أكدت وزارة الأوقاف، في بيان منذ قليل، بعض الحقائق، وعرضت لبعض التنبيهات التى تتعلق بالمساجد وأداء الصلوات خلال شهر رمضان الكريم لعام 2020 الذي يحل علينا هلاله المبارك خلال أيام. وفيما يلي تستعرض الوزارة هذه الحقائق.
أولًا: أكدنا بعد أخذ رأي معالي وزيرة الصحة أن فريضة الصيام قائمة على الأصحّاء المستطيعين، ولا أثر لفيروس كورونا على الصيام على الإطلاق لغير المصابين بالفيروس وأصحاب الأعذار المرَضية الأخرى.
وقد أكدت دار الإفتاء المصرية أن مجرد الخوف من الإصابة بكورونا ليس مبررًا للإفطار، وهو ما ندعمه ونؤكده، إنما يكون الإفطار للمرضى وأصحاب الأعذار المعتبَرة شرعًا.
ثانيًا: أكدنا أنه لا مجال على الإطلاق لرفع تعليق إقامة الجُمع والجماعات، بما في ذلك صلاة التراويح خلال شهر رمضان المبارك، وأنه لا مجال لفتح المساجد خلال الشهر الكريم؛ مراعاة للمصلحة الشرعية المعتبرة، التي تجعل من الحفاظ على النفس البشرية منطلقًا أصيلًا في كل ما تتخذه الوزارة من قرارات، وأن فكرة إقامة التراويح في المساجد هذا العام غير قائمة لا بمصلّين ولا بدون مصلين، فالساجد قبل المساجد، ودفع المفسدة وهي احتمال هلاك الأنفس مقدَّم على مصلحة الذهاب إلى المسجد، و قد جُعلت لنا الأرض كلها مسجدًا وطهورًا، ومن كان معتادًا الذهاب إلى المسجد فحبَسه العذرُ المعتبر شرعًا، كُتب له ثواب ذهابه إلى المسجد كاملًا غير منقوص، وهو ما ينطبق على العذر القائم في ظروفنا الراهنة.
ثالثًا: نؤكد أن الخطر- كما تؤكد وزارة الصحة- إنما هو في التجمعات، ومن ثمة فإننا أكدنا ضرورة التباعد الاجتماعي والأخذ بجميع الإجراءات الوقائية، ومراعاة عدم التجمع حفاظًا على الأنفس، وهي مصلحة معتبرة شرعًا، ومن ثمة أكد الأزهر الشريف وأكدت كل من دار الإفتاء المصرية ولجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب، وأكدنا وما زلنا نؤكد الالتزام بما تقرره مؤسسات الدولة من إجراءات، وأن إقامة الجمعة أو الجماعة بالمخالفة لقرارات وزارة الأوقاف، سواء أكانت المخالفة في المسجد أم خارجه بمحاولة إقامة الجمعة أو الجماعة أمام المساجد أو على أسطح المنازل أو في البدرومات أو في الطرقات، كل ذلك إثم ومعصية، فضلًا عن أن الجمعة لا تنعقد دون إذن الجهة المختصة في الدولة بذلك، باعتبارها نائبة عن ولي الأمر في ذلك.
كما نؤكد أمرين :
١- دعوة جميع المواطنين إلى الالتزام بما تقرره مؤسسات الدولة: كل في مجاله، وبيان أن الخروج على هذه التعليمات بما يعرّض حياة الناس للخطر ويساعد على انتشار الوباء إثم ومعصية قد يصل إلى حد الجريمة إذا ترتّب عليه هلاك النفس البشرية أو تعريضها للخطر أو الهلاك.
٢- أن على جميع الأئمة وجميع العاملين بالأوقاف الالتزام الحرفي التام بتعليق الجمع والجماعات، وأن أي إمام أو غيره من العاملين بالأوقاف يخالف هذه التعليمات أو يقصر في الحفاظ على مسجده لا مكان له في الأوقاف، كما نؤكد أن قيام أي إمام أو غيره من المفتشين أو مقيمي الشعائر بجمع الناس أو إمامتهم في أي مسجد أو زاوية أو كمبوند أو غير ذلك، مخالفة تستدعي إنهاء خدمته على الفور.
