة، من فترات إسلاموية قلقة للمشروع النهضوى فى مصر .
(يتبع)