مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (60)
طرح مرتضى المراغى فكرة الاتصال بالضباط الثائرين لمعرفة ماذا يريدون ، والسعى بقدر المستطاع لإيجاد حل.
أبدى الهلالى أن الفكرة لا بأس بها ، ولكن كيف تنفذ ؟
أجابه المراعى بإرسال مندوب من مجلس الوزراء ليتكلم مع الضباط.
بيد أن الوزراء سكتوا جميعًا وهم يتبادلون النظر دون أن يبدى أحد منهم استعدادًا للقيام بهذه المهمة.
ضحك نجيب الهلالى قائلاً : لا أجد أحدًا يريد تعريض نفسه بأن يكون المندوب فقال المراغى : « أنا مستعد أن أكون المندوب وأن أسافر فورًا ، فأعطونى تفويضًا وسجلوه على أنه قرار من مجلس الوزراء وكانت الساعة قد بلغت الثانية والنصف فاتصلت بشركة مصر للطيران ولم اجد أحدًا حتى الخامسة صباحًا ، إذ رد على مندوبها بعد أن علم البوليس بمكانه ، واعدت طائرة ركبتها فى السادسة صباحًا وتوجهت إلى القاهرة وكانت مفاجأة لى أن وجدت مصطفى أمين صاحب دار أخبار اليوم ينتظرونى للركوب معى إلى القاهرة ، وكان مصطفى امين قد زارنى فى مكتبى فى الصباح وظل معى وقتًا طويلاً يتابع الأحداث التى كانت قد بدأت تنبئ فى ذلك الوقت عن أن شيئا غير عادى قد بدأ فى الحدوث.
وصلت إلى المطار حوالى السابعة وركبت سيارة كانت فى انتظارى وتوجهت أنا والسائق إلى ثكنات قصر النيل ، فوصلنا بعد نصف ساعة ، واستوقف الحراس السيارة ثم جاء ضابط فسألته عن اللواء محمد نجيب ، طلب منى أن أنتظر ودخل وعاد بعد عشر دقائق ليقول إن اللواء محمد نجيب خرج.
قلت : وأين ذهب ؟
قال الضابط : لا أعرف وإن كنت اظن أنه توجه إلى منزله.
وسالته : هل يعرف أين منزله ؟
قال : لا أعرف.
ومن ثكنات قصر النيل حيث فندق هيلتون الآن توجهن حوالى الثامنة والربع إلى مكتبى فى وزارة الداخلية وطلبت البحث عن مكان اللواء نجيب ، وبعد وقت قيل إنه قى ثكنات الجيش فى العباسية.
قلت : أوصلونى به
وردت الثكنات بأنه فى اجتماع مغلق مع أعضاء القيادة وفى التاسعة إلا ربعًا دخل على سكرتيرى وهو فى حالة هلع ينتفض.
قلت له : ما بك ؟
قال : سيدى جاء ضابطان مسلحان بالبنادق الأوتوماتيكية إلى مكتبى الآن يريدان مقابلتك. قلت : أدخلهما.
دخل الضابطان وأديا التحية العسكرية.
قلت : ماذا تريدان ؟
قال أحد الضباط : سيدى ، نحن مكلفان من مجلس القيادة بدعوتك إلى مقر القيادة فى ثكنات العباسية.
قلت : هل هى دعوى أم أمر بالقبض ؟
قال القائد : لا يا سيدى ، إنها دعوة.
قلت : وهل هذه هى الطريقة المثلى للدعوة أن تجيئا مسلحين ومعكما جنود مسلحون.
قال الضابط : آسف يا سيدى ، ولكن يجب أن نسير مسلحين وفى حراسة مسلحة.
قلت : إنى منذ ساعة أبحث عن اللواء محمد نجيب ، فلماذا لم يكلمنى ويدعونى هو ؟
قال الضابط : إن الذى كلفنا بدعوتك ليس اللواء نجيب وإنما البكباشى جمال عبد الناصر.
قلت : حسنًا أديتما المأمورية التى كفاتهما بها وأرجو أن أقابله.
وما كاد الضابطان ينصرفان حتى رن جرس التليفون ، وكان المتكلم اللواء محمد نجيب.
قال اللواء نجيب : علمت بقدومك إلى القاهرة الآن فقط.
قلت : إنى قدمت الساعة السابعة ، وأحاول أن أقابلك وأكلمك.
قال : أخيرًا.
قلت : إنى مبعوث من مجلس الوزراء للتكلم معكم.
وصمت محمد نجيب فترة جاءنى صوت ملجلج يقول : ولكن.. ولكن ولكن
قلت : ولكن ماذا يا باشا ؟
قال محمد نجيب : أصل المسألة أن الملك كلف على باشا ماهر بتشكيل الحكومة ، والهلالى قد استقالته.
قلت : ومتى تم ذلك ؟
قال محمد نجيب الساعة التاسعة صباحًا.
ثم سكت برهة ، وقال : على كل حال ، إذا كنت تريد مقابلتى فأهلاً وسهلاً.
قلت : إننى مبعوث مجلس الوزراء إليكم ، وباستقالة الوزارة أنتفت عنى صفة المبعوث ، وعلى كل حال أشكرك على الدعوة وأعتذر عنها.
وانتهت المكالمة».