رابعًا: نؤكد أن التدين المبني على الجهل أو الهوى والمتاجرة بالدين أخطر أدواء العصر، ولذا قالوا: فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، وعليه نؤكد وبلا أي تردد أنه لا مكان في وزارة الأوقاف لصاحب فكر متطرف أو عقل متحجر.
خامسًا: أن إعفاء المتحدث باسم وزارة الأوقاف من كونه متحدثًا باسم الأوقاف إنما كان لإدلائه بتصريحات غير مدروسة لا تمثل الوزارة، بل تصادم موقفها الثابت في تعليق الجمع والجماعات وعدم فتح المساجد نهائيًّا لحين زوال علة الغلق؛ وهي انتشار فيروس كورونا، سواء في ذلك رمضان وغير رمضان؛ إذ ليس من الدين ولا من الحكمة ولا من العقل ولا من المنطق أن نحافظ على حياة الناس في شعبان ولا نحافظ عليها في شهر رمضان.
سادسًا: أكدنا أن شهر رمضان شهر خير ويمن وبركة، ولم ولن ينقطع فضل الله (عز وجل) فيه عن عباده إلى يوم القيامة، فما زالت أبواب الرحمة وسبل الخير واسعة لمن يريد العمل لا الجدل، ويبحث عن المتاح والميسور، ويأخذ بيسر الإسلام وسماحته، ولا يقف عند حدود المتعذر مضيِّعًا المتيسر، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنبِه” (صحيح البخاري).
وقد أكدنا أن فريضة الصيام قائمة على غير المصابين بكورونا وأصحاب الأعذار، بناءً على الرأي الطبي بأنه لا تأثير لفيروس كورونا على الصيام لغير المصابين وأصحاب الأعذار المرَضية، وأن الصيام لا أثر له على الإطلاق في انتشار فيروس كورونا، وأنه لا مشكلة في صيام الأصحّاء، إنما يكون الإفطار للمصابين بالفيروس وأصحاب الأعذار المرَضية الذين يوصيهم الأطباء بالإفطار.
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”، وقيام الليل قائم، والأصل فيه أن يؤديه الإنسان في بيته. وفي الصحيحين أَنَّ نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: (قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ)” (متفق عليه). وفرصة أن ننير بيوتنا بقيام الليل حيث يقول الحق سبحانه: “كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” (الذاريات: 17, 18). ويقول سبحانه: “تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (السجدة: 16). ومعلوم أن ذلك كله غير مخصوص ولا محصور بالمسجد، بل إن سياق الآيات أعمّ وأشمل.
ويقول (صلى الله عليه وسلم): “مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (صحيح البخاري)، وما يقال في شأن قيام الليل بصفة عامة يقال في شأن ليلة القدر بصفة خاصة.
ورمضان شهر القرآن والذكر؛ يقول (صلى الله عليه وسلم): “الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، وهو شهر البر والصلة، وشهر الجود والكرم، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أجود الناس وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ” (متفق عليه)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “مَنْ فَطَّرَ صَائمًا، كانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْر الصَّائمِ شيءٍ” (رواه الترمذي).
ومعلوم أن ذلك كله قائم لم ينقص منه شيء. وإذا كانت الظروف الآنية تحول بيننا وبين الجمع والجماعات، وكان باب من أبواب الخير متعذرًا للظرف الراهن فهناك عشرات الأبواب ما زالت مفتوحة واسعة. ثم إن الإنسان إذا حُبس عن عمل ما اعتاده من الخير لعذرٍ فإن ثواب ما كان يعمله قائم له أجره، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللهُ تَعَالَى لهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثلَ مَا كَانَ يَعمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا” (صحيح البخاري).