مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (57)
فى الواقع تبدأ شهادة المراغى من هنا ، لتكون عن توابع حكم فاروق ، أى قيام حركة الضباط الأحرار التى بدأ مسماها بالحركة المباركة ، إلى أن صارت ثورة يوليو 1952.
يروى المراغى أنه صباح الثلاثاء 22 يوليو 1952، أول أيام عمل الوزارة الجديدة برئاسة نجيب الهلالى، والتى عين فيها المراغى وزيرًا للداخلية ، تلقى اتصالاً تليفونيًا بمكتبه ببولكلى بالإسكندرية حيث كانت الوزارة تنتقل بكاملها إلى هناك فى شهور الصيف، وكان المتصل اللواء أحمد طلعت حكمدار القاهرة حيث نقل إليه أن سيدة أتصلت به منذ عشر دقائق ، وقالت له وهى تبكى إن عربة نقل من عربات الجيش مرت على بيتها ونزل منها ضابط متمنطق بمسدس وصعد إلى المنزل ، وطلب نجلها وهمس فى أذنه بشىء، ودخل ابنها الغرفة وارتدى زيه العسكرى على عجل وتمنطق بالحزام الذى يحمل المسدس وسألته أمه : لماذا تتمنطق بالحزام والمسدس وأنت فى عطلة وإلى أين انت ذاهب؟ وكانت إجابته أن ادعى لى يا أمى ، فذهبت إلى النافذة ورأت فى سيارة النقل عددًا من صغار الضباط وخوفًا على ابنها فقد اتصلت باللواء طلعت تستوضح منه الأمر.
وإذ أتفقا أن الأمر مريب ، فقد كلفه المراغى بأن يتحقق من أن الضباط يتوجهون إلى ثكناتهم بهذه الطريقة ، فعاود اللواء أحمد طلعت الاتصال به ظهرًا بعد ساعتين لينقل إليه أن بعض عربات قليلة نقلت الضباط ولكن الأمر لم يتخذ شكل حشد ، ولم يشاهد البوليس أية تجمعات للضباط أمام الثكنات ، ولم تشاهد سيارات النقل.
البحث عن الفريق حيدر
لم يطل التفكير بمرتضى المراغى فغلبه حذره الأمنى وهو يتذكر منشورات الضباط الأحرار والتقارير المكدسة فى وزارة الداخلية عن تحركاتهم ، فدب الشك فى نفسه أنهم بدأوا يتحركون ، مع أن المعلومات المتوفرة كانت تشير إلى أن حركتهم ستكون فى سبتمبر أو أكتوبر.
وخطر للمراغى أن تعيين إسماعيل شرين وزيرًا للحربية ربما دعاهم للتبكير بحركتهم ، فطلب من سكرتيره الاتصال على عجل بالفريق حيدر ، وبحث عنه السكرتير فى كل مكان يمكن أن يكون موجودًا فيه فلم يجده وعلى رغم أنه كان من عادته إذا لم يكن فى بيته أو مكتبه ، أن يذهب دائمًا إما إلى مينا هاوس أو إلى نادى الزمالك وإذا لم يكن فى المكانين يترك دائمًا رقم تليفون المكان الذ هو فيه فإنه فى ذلك اليوم لم يفعل شيئًا من ذلك ، فاتصل المراغى باللواء حسين فريد رئيس الأركان وأبلغه ما ذكره اللواء طلعت ولكنه أجاب بأن كل شىء هادئ فى علمه ولعلهم ذاهبون لمشاهدة مباراة لكرة القدم.
قال له المراغى : وهل يذهبون إلى المباراة بأسلحة ؟
قال: على كل حال الذى أعرفه أن كل شىء هادئ.
وطلب المراغى من السكرتير أن يوصله بوزير الحربية إسماعيل شرين.
فأجابه أنه غير موجود فى مكتبه وأنه اتصل بمنزله فقيل له : إنه فى رحلة صيد سمك على ظهر يخت يملكه ، وانتظر المراغى حتى الخامسة ظهرًا وسأل عنه مرة أخرى فقيل : إنه لا يزال فى رحلة الصيد ، كل ذلك وحيدر لم يتصل به فأتصل بقصر المنتزه وطلب التحدث مع الملك.
رد أمينه الخاص ويدعى حسنين قائلاً : إن جلالته يعوم فى البحر.
فطلب المراغى أن يخبره حين يعود أنه يود التكلم معه.
الملك يتهرب من مقابلة وزير داخليته
كان المراغى قد أبلغ نجيب الهلالى بشكوكه ، فشدد عليه أن يتحرى الأمر جيدًا وأن يتصل بالقصر ، فلما لم يرد إسماعيل شرين أو حيدر على اتصاله ، ولم يرد الملك بدوره على اتصاله ، عاود الاتصال بالهلالى فقال له ساخطًا:
يعرف شغله الملك ، واحنا نقلق نفسنا علشان ايه يا مرتضى، أنا قرفان واللى يحصل يحصل.
وفى الثامنة اتصل بالمراغى حسنين أمين الملك الخاص وقال: إن الملك عاد من البحر ويريد أن يعرف لماذا طلبت التحدث معه ؟
قال له المراغى: قل للملك إنى أود مقابلته فورًا.
فعاد يقول: ولماذا تريد أن تقابله ؟
قال المراغى: لأنى أخشى حدوث شىء فى الجيش فى المساء ، لهذا أريد مقابلته.
فذهب وعاد ليقول: هل اتصلت بوزير الحربية أو الفريق حيدر ؟
فقال المراغى: ما دام الملك لا يريد مقابلتى فاتصلوا أنتم بمن تريدون الاتصال به.
وقد علم بعد ذلك أن السيدة نهى وصيفة القصر قد لازمت الملك منذ الصباح ، وأنها تناولت معه طعام الغذاء وعامت معه فى البحر ، وعلمت بالمكالمة التليفونية التى أجراها المراغى مع أمينة الخاص ، وقالت له : إن وزير الداخلية لن يتركك فى راحة أبدًا ، إنه
يريد أن يجعلك تصطدم بالجيش بأية وسيلة ، إهدأ بالا يا مولاى ولا تهتم لهم ، إن الجيش موال لك.
www. ragai2009.com
[email protected]