من تراب الطريق (830)

من تراب الطريق (830)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:58 ص, الأربعاء, 1 أبريل 20

مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (39)

قنبلة زمنية لقتل كل القضاة

نعود الآن إلى شهادة مرتضى المراغى، فنراه يروى أنه بعد اغتيال الإخوان للنقراشى باشا ــ أيضًا فى ديسمبر 1948، ولى الوزارة إبراهيم عبد الهادى العضو البارز فى الهيئة السعدية، ويضيف المراغى أنه كان فى عزمه شىء واحد، «وهو أن ينتقم لزعيمه وأن يقضى على جماعة الإخوان. فجردت الحكومة عليهم حملة لا هوادة فيها. وقبض على عدد كبير منهم وأودعوا السجون ، وأدَّعى الكثير منهم أنهم لاقوا معاملة وحشية تناولت تعذيبهم وضربهم وحرمانهم من الطعام وزيارة الأقارب. ولم ترهب الحملة الإخوان فأرادوا أن يعملوا عملاً يحدث دويًا مروعًا يدل على أنهم أقوياء، وأن حكومة عبد الهادى لم تقدر على قص جناحهم. وكان ذلك العمل سيحدث دويًا مروعًا حقًا بل خرابًا شاملاً وضحايا كثيرة لو تم تنفيذه. ولولا المصادفة الحسنة لوقع ذلك الخراب. فقد كان أحد الجنود ممن انتهت خدمته اليومية يسير فى فناء محكمة الاستئناف العالى. فوجد سيارة جيب فيها صندوقان خشبيان كبيران ، وعلى بعد منها سيارة جيب فيها شخصان جالسان وشخص آخر قادم اليهما من ناحية السيارة الجيب. وتذكر رجل الشرطة أنه رأى وجه الشخص القادم من الجيب ، وأنه يعرف ذلك الوجه. وعصر فكره قليلاً ليتذكر أنه عضو فى جماعة الإخوان المسلمين. فجرى وراءه ليسأله هو ومن يركبون الجيب عن هويتهم. وعند اقترابه منهم أدركا أنه عرفهم. فقفزا من السيارة وركض الثالث وضاعوا وسط زحام الجماهير. وأسرع الجندى الى مركز الشرطة ليلقى إليهم باشتباهه. ولم يتردد ضابط المركز فى طلب خبير بالمفرقعات. وانتقل الجميع الى عربة الجيب المحملة. ووجدوا أن الصندوقين متصلان بقنبلة زمنية ، وفيهما كمية من الديناميت لو انفجرت لدمرت دار القضاء العالى بما فيه من قضاة يبلغ عددهم مائتين ومتقاضين يبلغون الألوف ، بل وكانت دمرت جزءًا كبيرًا من الحى.

«أما الصيد الثمين الذى لا يقدر بثمن لحكومة إبراهيم عبد الهادى فقد عثر عليه فى أحد المنازل عند تفتيشها. حين وجدوا سجلاً كاملاً يحوى التنظيم والخلايا السرية لجماعة الإخوان وأسماء أعضائها كاملة. ومن المصادفات العجيبة أن هذا الكشف الذى أودع فى أضابير إدارة الأمن العام أيام حكم إبراهيم عبد الهادى ، كان أثمن هدية تلقاها المرحوم  جمال عبد الناصر من حكومة ما قبل الثورة. لأن هذا الكشف للتنظيم السرى ساعد عبد الناصر فى القضاء على الإخوان، بعد حادث الاعتداء عليه وهو يخطب فى ميدان المنشية فى الإسكندرية ، إذ أطلق عليه أحد جماعة الإخوان النار ولم يصبه. وكان عبد الناصر معهم بالغ القسوة، إذ شنق اثنى عشر من كبار زعمائهم ونكل بأعضاء التنظيم السياسى تنكيلاً شنيعًا إذ أودعوا بالآلاف فى السجون والمعتقلات وعذب بعضهم حتى الموت، وحرمت أسرهم من معاشهم.

«ولعلها مفارقة عجيبة أن إبراهيم عبد الهادى حكم عليه فى عهد الثورة بالاعدام، لأنه عذب الإخوان، ثم خفف جمال عبد الناصر الحكم الى الأشغال الشاقة المؤبدة، وقد أفرج عنه لاحقًا ورُدّ إليه اعتباره وأُشيد بوطنيته إبان رئاسة الرئيس السادات».

www. ragai2009.com